بلدة سودرتيليا السويدية استقبلت أكبر عدد من اللاجئين العراقيين في الغرب منذ 2003

لاجئون يشكون عشية مؤتمر العهد الدولي: لا يوجد من يحمينا

عمدة سودرتيليا يزور منطقة فقيرة بالبلدة يسكنها لاجئون («الشرق الأوسط»)
TT

لم تعد قصة النازحين العراقيين جديدة، ومأساة تشردهم تتكرر داخل بلادهم وعبر حدودها في دول الجوار وعبر البحار. وقد اكتسبت بلدة سويدية صغيرة شهرة عالمية في الاشهر الماضية، بعدما توجه عمدتها اندرز لاغو الى الكونغرس الاميركي واطلق انتقاداً لاذعاً لسياسة الولايات المتحدة تجاه اللاجئين العراقيين. فقد استقبلت بلدة سودرتيليا حوالي 7 الاف لاجئ عراقي منذ حرب 2003، والسويد اجمالاً 20 الفاً، بينما لا يتعدى عدد اللاجئين العراقيين الذين قبلتهم الولايات المتحدة 3 الاف. وجدد لاغو مناشدته للعالم لمساعدة اللاجئين العراقيين، مع بدء المؤتمر الدولي للمراجعة الاولى لـ«العهد الدولي» مع العراق، الذي يعقد في السويد اليوم. فانتهز لاغو فرصة وجود 250 صحافيا من خارج السويد و100 صحافي سويدي لتغطية المؤتمر، وقرر عقد مؤتمر صحافي ولقاءات صحافية عشية المؤتمر الدولي في بلدة سودرتيليا، التي تبعد 35 كيلومتراً عن العاصمة السويدية وتحتضن 5 في المئة من اجمالي اللاجئين العراقيين في اوروبا. ولكن لم يكتف لاغو بالحديث عن اوضاع اللاجئين العراقيين، الذين يشكلون حوالي 10 في المائة من سكان البلدة، بل استضاف بعضهم في مؤتمره الصحافي وطلب منهم الحديث عن معاناتهم. ومن المتوقع ان يكون ملف اللاجئين العراقيين على اجندة اعمال المؤتمر الذي يحضره الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ووزراء خارجية دول عدة، منهم وزيرة خارجية الولايات المتحدة كوندوليزا رايس ونظيرها الايراني منوشهر متقي. وبينما تزدحم جداول المسؤولين بلقاءات سياسية كثيرة، هناك وقائع انسانية حقيقية للعراقيين هنا ستؤثر على مجرى الاجتماعات.

وأكد لاغو في حديث مع «الشرق الاوسط»، ان «الوقت حان لنقول لا، كفى، لا نقبل المزيد من اللاجئين»، على الرغم من ان القانون السويدي لا يمنع اللاجئين من المكوث بمنطقة معينة. وشرح لاغو انه يجري مشاورات مع الحكومة السويدية لتعديل القانون السويدي، كي يفرض على اللاجئين الاقامة في مناطق عدة وعدم التجمع في مدن معينة. ويذكر ان غالبية اللاجئين يوزعون بين مالمو وسورديتليا وستوكهولم وغوثنبيرغ. وأضاف ان «السويد تحتاج الى المهاجرين، فنحن بلد كبير ونسبة النمو السكاني قليلة ولا توجد مشكلة لاحتضان السويد 30 الف لاجئ، المشكلة تقع في تمركزهم في منطقة واحدة». وبين عامي 2006 و2007، استقبلت البلدة حوالى 100 لاجئ شهرياً من العراق، ومن غير المتوقع ان تنخفض هذه الاعداد مع تقديم اللاجئين والمقيمين طلبات لم شمل العائلة، التي تعني ان لكل لاجئ، يأتي على الاقل فرد من العائلة من العراق ليلتحق به. وقال لاغو: «استقبلنا العام الماضي عدداً من اللاجئين العراقيين، اكبر من الولايات المتحدة وكندا معا، ولكن نأمل في ان يشهد هذا العام توازناً افضل بين بلدة سودرتيليا والولايات المتحدة». ولفت الى ان المشاكل في سورديتليا تنقسم الى 3 اقسام رئيسية، الاولى «المدارس التي لا تستوعب المزيد من الطلاب الجدد»، موضحا ان سورديتليا لديها 8 الاف طالب، 500 منهم يحتاجون الى دروس خاصة لمساعدتهم على اللغة. وأضاف ان الثاني يخص السكن، شارحاً ان البلدية توفر السكن للاجئين المحتاجين للمساعدة المالية، ولكن الفي لاجئ لا يوجد لديهم سكن ويضطرون للسكن مع اقاربهم». وتابع ان المشكلة الثالثة هي «صعوبة العمل»، مضيفاً: «لا يمكننا كبلدة صغيرة خلق الف وظيفة سنوياً للاجئين، انه امر مستحيل». ولكنه اردف قائلاً: «40 في المائة من العراقيين هنا حاملو شهادات ولديهم خبرة عمل مهمة، علينا انتهاز هذه الفرصة ومساعدتهم على تولي وظائف تناسبهم بدلاً من جعلهم سواق تاكسي». وشرح لاغو ان مؤتمر «العهد الدولي مهم جداً لانه يشكل وضعاً جديداً للشعب العراقي، بمن فيه النازحون داخل البلاد واللاجئون في الخارج». وأضاف انه سيطالب في المؤتمر بـ«حماية خاصة للمسيحيين»، بالاضافة الى مطالبته بـ«مسؤولية دولية للاجئين، لقد بدأت الولايات المتحدة الحرب وتتحمل بلديات مثل سورديتليا مسؤولية اللاجئين». وناشد اللاجئ راجي اليوسف، وهو حامل شهادة هندسة من الموصل، السويد قبول طلبات لجوء العراقيين، قائلاً: «لا يوجد من يحمينا». ووجهت مجموعات مسيحية عدة في السويد انتقادات للحكومة العراقية عشية عقد المؤتمر، مطالبة بحماية الاقلية المسيحية في العراق، التي استهدفت كغيرها من الطوائف العراقية. وانطلقت مظاهرات خلال الايام الماضية في ستوكهولم وعدد من المدن السويدية، بينما استعدت جمعيات عراقية للقاء رئيس الوزراء يوم غد في سلسلة لقاءات تنظمها الجالية. وقال عدد من اللاجئين: «نطالب الحكومة السويدية بأن تأخذ موقفاً شجاعاً كما فعلت ايام البوسنة والهرسك، وان تحتض العراقيين وتقبل لجوءهم». وهناك مخاوف من إرجاع العراقيين الذين اخذت ترفض طلباتهم في الاشهر السابقة. وقد وقعت الحكومة السويدية اتفاقية مع العراق، في يناير (كانون الثاني) الماضي، لا يعتبر بموجبها العراق منطقة نزاع، مما يعني ان منح اللجوء للعراقيين اصبح قيد اثبات شخصي بتهديد شخصي، بدلاً من طلب اللجوء فقط للمجيء من دولة تشهد نزاعاً مسلحاً. واكدوا ان «العشرات من قرارات رفض اللجوء تصدر يومياً وتصدر هذه القرارات بحق ناس خسروا كل شيء في بلدانهم».

وبدا القلق واضحا على اللاجئين العراقيين حول قرارات الرفض والخوف من طردهم بعد رفض طلبات الاستئناف. ولم تتمالك الدكتورة سندس متي كبت مشاعرها عند الحديث عن مستقبلها. وبدأت الدموع تملأ عينيها وقالت لـ«الشرق الاوسط»: «اشعر بالالم وانا اتحدث عن مستقبلي، فماذا يمكن ان يشعر به الشخص الذي خسر بلده وبيته وعمله وكل ما تعب عليه كل عمره ليحققه». والدكتورة سندس طبيبة اسنان وكانت تحاضر في كلية طب الاسنان في جامعة بغداد لـ12 عاماً قبل اللجوء الى السويد عبر مهرب اخذ كل ما لديها من اموال ليوصلها الى السويد مع جواز سفر مزيف. وشرحت: «جئت الى مكان آمن حتى احصل على حياة جديدة وعلى امل الاستقرار». ولكنها صدمت عندما وصلت في ديسمبر (كانون الاول) الماضي لتسمع ان طلبات رفض اللجوء اكثر من القبول. وتنهدت تقول: «لا اعلم ما هو المستقبل، كل شيء مظلم ومجهول واخبار الطرد تخيفني». واكد المسؤولون في البلدية انه لا توجد حساسيات بين سكان سودرتيليا من الاقليات المختلفة والسكان الاصليين، فـ40 في المائة من السكان ولدوا خارج السويد. ولكن هناك شعور بالاستياء من الاعلام والزيارات الاسبوعية لصحافيين من دول مختلفة لهذه البلدة. ورفض عدد من سكان البلدة واصحاب المحلات التي توجهت «الشرق الاوسط» للتعرف على ارائهم بالحديث، بينما استقبل طلاب مدرسة هويسو الاعلاميين الذين زاروهم بضربهم بالبيض. ولدى المدرسة التي تقع في منطقة فقيرة من سورديتليا 200 طالب، 15 في المائة منهم يتلقون دروسا خاصة باللغة السويدية على مدار سنتين قبل الاندماج كلياً بالصفوف الاخرى. وشرحت المسؤولة عن سياسة البلدية حول اللاجئين ايما فاغرستراند: «لقد تعب الطلاب من السيرك الاعلامي حولهم». وبسبب الاهتمام الاعلامي الكبير بسودرتيليا، قررت البلدية تعيين مسؤول خاص للتواصل مع الاعلام. ومن المتوقع ان يسمع الوفد العراقي، برئاسة رئيس وزراء الحكومة نوري المالكي ومشاركة حوالى 16 وزيراً عراقياً، الذي يبدأ زيارة دولة رسمية الى السويد غداً مع انتهاء مؤتمر العهد الدولي اليوم، الكثير عن اوضاع اللاجئين. وقالت الدكتورة سندس انها توجه للوفد الحكومي سؤالا واحدا، وهو «اين الاموال التي صرفت وكيف عمرتم العراق مثلما تقولون»، مضيفة: «واسألهم كم منهم تعيش عائلته معه في العراق وكيف يتوقعون من العراقيين ذلك؟».