أولمرت: اليمين الإسرائيلي يرتعب من السلام مع سورية.. وواثقون من اتفاق تاريخي

اتفاق على أكثرية القضايا بما فيها استئجار نصف أراضي الجولان.. ويضعان حاليا جدول أعمال المفاوضات المباشرة

رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أثناء حضوره جلسة الكنيست (البرلمان) أمس (إ.ب.أ)
TT

هاجم رئيس الوزراء الاسرائيلي، ايهود أولمرت، بقوة أمس قادة اليمين الاسرائيلي الذين يهاجمونه على استئناف الحوار في تركيا تمهيدا لاستئناف المفاوضات المباشرة مع سورية حول السلام، فقال انهم يعرفون ان أربعة رؤساء حكومة قبله في اسرائيل وافقوا على تقديم تنازلات مؤلمة لسورية مقابل السلام، ولكنهم يهاجمونه هو بالذات لأنهم يرون ان المفاوضات تتخذ منحى جديا «وهم يكرهون السلام ويرتعبون منه».

وكان أولمرت قد حضر الى لجنة الخارجية والأمن في الكنيست (البرلمان الاسرائيلي)، أمس، تجاوبا مع طلبها سماع تقرير عن استئناف المفاوضات. وعلى الرغم من الأنباء التي تحدثت عن انه محطم نفسيا بسبب التحقيقات التي تجريها الشرطة معه في قضايا الفساد، فقد بدا قويا وواثقا من نفسه. ونفر بشدة وباستهزاء مما قاله رجال المعارضة من انه لجأ الى فتح قناة التفاوض مع سورية لكي يغطي على التحقيقات، فقال ان التحقيقات وما يرافقها من تحريض دام عليه هي التي تغطي على المحادثات التاريخية التي يجريها مع سورية. وأكد ان هذه المحادثات مع سورية، التي تتم بوساطة تركية، بدأت منذ شهر فبراير (شباط) 2007، أي قبل سنة وثلاثة أشهر، ولا علاقة لها بالتحقيقات.

وقال اولمرت في الجلسة المغلقة إنه لم يكن لديه خيار اخر سوى بدء محادثات سلام مع سورية. واضاف «ما رجح كفة الميزان لاجراء مثل هذه المحادثات هو مسألة معرفة ما اذا كنا سننجر بسبب خطأ في التقدير الى مواجهة مع سورية». وقال «في مثل هذه الحالة كان سيوجه الي حتما السؤال عن كيف يمكن ان يكون السوريون سعوا الى السلام، وانني لم ادرس هذا الاحتمال». وتابع «كل شخص يتولى منصبي يدرك ان هذه المبادرة يجب ان تدار بالحد الاقصى من الحذر وان السرية ضرورية جدا». واوضح اولمرت «لم ينصح احد في العالم اسرائيل بالامتناع عن التفاوض حول السلام، ومن البديهي انني ابلغت حلفاءنا المقربين بهذه التطورات» في اشارة الى الولايات المتحدة.

وسئل إن كان قد أعطى السوريين وديعة مشابهة لوديعة اسحق رابين (رئيس الوزراء الأسبق)، فقال «هذا ليس صحيحا»، انما قال لتركيا انه يعرف ما هو ثمن السلام وانه والسوريين يعرفون ما الذي يطلبه كل طرف من الآخر. وان البيانات المتشابهة التي صدرت عن كل من اسرائيل وسورية وتركيا في الأسبوع الماضي تحدثت عن محادثات على أساس مبادئ مؤتمر مدريد للسلام. فسئل وما هي هذه المبادئ، فأجاب: «إسألوا رئيسكم (بنيامين نتنياهو)، فقد كان يومها الناطق بلسان الوفد الاسرائيلي برئاسة اسحق شامير، وهناك بدأ ببناء مجده». وقال أولمرت: «نحن مقبلون على عملية تاريخية في العلاقات مع سورية واسمحوا لي أن لا أفصل. فالموضوع حساس للغاية وأحد أسباب نجاح مفاوضاتنا في هذا المسار هو حفاظ جميع الأطراف على السرية المطلقة في الموضوع». وأكد أولمرت ان الادارة الأميركية مطلعة على سير هذه المحادثات ولا يتم الأمر من دون إرادتها.

وهاجم أولمرت قوى اليمين المعارض على موقفها المفزوع من السلام، وقال انه مصر على المضي قدما في المحادثات على المسارين الفلسطيني والسوري على السواء وبموازاة، وانه واثق من النجاح فيهما والتوصل الى اتفاقي سلام يحدثان انقلابا تاريخيا في منطقة الشرق الأوسط. وجاءت تصريحات أولمرت هذه في وقت جرى فيه تسريب المزيد من المعلومات حول ما يدور في المفاوضات غير المباشرة التي يجريها الأتراك، فجاء ان الطرفين متفقان فعلا على أكثرية القضايا، وهما يضعان الآن جدول أعمال للمفاوضات المباشرة المقبلة.

وسيكون موضوع البحث الأول ترسيم حدود 1967 بينهما، حيث ان هذه الحدود لم تكن واضحة تماما في حينه، وهناك خلافات حول ترسيمها. كما ان سورية تصر على أن تكون لها حصة في بحيرة طبريا، لكن اسرائيل تقول ان منسوب المياه في البحيرة قد انخفض وان خط المياه قد تراجع بسبب ذلك وتجاوز الحدود التي كانت بأيدي السوريين، وتسعى بالمقابل الى منح المياه التركية الى سورية لتعويضها عن خسارتها من مياه طبريا.

وذكرت تلك المصادر ان الطرفين متفقان على العديد من البنود في الشؤون الأمنية وفي قضية استئجار حوالي نصف هضبة الجولان لسنوات طويلة وحول العلاقات بين البلدين ما بعد توقيع الاتفاق، بحيث تقوم علاقات دبلوماسية متكاملة، وغير ذلك. من جهته برر وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك المفاوضات غير المباشرة مع سورية بالقول ان «مصلحة اسرائيل العليا تكمن في اخراج سورية من دوامة العنف، وبالتالي كان من الحكمة اطلاق مفاوضات معها». واضاف «لكن علينا ان نعلم ان اهم ما يشغل بال السوريين هو نظامهم والاضطلاع بدور في لبنان وعلاقاتهم مع الولايات المتحدة وهضبة الجولان. ومن ثم فان السلام مع اسرائيل ليس له نسبيا اهمية كبيرة في سلم اولوياتهم». وخلص الى القول «يعلم البلدان ان هذه المفاوضات المعقدة والطويلة تحتاج الى قرارات صعبة».

وقد هاجمت المعارضة اليمينية أولمرت على هذه التصريحات وما رافقها من تسريبات. ونفى نتنياهو ان يكون قد وافق على الانسحاب من هضبة الجولان وطالب أولمرت بإبراز الوثائق التي يدعي وجودها في هذا الشأن. وقال: «الوثيقة الوحيدة الموجودة هي تلك التي أرسلها لي الأميركيون وفيها يؤكدون قراري بإلغاء وديعة رابين». وقالت النائبة ليمور لفنات، وهي وزيرة سابقة في حكومتي شارون ونتنياهو، ان «من يقبض مظاريف الدولارات بيده لا يحق له ان يفاوض على مصير اسرائيل (اشارة الى القضية التي يجري التحقيق فيها حاليا لدى الشرطة ضد أولمرت)». وقال ايفي ايتام، أحد قادة حزب الاتحاد اليميني المتطرف، ان أولمرت جلب «حماس» الى الحكم في قطاع غزة (بسبب تأييده خطة الفصل) وهو الذي جلب «حزب الله» الى الحكم في لبنان (بسبب اخفاقاته في حرب لبنان) وهو يريد اليوم أن يجلب ايران الى السيطرة على هضبة الجولان. ولذلك فإنه خطر على مستقبل اسرائيل وأمنها. وفي اتجاه آخر ، اعلن عضو الكنيست الاسرائيلي، اسرائيل حسون، عن حزب «اسرائيل بيتنا»، تأييده للمفاوضات مع سورية، قائلا ان «التفاوض دائما صحيح، وهناك حاجة لفحص مدى جدية الرئيس السوري بشار الاسد، حول المفاوضات». وكان حسون في الماضي نائبا لرئيس المخابرات العامة الاسرائيلية، وبحكم هذا المنصب، شارك في المفاوضات، مع الفلسطينيين، طيلة السنوات العديدة الماضية، وخرج باستنتاج مفاده، ان الفلسطينيين متصلبون جدا في المفاوضات، ولا يبغون اتفاق سلام حقيقي، وراح يفضل المسار السوري، في سبيل عزل الفلسطينيين، وابقائهم وحيدين وضعيفين في ساحة المفاوضات.

تجدر الاشارة الى ان المحادثات السورية ـ الاسرائيلية ستستأنف مرة أخرى في الأسبوع الثاني من الشهر المقبل في اسطنبول. وتجري حاليا محاولات لجعلها مفاوضات مباشرة، علما بأنها كانت تجري حتى الآن في غرفتين منفصلتين يتنقل بينهما الوسيط التركي.