جيانيندرا.. الملك الذي أسقط 240 عاما من الملكية

TT

منذ زمن ليس ببعيد، كان النيباليون يقدسونه ويعتبرونه الها هندوسيا. الاف الموظفين قاموا بخدمته في القصر، وتوجوا عبادتهم له بطبع صورته على الاوراق النقدية وكتبوا اسمه في النشيد الوطني.

اما الان وهو على وشك ان يفقد تاجه، فلا يلقى ملك نيبال جيانيندرا سوى الذم. حتى أنه أصبح مجبرا على تسديد الضرائب وفواتير الكهرباء الخاصة به. ويقول كثيرون من مواطني نيبال ان رجل الاعمال الذي أصبح ملكا والبالغ من العمر 60 عاما، يجب ألا يلوم الا نفسه بعد قراره الذي افتقر الى الحكمة بالسيطرة على السلطة عام 2005، حين أقال الحكومة واعتقل ساسة وأعلن حالة الطوارئ.

ويبدو أن جيانيندرا ضاق ذرعا بساسة نيبال الفاسدين والمتنازعين، وقرر أنه الوحيد القادر على انقاذ البلاد من حركة تمرد الماويين. لكن السحر انقلب على الساحر، واضطر الملك الى التراجع عن قراره في العام التالي عقب أسابيع من الاحتجاجات في الشوارع التي حددت مصيره ومصير مملكته.

ويقول كوندا ديكسيت رئيس تحرير صحيفة «نيبالي تايمز» الاسبوعية: «كان يعتقد أن نيته هي الاحسن... لكن نزعته الاستبدادية هي التي قضت عليه».

كان جيانيندرا صبيا في الثالثة من العمر عند توليه العرش عام 1950، حين فر جده الى الهند لفترة قصيرة وسط صراع على السلطة مع الاسرة التي تتوارث منصب رئيس الوزراء وهي أسرة رانا.

وعندما عاد الملك تريبوفان بعد بضعة اشهر انسحب جيانيندرا مجددا الى الخلفية ليكون ثروة من تجارة الشاي والتبغ والفنادق وينخرط في مجال الحفاظ عن البيئة. ومنذ نحو سبع سنوات، قتل شقيقه الملك بيريندرا صاحب الشعبية الكبيرة فضلا عن ثمانية اخرين من أفراد الاسرة الحاكمة بالرصاص، على يد ولي العهد الذي انتحر بعد قتلهم. فعاد جيانيندرا لتولي العرش، وعلى غرار كثيرين من أسلافه، تربى على فكرة أنه يعرف اكثر من شعبه ما هو أفضل لنيبال.

وأزالت هذه المذبحة سحر مملكة قدس النيباليون ملوكها ذات يوم، بوصفهم تجسيدا للاله الهندوسي فيشنو، فيما أطلقت سيطرة جيانيندرا على السلطة العنان لغضب الناس. واصبح المتمردون الماويون اكبر حزب في نيبال بعد اتفاق سلام أبرم عام 2006 والانتخابات التي أجريت في أبريل (نيسان). وكان مطلب المتمردين الرئيسي اسقاط «الملكية الاقطاعية». وهكذا أنهى جيانيندرا 240 عاما من السلطة الملكية في النيبال. التحق جيانيندرا بالمدرسة في دارجيلينج في شرق الهند وتخرج في جامعة تريبوفان في كاتمندو. وقال موهان براساد لوهاني الذي كان يدرس له اللغة الانجليزية في الجامعة، انه لم يكن تلميذا عاديا فكان مهتما بالسياسة اكثر من اهتمامه بالدراسة. وأضاف: «كانت له رؤيته الخاصة بشأن كيف يجب تغيير الامور. كان طموحا للغاية». ويقول محللون اِن هذا الطموح ربما يكون السبب في سقوطه. وفي العامين الاخيرين استولت الحكومة على الاف الافدنة من الاراضي الملكية، وأممت اكثر من 12 قصرا من قصوره وأقالت الكاهن الخاص به في عملية تطهير لموظفي القصر. وخفضت المخصصات السنوية المالية للملك الذي حددت اقامته في قصره فعليا كما طالبته الضرائب بسداد مبالغ وطولب بدفع فواتير كهرباء لم تسدد قيمتها. ويجادل مؤيدو الملكية بأن التعجل في اسقاط الملك قد يأتي بعواقب غير محمودة ويترك البلاد من دون الركيزة التي تحتاجها في أوقات التغيير. غير أن الاحزاب التي ينتمي لها أنصار الملكية لم تفز سوى بأربعة مقاعد في الجمعية البالغ عدد أعضائها 601 عضو. وفي حين تعجب فكرة الملكية الدستورية الكثير من النيباليين فان قلة قليلة هي التي ترغب في أن يحكمها جيانيندرا او ابنه غير المحبوب باراس الذي يشتهر بأنه زير نساء وسائق متهور.