«أم عبيدة» أرملة قاتل أحمد شاه مسعود تعتبر الكتابة والكلام قنبلة أخرى

بروكسل: مروجة تحشد النساء لنصرة «القاعدة» عبر الإنترنت

السيدة مليكة العرود «أم عبيدة» («نيويورك تايمز»)
TT

لا يمكنك التعرف على «مليكة العرود» عندما تكون في الشارع حيث ترتدي نقابا إسلاميا أسود اللون يغطيها كلها إلا عينيها، ولكن في حجرة معيشتها، ترتدي مليكة، وهي بلجيكية تبلغ من العمر 48 عاما، ثيابا عادية: تي شيرت أسود وسروالا ولا تغطي شعرها البني المجعد.

ولكن على شبكة الإنترنت، حيث اشتهرت مليكة، فإنها تكتب بالفرنسية تحت اسم «أم عبيدة»، كأحد أبرز الجهاديين في أوروبا. تقول «أم عبيدة» عن نفسها، إنها «مجاهدة» تعمل لصالح «القاعدة». وتصر على أنها لا تقوم بنشر أي إرشادات حول صنع القنابل وليس لديها أي نية كي تستخدم السلاح بنفسها، ولكنها تحث الرجال المسلمين على الذهاب للقتال وتدعو النساء لتبني القضية. وقالت «أم عبيدة» في مقابلة نادرة معها: «ليس من دوري أن أقوم بالتفجيرات ـ هذا شيء يدعو للسخرية. أنا لدي سلاح وهو الكتابة والكلام. هذا هو جهادي، حيث يمكنك القيام بالكثير عن طريق الكلام. وتعد الكتابة قنبلة هي الأخرى».

ولم يبرز اسم مليكة فقط بين محبي المنتديات الراديكالية، حيث تنشر رسالتها عن كراهية الغرب، ولكنها معروفة للمسؤولين المخابراتيين في كافة أنحاء أوروبا تحت اسم «مليكة» ـ امرأة إسلامية في طليعة حركة نسائية تهدف إلى تولي دور أكبر في الجهاد الذي يسيطر عليه الرجال في العالم.

يُذكر أن السلطات قد أشارت إلى زيادة في عدد التفجيرات الانتحارية التي تنفذها نساء، فقد أورد الجيش الأميركي أن 18 امرأة نفذت عمليات انتحارية في العراق خلال هذا العام، مقارنة بثمانية خلال العام السابق كله، ولكنهم يقولون إن هناك أيضا جيشا أقل عنفا ولكنه من المحتمل أن يكون أكثر مكرا، من النساء المنظمات والمعلمات والمترجمات وجامعات التبرعات، اللائي التحقن بأزواجهن في ميدان القتال أو لمعن بعد مقتل الرجال أو تعرضهم للأسر. ويقول كلود مونيجوت، رئيس المركز الاستراتيجي الأوروبي لشؤون الأمن والمخابرات: «لقد تطورت النساء في ميدان الجهاد، وهن يقتحمن عالما كان فيما مضى حكرا على الرجال». «وتعد مليكة نموذجا لهذا، وهي من الجرأة أن حددت هويتها، كما أنها تلعب دورا استراتيجيا مهما كمصدر إلهام. إنها امرأة ذكية جدا وفي منتهى الخطورة».

بدأ نجم أم عبيدة يسطع بسبب رجل دخل حياتها، فقبل يومين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، نفذ زوجها تفجيرا في أفغانستان وقتل القائد المناهض لطالبان أحمد شاه مسعود بناء على أوامر من أسامة بن لادن. قتل زوجها، وبدأت أم عبيدة تظهر على الانترنت كأرملة أحد «الشهداء». تزوجت مرة أخرى، وفي عام 2007 أدينت وزوجها الجديد في سويسرا بإدارة مواقع إنترنت مؤيدة للقاعدة. وهي الآن متهمة، حسب السلطات البلجيكية، بما تقول عنه السلطات، إنهم يعتقدون أنها مؤامرة لتنفيذ هجمات في بلجيكا. كتبت أم عبيدة للمشاهدين الغربيين المفترضين في مارس (آذار) عن الحرب في العراق وأفغانستان: «لن تقارن فيتنام بما ينتظركم على أراضينا. اطلبوا من أمهاتكم وزوجاتكم أن يجهزن لكم أكفانكم». وأضافت وهي تخاطب أتباعها: «يا إخوتي ويا أخواتي أرى النصر يلوح في الأفق. فلنكثف من دعائنا».

وقد حظيت أم عبيدة بالكثير من الثناء والتعاطف بفضل كتابتها المثمرة ووجودها في غرف الدردشة على شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى خلفيتها. وقد كتب لها رجل أطلق على نفسه اسم جوبا في آخر العام الماضي: «الأخت أم عبيدة امرأة فاضلة من ضمن النساء الفضليات، وقد وهبت حياتها للخير».

يأتي بزوغ دور المرأة على خلفية التمييز الذي يتسم به الإسلام الراديكالي. ومثال ذلك ما كتبه محمد عطا، الذي اختطف الطائرة التي نفذت بها هجمات سبتمبر (أيلول)، في وصيته، أنه «على النساء ألا يحضرن جنازته وألا يذهبن إلى قبره في أي وقت آخر».

وفي الشهر الماضي، قال الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري في معرض جلسة بها العديد من الأسئلة والردود عليها على شبكة الإنترنت، إن النساء لا يمكنهن الانضمام للقاعدة. وكرد فعل على هذا، كتب امرأة في موقع راديكالي على شبكة الإنترنت، أن «الإجابة التي سمعناها لم تكن الإجابة المتوقعة» وأضافت «أقسم بالله أنني لن أترك هذا الطريق ولن أتخلى عن هذا النهج».

ويظهر التغير في دور المرأة في الحركة بصورة خاصة في الدول الغربية، حيث تربت النساء المسلمات على المطالبة بحقوقهن وتعود الرجال المسلمون على معاملتهن بمساواة. وتعكس أم عبيدة هذا الاتجاه. وهي تقول: «الطبيعي في الإسلام أن الرجال أقوى من النساء، ولكنني أثبت أنه من المهم أن نخاف الله، ولا أحد سواه. من المهم أنني امرأة. هناك رجال لا يريدون التحدث لأنهم يخافون من المشاكل. ولكن حتى لو كانت هناك مشاكل، فإنني أقول ما يجب قوله».

ولكنها تقول إنها تعرف القواعد. «أنا أكتب بطريقة قانونية، فأنا أعرف ما أقوم به. أنا بلجيكية وأعرف النظام». ولم يكن هذا النظام متساهلا معها، فقد اعتقلت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي مع 13 آخرين، حيث تشك السلطات بتورطهم في مؤامرة لتحرير إرهابي مدان من السجن وتنفيذ هجمات في بروكسل. ولكن القانون البلجيكي ينص على إطلاق سراحهم خلال 24 ساعة بسبب عدم اتهامهم بأي تهمة وفشلت عمليات التفتيش في العثور على أسلحة أو متفجرات أو أي وثائق مجَّرمة. والآن، مع أن أم عبيدة تحت المراقبة المستمرة، فقد عادت إلى منزلها تحشد المقاتلين عن طريق شبكة الإنترنت وتحصل على أكثر من 1100 دولار شهريا كإعانة بطالة من الحكومة. ويقول جلين أودنيرت، مدير قوة الشرطة الفيدرالية في بلجيكا: «ليس جهادها القيام بعملية، ولكن بحث الناس على الجهاد. وهي تتمتع بالحماية التي توفرها الدولة، ولكنها في نفس الوقت تمثل خطرا محتملا».

ولدت أم عبيدة في المغرب وعاشت في بلجيكا في فترة الصبا، ولذا لم يكن يبدو عليها أنها ستكون هذه الشخصية. وبينما كانت تكبر، تمردت مليكة على نشأتها الإسلامية، كما كتبت في مذكراتها. وكان زواجها الأول، عندما كانت تبلغ من العمر 18 عاما، غير سعيد واستمر لفترة قصيرة. وبعد هذا أنجبت طفلة خارج إطار الزواج.

ولأنها كانت لا تستطيع قراءة العربية، فقد كان أول اطلاع لها على القرآن الكريم من خلال ترجمة لمعانيه باللغة الفرنسية وكان هذا سببا في اعتناقها لنهج متزمت من الإسلام وفي النهاية تزوجت من عبد الستار دهمان، وهو رجل تونسي من المخلصين لأسامة بن لادن. وكانت أم عبيدة تقول إنها كانت تأمل في أن تحارب إلى جانب زوجها في الشيشان، ولكن كان الشيشانيون يريدون رجالا ذوي خبرة ومستوى عال من التدريب. «كانوا يحتاجون نساء ولكن بصورة أقل».

وذهبت خلف زوجها إلى أفغانستان عام 2001، وفي الوقت الذي كان الزوج يتدرب فيه بمعسكر «القاعدة»، كانت هي في معسكر للنساء الأجانب في جلال أباد. وبالنسبة لها فإن طالبان كانت نموذجا للحكومة الإسلامية وهي ترى أن التقارير عن سوء معاملة النساء غير صحيحة. وتؤكد: «لم تكن النساء تعاني من أية مشاكل تحت حكم طالبان، ولكن كن ينعمن بالأمن».

الشيء الوحيد الذي كانت تعترض عليه هو البرقع الذي تسميه «كيس بلاستيك»، ولذا كان يسمح لها كأجنبية بارتداء حجاب أسود طويل بدلا منه. وبعد العملية التي نفذها زوجها، ألقى رجال مسعود القبض عليها، ولكنها اتصلت بالسلطات البلجيكية التي رتبت لعودتها إلى وطنها في أمان. تم محاكمة مليكة مع 22 آخرين في بلجيكا بتهمة التواطؤ في مقتل مسعود، ولكنها تمكنت من إقناع المحكمة بأنها كانت تقوم بعمل إنساني ولا تعرف شيئا عن خطط زوجها. وتمت تبرئتها لعدم توافر الأدلة. ولكنها استخدمت وضعها الجديدة حيث ينظر إليها كأرملة «شهيد» للتعرف على «إخوة وأخوات» جدد على شبكة الإنترنت، وكان من بينهم رجل تونسي لاجئ سياسي في سويسرا تزوجته وانتقلت بعدها للعيش في قرية هناك، حيث أدارا العديد من المواقع الإلكترونية والمنتديات المؤيدة لتنظيم «القاعدة» ضبطتها السلطات السويسرية. وبعد أن ألقت الشرطة القبض عليها في أبريل (نيسان) 2005، زعمت أن الشرطة السويسرية ضربتها ووضعت غمامة على عين زوجها وعاملتها بقسوة. وبعد إدانتها في يونيو (حزيران) الماضي بالترويج للعنف ودعم منظمة إجرامية، حصلت على حكم مؤجل بالسجن لمدة ستة شهور.

وفي هذه الأثناء، ارتفعت مكانتها بعد ادعائها أن الشرطة السويسرية قد عاملتها بقسوة، ووصفها موقع «صوت المضطهدين» الإلكتروني بأنها «مجاهدة القرن الحادي والعشرين». وعندما ألقي القبض عليها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بسبب صلتها بمؤامرة مشتبه فيها لتحرير إرهابي مدان، كانت إحدى ثلاث نساء تم استجوابهن. وعلى الرغم من أن هوية هؤلاء المعتقلين لم يتم الكشف عنها، فإن السلطات البلجيكية وآخرين على صلة بالقضية قالوا إن من بين المعتقلين زوجة الإرهابي المدان وهي تدعى فاطمة أبركان، وتبلغ من العمر 47 عاما، وهي صديقة لمليكة.

وتقول السيدة فاطمة: «تعد مليكة مصدر إلهام للنساء لأنها تقول لهن ألا ينمن وأن يفتحن أعينهن جيدا».

وتدير مليكة المنتدى الخاص بها من شقتها التي تقع فوق محل ملابس ببروكسل، وتدرك مليكة أن الشرطة تراقبها مع أنها تصر على أنها لم تتجاوز القانون. وتقول عن الوضع إذا ما عثرت السلطات على وسيلة لسجنها: «سيكون هذا عظيما، فبهذا يجعلون مني شهيدة تمشي على الأرض».

*خدمة «نيويورك تايمز»