واشنطن تتهم طهران بتأجيج المعارضة للاتفاقية الأميركية ـ العراقية

«الدعوة» يدعو للتريث في إبرامها حتى انقضاء ولاية بوش.. والصدر يطالب باستفتاء.. و«التوافق» تؤيدها

TT

يواجه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، معارضة متنامية لاتفاق أمني عراقي مقترح سيحدد إلى متى سيستمر وجود القوات الأميركية والقواعد العسكرية التي ستتمركز داخل البلاد. وأعرب بعض كبار القادة السياسيين العراقيين عن قلقهم العميق إزاء القضايا الجوهرية محل التفاوض، ومن بينها طبيعة العمليات العسكرية وإجراءات إلقاء القبض على العراقيين التي سيكون بمقدور القوات الأميركية تنفيذها دونما تصريح من الجانب العراقي، والحصانة القانونية التي يسعى الجانب الأميركي لإضفائها على جنوده وقضية المقاولين الأمنيين، إلى جانب ما وصفه المسؤولون العراقيون باعتباره مطالب بإقرار وجود عسكري أميركي طويل الأمد.

وأكد القادة العراقيون أن لديهم تحفظات على الإسراع في المحادثات الجارية بهذا الشأن. ومن بين الأسباب وراء التحفظات اعتقادهم بأنه من غير المنطقي التفاوض مع رئيس أميركي يفتقر إلى النفوذ والقوة اللازمة. وأثارت هذه الاعتراضات التساؤلات حول إمكانية التفاوض بشأن الاتفاق الأمني الجديد بحلول نهاية يوليو(تموز)، مثلما لمح المسؤولون الأميركيون. يذكر أن سريان قرار الأمم المتحدة الذي ينظم وجود القوات الأميركية في العراق ينتهي بحلول نهاية العام الحالي. من ناحيته، علق علي الأديب، أحد كبار أعضاء حزب الدعوة الاسلامية، والحليف المقرب من المالكي، على الأمر بقوله: «هذا الاتفاق بين العراق ورئيس الولايات المتحدة، في وقت يكتنف الغموض السياسة الأميركية. لذا، بإمكاننا الانتظار حتى انتهاء الانتخابات الأميركية للتعرف على ما إذا كنا سنتعامل مع رئيس ديمقراطي أم جمهوري». على الجانب الآخر وصف مصدر أميركي مطلع على المحادثات، المزاعم بشأن سعي واشنطن لضمان قواعد عسكرية لها على الأمد البعيد داخل العراق، بأنها «عارية تماماً من الصحة». كما نفى المصدر ذاته الشائعات حول إبداء المفاوضين العراقيين رغبة في إبطاء سير المفاوضات، مؤكداً أنه: «ما نسمعه أنهم يرغبون في المضي قدماً بأقصى سرعة».

ومن الواضح أن هذه المفاوضات تنطوي على مخاطر سياسية كبرى بالنسبة لمستقبل حكومة المالكي، خاصة في ضوء المشاعر التي تثيرها لدى الكثير من العراقيين الذين يرون في إمكانية إقرار وجود عسكري أميركي طويل الأمد أمراً مهيناً.

أما رجل الدين الشاب مقتدى الصدر، الذي يحاول على ما يبدو استغلال الجدال المثار حول المفاوضات لحشد التأييد له في أعقاب سيطرة القوات العراقية على معاقل «الصدريين» في بغداد والبصرة، فقد طالب بعرض أي اتفاق تتمخض عنه المفاوضات على الاستفتاء العام. في المقابل، أعرب الكثير من السياسيين العراقيين عن تأييدهم للمفاوضات، بينهم قادة سنة ينظرون إلى الوجود الأميركي باعتباره حائط صد ضد أي محاولات محتملة من قبل القادة الشيعيين، بدعم من إيران، لتجديد سيطرتهم الطائفية على بغداد والمناطق المحيطة بالعاصمة التي تقطنها طوائف مختلفة.

في هذا السياق، قال عدنان الدليمي، زعيم أكبر كتلة سياسية سنية بالبلاد وتعرف باسم جبهة التوافق العراقية، «نعتقد أن هذا الاتفاق سيضمن حقوق العراق والولايات المتحدة. وإذا ما انسحبت القوات الأميركية من العراق قبل الوقت المناسب، ستندلع بالبلاد حالة من الفوضى وحرب أهلية». إلا أن الأصوات المعارضة للاتفاق الأمني لم تقتصر على التيار الصدري، حيث أعلن «المجلس الاعلى الإسلامي بالعراق»، أحد حلفاء المالكي المهمين، أن العديد من بنود الاتفاق المقترح تشكل انتهاكاً للسيادة العراقية.

وأكد أعضاء آخرون بالبرلمان العراقي على ضرورة عدم استئناف المفاوضات حتى انتهاء سريان قرار الأمم المتحدة بشأن القوات الأميركية، وإلا ستكون بغداد في موقف بالغ الضعف لا يمكنها من التفاوض بكفاءة. وأعرب محمود عثمان، العضو البرلماني الكردي المستقل، عن اتفاقه مع هذا الرأي، حيث قال: «لا تجري المفاوضات حالياً بين طرفين متكافئين، وسيترتب على ذلك نتائج تخدم مصالح أميركا بدرجة أكبر. ومن الخطأ إبرام اتفاق طويل الأمد مع إدارة بوش التي لم يبق أمامها سوى خمسة شهور قبل مغادرة السلطة. وينبغي على الحكومة العراقية الانتظار حتى يتم إقرار الإدارة الأميركية الجديدة، ثم تعقد اتفاقاً معها». من ناحية أخرى، أشار مسؤول أميركي في بغداد إلى أن العراقيين، على ما يبدو، غير مستعدين لتقديم أي تنازلات قبل الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في وقت لاحق من العام الحالي قد يرى الناخبون أنها تكشف عن إذعان مفرط لقوات الاحتلال. من ناحيتهما، أكد الأديب وحيدر العبادي، وهو عضو آخر بارز بالبرلمان ومن القريبين من المالكي، أن المفاوضين العراقيين والأميركيين مختلفون حول عدد من القضايا، وذلك في إطار لقاء أجري بينهما يوم الجمعة. وأضاف الاديب أن الأميركيين يرغبون في الاستمرار بالتمتع بحرية التصرف فيما يخص إلقاء القبض على العراقيين وتنفيذ عمليات عسكرية، علاوة على رغبتهم في الحصول على تصريح بالبقاء في أكثر من 50 قاعدة عسكرية على الأمد البعيد. وأعرب الاديب عن تشككه حيال إمكانية تمرير اتفاق أمني بالشروط التي ترغبها واشنطن داخل البرلمان العراقي. أما العبادي، العضو البارز بحزب الدعوة، فنوه بأن واشنطن مصرة على الإبقاء على سيطرتها على الأجواء الجوية العراقية وضمان الحصانة القانونية لجنودها ومقاوليها وحرس الأمن الخصوصيين التابعين لها.

على الجانب الآخر، اتهم مسؤول أميركي بارز مطلع على المفاوضات إيران بتنظيم حملة إعلامية مضللة لتقويض المفاوضات. وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن النقاش الدائر حول نمط العمليات التي ستنفذها القوات الأميركية من دون تصريح عراقي: «سيخضع لمراجعة مستمرة»، مؤكداً أن القوات الأميركية تتعاون في الوقت الراهن بصورة مكثفة مع الجانب العراقي. وقال المسؤول إن الجنود الأميركيين المشاركين في مهام مشابهة لتلك الجارية بالعراق يخضعون فقط للقانون العسكري الأميركي، مستطرداً أن المسؤولين الأميركيين يرغبون في الإبقاء على سيطرتهم على المجال الجوي العراقي لافتقار الحكومة العراقية، حتى الآن، للقدرة على التعامل مع هذا الجانب.

* خدمة «نيويورك تايمز»