السنيورة يتحدث عن الفرص الضائعة والتحدي الأكبر

رأى أن الامتحان الأصعب هو «تنظيم الاختلافات» ودعا إلى مراجعة دروس الماضي

TT

أعلن الرئيس فؤاد السنيورة المكلف تشكيل الحكومة الاولى في عهد الرئيس ميشال سليمان مد اليد الى اخوانه في الوطن من كل الاطراف والاتجاهات، من اجل التعاون، معتبراً ان الامتحان الاصعب الذي يواجهنا هو تنظيم اختلافاتنا وحصرها ومعالجتها بروح الحوار والانفتاح. واعلن تبنيه لما ورد في خطاب القسم للرئيس سليمان، مشدداً على التنفيذ الكامل لاتفاق الدوحة، وآملاً في صون العلاقات مع سورية وتطويرها لكي تصبح قائمة على الاحترام المتبادل والندية.

وفي ما يأتي مقتطفات من كلمة السنيورة بعد تكليفه رسميا تشكيل الحكومة:

«اثر تكليفي برئاسة الحكومة السابقة قلت من هذا المكان، إن استشهاد الرئيس رفيق الحريري هو الذي أوقفني هذا الموقف، واليومَ أعودُ لأكرر ان روحه الطاهرة بقيت معي في مهمتي السابقة. وعلى الرغم من أننا مررنا بظروف غير مسبوقة وبالغة الصعوبة، فقد كنت راضياً لأني قد أديت واجبي وعملت بلا كلل حتى أفي بما تعهدت به وأحافظ على الأمانة التي تسلمت والقاضية بالدفاع عن الدولة ومصالح البلاد العليا، ومصالح وحقوق اللبنانيين كلِّهم، والحرصِ على سيادة القانون وصيانة النظام الديمقراطي وكذلك على إحقاق العدالة، عبر تأمين إنشاء المحكمة الدولية.

إني مع بداية هذه المهمة الجديدة أتطلع إلى المستقبل، وكلي أمل أن نحقق الانتقال من حال عانينا منها الكثير من المصاعب والشدائد إلى حال أخرى يتشوق إليها الشعب اللبناني، وهي حال الاستقرار والعمل البناء والتنافس الديمقراطي والحر، المصان من خلال احترام الدستور واحترام حق التعبير الذي يرعاه وتكفُلُ القوانينُ ممارسته. ولا يستقيم التنافس هذا إلاّ بالانفتاح وقبول الآخر بل احترامه في إطار الدولة المدنية الديمقراطية.

الكل مدعو إلى مراجعة الماضي لاستخلاص دروسه لا للعودة إليه. ففيه الكثير مما يجب أن يمضي إلى غير رجعة. وإني أدعو الجميع إلى المساهمة في بلسمة الجراح وتجاوز ما عرفناه من انقسامات وحملات ولجوء إلى العنف ومعالجة مشكلاتنا كلِّها بروح تُعلي من شأن مصلحة الوطن والمواطنين وأمنهم واستقرارهم.

... إن هذه العملية السياسية، بما لها من أصول معروفة، تمكننا إن شاء الله من تشكيل حكومة كل لبنان كما اتفق عليه في الدوحة، حكومة الوحدة الوطنية وتثبيت العيش المشترك وترسيخ السلم الأهلي، الذي اهتز وكاد اهتزازه أن يهدد بقاء وطننا وتماسك مجتمعه.

لهذه الأسباب كان اتفاق الدوحة والذي عملت مع الكثيرين من أجل إنجاحه والتزمت به. انه اتفاق بين اللبنانيين يجب علينا أن نتمسك به ونعمل لتطبيقه والدفاع عنه بكامله وذلك استناداً إلى اتفاق الطائف والدستور والميثاق الوطني.

ننطلق في طريقنا وكلنا أمل أن نصون علاقاتنا مع الأشقاء العرب وأن نطورها، وخاصة مع الشقيقة سورية لكي تصبح هذه العلاقات قائمة على الاحترام المتبادل والنديّة، وتؤكد على العمل العربي المشترك لصالح تحقيق قضايانا العربية المحقة بما يمكننا من حماية لبنان من العدو الإسرائيلي ويتيح لنا أن نعمل على تطبيق القرارات الدولية التي صدرت لحماية حقوقنا واسترداد أرضنا المحتلة في مزارع شبعا.

إن تطلعي مع اللبنانيين إلى المستقبل يتعزز بجدية الالتزام وصدقية الخيارات الوطنية التي عبّر عنها بقوة ووضوح فخامة رئيس الجمهورية في خطاب القسم، والذي عادت معه رئاسة الجمهورية لتلعب دورها الوطني الكبير، بعد فراغ كاد أن يَشلَّ العمل في مؤسسات الدولة. ...لقد علمتنا التجارب أن وحدتنا الوطنية وعيشنا المشترك هما أغلى ما نملك، وهما سر بقاء هذا الوطن وفرادته وسرُّ تألقه وسر استمراره وضمان استقلاله وسيادته. ويعود الفضل في ذلك إلى غنى هذا التنوع اللبناني الكبير الذي تمثل في ميثاقنا الوطني.

لقد أضعنا الكثير من الفرص، وفوتنا علينا الكثير من المحطات فإذا ما تأخرنا مرة جديدة عن ركوب قطار التفاهم والانطلاق به نحو الاستقرار والنمو والتنمية المستدامة والتقدم والازدهار، فان هذا القطار لن ينتظرنا مرة جديدة وسنكون قد ضيعنا على أنفسنا مرة جديدة جهد أبنائنا وأحلامهم وتضحيات شهدائنا وضيعنا وطننا الذي لا بديل لنا عنه كما ونكون قد ضيعنا ثقة إخواننا وأشقائنا العرب الذين تداعوا إلى نجدتنا ومد يد المساعدة لنا، وهم الجادون في التزامهم ودعمهم للبنان سياسياً واقتصادياً.

أمامنا أيها الإخوة العودة إلى طريق النهوض والعمل معاً بجد وجرأة من أجل إحياء ورشة عمل تطبيق مقررات باريس-3 وإقرار جملة كبيرة من مشاريع القوانين وذلك بالتعاون الصادق مع مجلس النواب الكريم، لكي نعيد تنشيط اقتصادنا وإداراتنا ومؤسساتنا ورفع مستوى ونوعية عيش مواطنينا في وجه أعاصير تعصف بالاقتصاد العالمي. وأمامنا مواصلة العمل، الذي لا تردد فيه، من أجل استعادة حقوقنا الوطنية كلها وتطبيق ما جاء في خطة النقاط السبع لجهة استعادة مزارع شبعا وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701 بكامله ومتابعة إزالة آثار العدوان الإسرائيلي عن طريق استكمال إعمار منازل أهلنا في الضاحية والجنوب وباقي المناطق اللبنانية. وكذلك العمل الحثيث لإقفال ملف عودة المهجرين الذين طال انتظارهم ومعاناتهم في بعض المناطق. وكذلك استكمال الجهود للحصول على الدعم اللازم لإعادة بناء مخيم نهر البارد الذي نريده نموذجا للعلاقة الأخوية بين الشعبين اللبناني والفلسطيني واحترام سيادة الدولة اللبنانية ومواصلة الدفاع عن إخواننا الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم.

إن مهمة تعزيز بناء جيشنا الوطني وقوانا الأمنية تبقى في أعلى سلم أولوياتنا الوطنية، فتقوم بكامل دورها حامية للجميع في مواجهة العدو وفي الحفاظ على السلم الأهلي والنظام الديمقراطي. ... إني أبسط يدي للتعاون والتناصر كي يحققَ بلدُنا تقدماً يستحقه. إن العالم يتغيرُ من حولنا وعلينا أن نتلاءم مع هذه المتغيرات والتحولات. غير أننا ندرك أن هذا العالم بحاجة إلى لبنان كنموذج لتلاقي الحضارات وتلاقحها وليس إلى صراعها أو تخاصمها وهو ما يرتب علينا مسؤولية كبيرة ويشكل فرصة سانحة لكي نؤدي دورنا بين الشعوب والأمم.

نحن اللبنانيين يجمعنا الكثيرُ الكثير ولكن قد نكون في ما بيننا مختلفين في بعض الأمور ولذا فإن الامتحان الأصعب الذي يواجهنا هو أن ننجح في تنظيم اختلافاتنا من ضمن المؤسسات الدستورية والتقاليد الديمقراطية، وفي ذات الوقت حصر الأمور الخلافية ومعالجتها بروح الحوار والانفتاح تيسيراً لحلها والتفاهم عليها من دون أن نعطل تنفيذ ما نحن متفقون عليه أو ما نصل إلى الاتفاق عليه.

قبل أن اختم، لا بد لي أن أقف أمام ذكرى الشهداء الذين سقطوا ضحية الاغتيال والعنف والإرهاب والعدوان الإسرائيلي وهم كثر، ذكرى الشهيد الرئيس رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما الأبرار، ذكرى الشهيد الزميل بيار الجميل وذكرى الشهداء النواب وذكرى الشهداء المثقفين والصحافيين والمناضلين والمواطنين الأحباء، ذكرى شهداء الجيش والقوى الأمنية. أيضاً ذكرى أولئك الذين سقطوا كما قلت في المكان الخاطئ والزمان الخاطئ والطريقة الخاطئة، أمام كلِّ هؤلاء انحني وأسأل الله تعالى أن يسكنهم فسيح جناته وأساله تعالى أن يعيننا على النجاح في مهامنا الصعبة مؤكدين أننا لن ننساهم ولن نشوه ذكراهم.