... هكذا دبت الحياة من جديد في قصر بعبدا

مع وصول سليمان رئيسا منهيا فراغا دام 6 أشهر

سليمان يستعرض ثلة من الحرس الجمهوري لدى دخوله باحة قصر بعبدا (ا ب ا)
TT

دبّت الحياة في جنبات القصر الفارغ. يوم امس كان يوما لملء الفراغ الذي حرم القصر الجمهوري في بعبدا من رئيسه وموقعه على خريطة الحياة السياسية اللبنانية.

يوم حافل عاشه الصحافيون الذين توافدوا منذ الصباح الباكر لمواكبة مراسم وصول الرئيس. أتوا من وسائل اعلام محلية وعربية وعالمية لتغطية دخول العماد ميشال سليمان الى القصر، رئيسا للجمهورية اللبنانية. غالبيتهم لم يتسنَّ لهم معرفة ان سليمان كان قد أجّل موعد وصوله، من التاسعة صباحا حتى الثانية عشرة ظهرا. فكانت ساعات الانتظار طويلة، مرهقة، انما غير مملّة على الاطلاق. فالجميع بدوا متحمّسين لهذا اليوم «المنتظر». وتحوّلت ساعات الانتظار، ساعات للتلاقي بعد «الفراغ» الذي «باعد» بين أهل المهنة. ففيما تصفّح البعض عناوين الصحف أو بعض المواقع الالكترونية سريعا، كانت المراسلات يتبادلن الاحاديث بعد طول الغياب. بعضهن امتنعن عن التقبيل حرصا على مساحيق التجميل المتقنة كالملابس، خصيصا لهذه المناسبة. ومن كان يقوم بالزيارة الاولى، شكلت ساعات الانتظار فرصة للتعرف الى الاماكن المتاح الدخول اليها في القصر.

واضح ان النبات يحتاج الى بعض اعمال «التشذيب». استراق النظر يسمح برؤية بعض من يستغلون الفرصة لالتقاط الصور التذكارية. اما المصوّرون التلفزيونيون فمنهمكون في التسابق لحجز «الزوايا الاستراتيجية» تمهيدا لالتقاط أفضل المشاهد. ومن نجح في حجز موقعه و«نصب» كاميرته في الباحة الخارجية للقصر، افترش الحشيش ساعة أو ساعتين وتمتّع بأشعة الشمس ونعم بسلام! أما من حاول استغلال الاسم الذائع لقناته وحجز موقعا غير متاح للصحافيين، عمدا او عن غير قصد، فقد سارع الامن لاعادة النظام. فهنا ممنوع المشاغبة كذلك ليس مسموحا تجاوز الاطر المحددة سلفا وان كانت الحرية مكفولة ومقدسة بالنسبة الى الصحافيين.

كذلك حذا حذو مصوري المحطات التلفزيونية، المصوّرون الفوتوغرافيون، مع فارق ان بعض هؤلاء يتجمّعون لتقويم ادائهم المهني يوم أول من امس في ساحة النجمة. وهؤلاء تحت اشعة الشمس بدأوا يتصببون عرقا، لكنهم لم يبحثوا عن «ظل» ما، انما لازموا اماكنهم في انتظار «أفشة» (لقطة) ما.

أما المكتب الاعلامي، فأيضا منهمك في الرد على استفسارات الصحافيين ومعالجة مشكلاتهم وترتيب سير الامور منعا للفوضى. كيف لا وعدد الاعلاميين بين مراسلين ومصورين، كان قد تخطى الـ300 عند العاشرة قبل الظهر، فيما كانت اعدادهم الى تزايد بحلول الظهر. يوم عمل حافل جدا بالنسبة الى موظفي القصر، بعدما اعتادوا «هدوء الفراغ». ومن زلّ لسانه امام صحافي وارتكب هفوة مفادها مثلا ان «لا راحة بعد اليوم» سارع الى تصحيحها وتوضيح حقيقة موقفه مع ابتسامة عفوية.

إنها الحادية عشرة الا خمس دقائق. العد العكسي بدأ. حافلات النقل المباشر للقنوات الارضية والفضائية تملأ جنبات الساحة. المراسلات بعضهن يتأكدن من حسن مظهرهن، وبعضهن يدققن في الامور التقنية منعا لاي خطأ «على الهواء». المصورون «يرابطون» في مواقعهم. ثلة من الحرس الجمهوري تعزف أناشيد بشكل غير رسمي... الجميع ينتظرون. حتى نافورة المياه تنتظر وصول الرئيس العماد ويتم التأكد من حسن عملها. أما العلم اللبناني الذي اعيد تعليقه امس على سطح القصر، فأيضا يتم اختباره اكثر من مرة للتأكد من انه يرتفع من دون «أخطاء تقنية» بعدما تم اصلاح بعض التفاصيل التي حالت دون بقائه مرتفعا أول من امس، كما افاد احد العاملين في القصر لـ«الشرق الاوسط».

المسؤول الاعلامي في القصر رفيق شلالا وصل. وها هو يجول في الارجاء للتأكد من حسن سير الامور قبل وصول الرئيس. يستدعي المصورين الفوتوغرافيين لتزويدهم الارشادات البروتوكولية الاساسية. يطمئنهم الى ان الجميع سيتسنى له الوقت لنيل حصته من الصور. بعض الموظفين الذين اعتادوا العمل معه على مدى تسع سنوات، يخشون استبداله بمسؤول اعلامي آخر، لا بل ان الكثير من الموظفين يحبسون انفاسهم في انتظار بدء ولاية الرئيس الجديد، لمعرفة ما اذا كانت مواقعهم ستتبدّل.

لا وقت للاسترسال في التقاط التفاصيل وسردها، ذلك انها الثانية عشرة الآن والرئيس ميشال سليمان قد وصل. ترجّل وخطا خطوته الاولى على السجاد الاحمر الذي فرش على طول الممر المؤدي الى صالون السفراء. وها هي ثلة الحرس الجمهوري تعزف لحن الجيش ونشيد التعظيم والنشيد الوطني اللبناني. اجتاز نافورة المياه التي ارتفعت ترحيبا بوصوله. صافح المدير العام لرئاسة الجمهورية العميد الركن المتقاعد سالم ابو ضاهر. وعلى وقع النشيد الوطني وارتفاع العلم أطلقت مدفعية الجيش 21 طلقة ترحيبا بـ«فخامة الرئيس».

بدخوله صفّق الجميع، بعدما ارتسمت الابتسامات العفوية على وجوههم. شيء من التفاؤل حل فجأة على ذاك القصر «البارد» منذ أشهر. بإطلالة فيها شيء من الصرامة والكثير الكثير من التواضع، دخل سليمان. وأثناء دخوله، كان الصحافيون والمصورون يتسابقون للحصول على أفضل اللقطات. أحدهم يسقط ولكن هذه اللحظات التاريخية لا تتكرر، فعذرا ان لم يلتفت اليك احد لمساعدتك.

ووسط صفين من رماحة الحرس الجمهوري، اجتاز سليمان الحضور ودخل صالون السفراء حيث جلس على الكرسي الرئاسي الى حين انتهاء المصورين من التقاط الصور التذكارية له. ولاحقا انتقل الى مكتبه حيث تم تسليمه وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الاستثنائية ووسام الارز الوطني من رتبة الوشاح الاكبر العائدين لرئيس الدولة.

التقطت الصور وخرج المراسلون وعادت عدسات الكاميرات تصوّب على هؤلاء الذين يتوجب عليهم «البحث عن افكار ومفردات جديدة لريبورتاجات مختلفة بعدما عاد الوضع الى طبيعته»، كما تقول احدى المراسلات.