الحريري والسنيورة كلفا ولايتين على التوالي.. والثنائية السياسية حكمت التأليف

بيروت وطرابلس وصيدا استأثرت بحصة الأسد في ترؤس الحكومات

TT

اتسم تاريخ الحكومات في لبنان، منذ الاستقلال حتى اليوم، بثلاث ميزات، اولاها الثنائية الحادة التي تحكمت بتأليف الحكومات. والثانية تتمثل في حصر نادي رؤساء الحكومات تقريبا بالمدن الثلاث الكبرى ذات الثقل السني، وهي بيروت وصيدا وطرابلس. والثالثة تتمثل بتكرار تسمية بعض رؤساء الحكومات إما في حكومات متتالية او في عهود متتالية.

وفي قراءة سريعة للواقع السياسي والحكومي نجد ان ثنائية سياسية (هي الكتلة الدستورية والكتلة الوطنية) هي التي حكمت الحياة السياسية وتأليف الحكومات في اول عهد استقلالي، ونصف العهد الممدد، بحيث شغل رياض الصلح (ابن صيدا) الحكومة الاستقلالية الاولى. واعيد تكليفه بعد ثلاث حكومات قصيرة العمر حتى اغتياله في العام 1952 على يد الحزب السوري القومي الاجتماعي ردا على توقيع الحكم الصادر باعدام رئيس الحزب انطوان سعادة. وكان خلفه بعد الحكومة الاولى عبد الحميد كرامي (من طرابلس) لمدة ثمانية اشهر وعشرة ايام، كلف بعدها سامي الصلح (من بيروت) رئاسة حكومة لم تعمر ايضا اكثر من تسعة اشهر، ليخلفه سعدي المنلا (من طرابلس) على رأس حكومة لم تدم سوى 5 اشهر و22 يوماً. ليعود رياض الصلح رئيسا لحكومة دامت من 14 ديسمبر (كانون الاول) 1946 حتى 14 فبراير (شباط) 1951.

وتكررت الحكومات القصيرة العمر في النصف الثاني من ولاية الرئيس بشارة الخوري، فكلف حسين العويني (من بيروت) رئاسة حكومة لم تكمل الشهرين (51 يوما). وجاء بعده عبد الله اليافي (من بيروت) على رأس حكومة دامت 9 اشهر تقريبا، فحكومة برئاسة ناظم عكاري (من طرابلس) وكانت الاقصر عمرا (4 ايام) تساوت مع حكومة برئاسة صائب سلام (4 ايام ايضا).

وبعد اسقاط بشارة الخوري في اضراب عام وتكليف قائد الجيش الماروني فؤاد شهاب رئاسة حكومة عسكرية تفرقت الكتلتان الدستورية والوطنية لتتكون في اواخر عهد الرئيس شمعون معارضة وموالاة مسلحتان. وقد اتسم هذا العهد بتشكيل 9 حكومات توزعت رئاساتها على سبعة من بيروت (عبد الله اليافي على رأس 3 حكومات غير متتالية، صائب سلام على رأس حكومة واحدة، سامي الصلح على رأس حكومة واحدة وكذلك خالد الهبري) وواحدة من طرابلس (رشيد كرامي على رأس حكومة واحدة) وواحدة من الجنوب (خالد شهاب على رأس حكومة واحدة).

ولم يعد تكليف اي من رؤساء الحكومات في العهد الاستقلالي الثالث مباشرة بعد استقالته. الا ان اعادة التكليف كانت تتم بعد كل حكومتين كما حصل مع رشيد كرامي الذي اعيد تكليفه بعد حكومتي احمد الداعوق وصائب سلام (من بيروت).

وفي العهد الاستقلالي الرابع (عهد الرئيس شارل حلو) لم يعد تكليف أي من رؤساء الحكومات مباشرة، بل اعيد تكليف رشيد كرامي مرتين بعد حكومتين برئاسة عبد الله اليافي.

وقد تحكمت بسياسة العهدين المذكورين وتأليف الحكومات ثنائية «الحلف الثلاثي» ذي الطابع المسيحي و«النهج» الموالي للشهابية وبينهما «كتلة الوسط» التي ساهمت في ايصال مرشحها للرئاسة سليمان فرنجية، الذي لم يكلف اياً من رؤساء الحكومات الذين توالوا في عهده اكثر من مرة واحدة. وهم: صائب سلام، تقي الدين الصلح، رشيد الصلح، نور الدين الرفاعي (جميعهم من بيروت) وامين الحافظ ورشيد كرامي (من طرابلس). وتميز هذا العهد بثنائية «الجبهة اللبنانية» ذات الطابع المسيحي، و«الحركة الوطنية» بزعامة كمال جنبلاط والمتحالفة مع الكفاح المسلح الفلسطيني.

واستمرت هذه الثنائية متحكمة بسياسات الحكم والحكومات في عهد الرئيس الياس سركيس الذي شهد ثلاث حكومات فقط، واحدة برئاسة رشيد كرامي، وثانية برئاسة سليم الحص، وثالثة برئاسة تقي الدين الصلح.

وفي عهد الرئيس امين الجميل تناوب ثلاثة رؤساء حكومات هم: شفيق الوزان (من بيروت) ورشيد كرامي (من طرابلس) وسليم الحص (من بيروت). واستمرت الثنائية نفسها التي حكمت العهدين السابقين لتنتهي مع تكليف الرئيس الجميل قائد الجيش العماد ميشال عون رئاسة حكومة عسكرية سقطت مع دخول الجيش السوري الى لبنان الذي اصبح هو الناظم للسياسات اللبنانية، ترشيحاً وتأليفاً وانتخاباً، مع تعطيل كل القوى المعارضة وتشكيل حكومات «موالية» في عهد الرئيس الياس الهراوي، اولى برئاسة عمر كرامي، وثانية برئاسة رشيد الصلح، وثلاث متتالية برئاسة رفيق الحريري دامت من 31 اكتوبر (تشرين الاول) 1992 حتى 2 ديسمبر (كانون الاول) 1998. وفي عهد الرئيس اميل لحود توالى 5 رؤساء على حكومات العهد هم: سليم الحص، رفيق الحريري، عمر كرامي، نجيب ميقاتي (طرابلس)، فؤاد السنيورة (صيدا) الذي اعيد تكليفه رئاسة حكومة ثانية.

ومع انسحاب الجيش السوري من لبنان في النصف الاول من عهد لحود الممدد، سرعان ما تكونت ثنائية سياسية جديدة افرزتها اول انتخابات نيابية بعد الانسحاب، وانفراط التحالف الرباعي. وهي ثنائية الموالاة والمعارضة اللتين تتكون كل منهما من كتل نيابية جمع او فرق بينها الموقف من النظام السوري.