مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»: باريس تفضل التريث قبل الإقدام على تطبيع علاقاتها مع سورية

TT

تعتبر المصادر الفرنسية أن التوصل الى اتفاق الدوحة وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية يظهران «تحولا وتبدلا» في سياسة سورية إزاء الأزمة اللبنانية التي كانت باريس تحملها مسؤولية المأزق الدستوري والسياسي اللبناني. وتقول باريس رسميا إن التطورات الإيجابية الأخيرة في لبنان «تشكل واقعا جديدا» وإن فرنسا «تدرس النتائج الواجب استخلاصها» من هذا الواقع لجهة إعادة النظر بعلاقاتها مع دمشق ورؤية إمكانية تطبيعها. وأفادت مصادر رسمية تحدثت اليها «الشرق الأوسط» أن «العامل السوري» كان له دوره في فتح كوة في جدار الأزمة اللبنانية ما سمح بإحداث «اختراقات» تجلت من خلال اتفاق الدوحة وانتخاب سليمان إذ «من غير الضوء الأخضر السوري، كان من الصعب توقع التطورات الإيجابية». فضلا عن ذلك، تقول المصادر الفرنسية إن مفاوضات السلام السورية ـ الإسرائيلية «توجد واقعا ومناخا جديدين» يجب أخذه بعين الإعتبار. ولكن ما الذي ستفعله باريس اليوم إزاء سورية؟

تقول المصادر الفرنسية إنه يتعين على باريس أن تكون «منسجمة مع نفسها» وأنها «ربطت معاودة الاتصالات مع دمشق بموقف إيجابي سوري من الإنتخابات وهو ما تحقق». غير أن باريس تعتبر أن ما حصل «ليس سوى البداية» وبالتالي «لا يتعين توقع تحولات جذرية اليوم في الموقف الفرنسـي من دمشق بل يجب الإنتظار لمعرفــة كيف ستسير الأمور في لبنان». والمقصود بذلك تشكيل الحكومة الجديدة واستكمال تنفيذ النقاط الموجودة في اتفاق الدوحة. والخلاصة هي أنه يتعين «الإنتظار ومراقبة تطور الوضع الميداني وتصرف الأطراف اللبنانية خصوصا الجهات التي تربطها علاقات وثيقة بدمشق» أي المعارضـة. وحتى الآن، رفضت باريس الكشف عما تنوي فعله لجهة «تطبيع» علاقاتها مع دمشق بعد أن كان الرئيس الفرنسي وضع حدا، نهاية كانون الأول / ديسمبر الماضي، في مؤتمر صحافي في القاهرة، للاتصالات العليا مع المسؤولين السوريين. لكن التواصل استمر بأشكال مع دمشق بما في ذلك على المستوى الوزاري حيث اجتمع الوزير برنار كوشنير بنظيره السوري وليد المعلم في الكويت قبل أسبوعين. لكن يبدو أن باريس تهيئ لخطوات إيجابية تجاه دمشق إذ أن الإشارة الى «واقع جديد» والى «تحول» في سياسة سورية «يتضمنان اعترافا بدور إيجابي» لدمشق في لبنان.

غير أن باريس، كما تقول مصادرها، «لا تريد حرق المراحل» إذ تفضل أن ترى كيف سيتطور الوضع في لبنان في ألأيام والأسابيع القادمة. وإذا كانت باريس «رحبت» باتفاق الدوحة التي تقيم أفضل العلاقات السياسية والديبلوماسية مع فرنسا، غير أن المسؤوليـن الفرنسيين يؤكدون أننا «ما زلنا في أول الطريق وبالتالي يتعين الحذر والمثابـرة لرؤية كيفيــة تطبيق الإتفاق ميدانيا في الأســابيع والأشهر القادمة ورؤية ما إذا كانت سورية ستتعامل معه بنية سليمة وتسهل تشكيل الحكومة الجديدة وبداية ممارستها لصلاحياتها».

ولذا، تشدد المصادر الفرنسية على أن «الدور العربي لم ينته» وعلى أن الاتفاق «بحاجة الى متابعة ورعاية» بانتظار أن يجتاز لبنان العقبات العديدة التي حالت حتى الآن دون تطبيع الوضع فيه.

وتربط باريس بين الموقف السوري الجديد وبين «التوازنات السورية الجديدة والتشكيلات التي جرت في المرحلة الأخيرة». وتفسر باريس الليونة السورية الجديدة بأن دمشق وجدت أنها مع المعارضة «خلقت ميزان قوى جديدا ميدانيا وأنه يجب المحافظة عليه وعدم تبديده بخطوات عسكرية إضافية بل عبر تسوية جيدة لها ولحلفائها» فضلا عن رغبتها في تفادي انهيار كامل للوضع اللبناني كان سيعرضها لضغوط إضافية عربيا ودوليا.

وقالت مصادر سياسية فرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن باريس تجد مصلحة اليوم في «تطبيع» العلاقة مع سورية من أجل العودة الى الساحة اللبنانية من جهة وسعيا وراء تسهيل إنجاح القمة الأورو ـ المتوسطية المقررة في العاصمة الفرنسية في 13 يوليو/تموز القادم من جهة أخرى.

وكان السفير الفرنسي المولج ملف الاتحاد المتوسطي زار دمشق الأسبوع الماضي لكنه لم يلتق الرئيس الأسد الذي حمل اليه دعوة الى قمة باريس. وقالت المصادر الفرنسية إن الجانب السوري «لم يكشف ما إذا كان الأسد سيحضر أم لا». غير أنها استبعدت حضوره خصوصا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية أولمرت سيكون حاضرا. وبحسب المصادر السياسية، يمكن استطلاع مستقبل العلاقات بين الجانبين عبر مؤشرات منها تعيين سفير سوري جديد في باريس حيث شغر المنصب منذ مغادرة السفيرة صبا ناصر العاصمة الفرنسية قبل أكثر من عامين. وبالإضافة الى ذلك يمكن متابعة ما إذا كان البرلمان الفرنسي ســيقوم بالتصديق على اتفاقية التعاون بين سورية والإتحاد الأوروبي وهي التي وقعت بالأحرف الأولى ولن تدخل حيز التطبيـق قبل التصديق عليها في البرلمانات الأوروبيــة.