منظمة بلير الخيرية تستغل الدين كقوة إيجابية

تعمل على تعزيز الحوار بين الأديان وهدفها التصدي للتطرف

TT

كشف توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، النقاب يوم الجمعة عن خطة طموحة لإقامة جمعية خيرية جديدة سوف تستخدم الدين كعامل لتحقيق التنمية الاقتصادية وتسوية الصراعات، بدلاً من استغلاله لإشعال العنف والاضطرابات.

جاء الإعلان خلال مؤتمر صحافي في نيويورك بدأه الرئيس الأميركي السابق، بيل كلينتون، وحضره قيادات دينية ومتبرعين وممثلين عن الأمم المتحدة. وخلال الكلمة التي ألقاها، أكد بلير أن أحد أهدافه الرئيسية مساندة القيادات الدينية الساعية للتصدي للتطرف في إطار الديانات التي تنتمي إليها. وقال: رغم توجيه قدر بالغ من الاهتمام، لأسباب مفهومة، نحو التطرف المرتبط بصورة مشوهة من دين الإسلام المميز، لا تخلو أية من الديانات الكبرى من عناصر التطرف. يذكر أن بلير تحول مؤخراً من المذهب الأنجليكاني إلى الكاثوليكي، إلا أنه يرى أنه تاريخ الصحوة الدينية بداخله يرجع إلى فترة دراسته بجامعة أوكسفورد. وأثناء تقلده منصب رئيس الوزراء في إنجلترا العلمانية، حرص على التزام الصمت حيال مشاعره ومعتقداته الدينية العميقة. وتعد المنظمة الخيرية التي أعلنها بلير وتحمل اسم مؤسسة توني بلير الإيمانية أحدث ثمار الجهود رفيعة المستوى التي تمخضت مؤخراً عن انتشار المنظمات المعنية بتعزيز التفاهم بين الأديان. وتعتبر هذه الظاهرة، في جزء منها، رد فعل لهجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 الإرهابية، حيث شرع الزعماء الدينيون في البحث عن سبل لتعزيز الروابط بين الأديان المختلفة ودعم أصوات علماء الدين المعتدلين في وقت بدا فيه المتطرفون وكأنهم يحتكرون الصعيد الإعلامي. وتضمنت الجهود بهذا المجال خلال الفترة الأخيرة عقد حفلات عشاء ومعارض للكتب تضم أتباع الديانات المختلفة. ومن بين أحدث المبادرات ما أعلنته كارين أرمسترونج، البروفيسرة البريطانية البارزة بمجال الأديان المقارنة، من رغبتها في عقد مجلس يضم قيادات مسيحية ومسلمة ويهودية بهدف صياغة ميثاق التعاطف الذي يحوي مجموعة المبادئ الأخلاقية المشتركة. وقد حازت خطة أرمسترونج مؤخراً جائزة تيد البالغ قيمتها 100.000 دولار. كما تحظى الخطة بدعم مؤتمر دولي للتقنية والترفيه والتصميم. من ناحية أخرى، شهدت البرامج الدينية التي تعود إلى ما قبل 11 سبتمبر تنامياً هائلاً، على سبيل المثال، أشار المبجل ويليام إي. سوينج، الأسقف السابق للكنيسة الأسقفية البروتستانتية بسان فرانسيسكو، إلى أن مبادرة الأديان المتحدة التي أطلقها أثمرت ما يزيد على 400 دائرة تعاونية بين الديانات بمختلف أنحاء العالم تعمل على تناول المشكلات المحلية.

وفيما يتعلق بمنظمة بلير الخيرية، من المفترض أن تعمل على تعزيز الحوار بين الأديان وأن تقوم بإنشاء مركز لعقد المؤتمرات بهذا الشأن في لندن، إضافة إلى توفير المواد اللازمة لتعليم الأفراد بشأن مختلف الديانات الموجودة على مستوى العالم. ومن المنتظر أن يقوم بلير شخصياً بالتدريس في دورة تعقدها جامعة ييل حول الدين والعولمة، والتي يمكن إعادة تدريسها داخل هيئات أخرى. كما ستعمل المنظمة على تشجيع المجموعات الدينية على التعاون فيما بينها فيما يتعلق بعدد من المشروعات المحددة المعنية بمكافحة الفقر. ويتركز اهتمام المنظمة الأول على الانضمام إلى الحملة المتصاعدة للقضاء على وباء الملاريا من خلال توزيع شبكات اصطياد البعوض. وفي إطار لقاء عُقد معه بعد المؤتمر الصحافي، قال بلير: نحن لا نرغب في تكرار ما يقوم به الآخرون، ولا يتمثل هدفنا في مجرد عقد حوار، وإنما الهدف هو العمل من أجل تحقيق الخير والتصدي للتطرف، لأن ذلك يؤثر على أمننا، إلى جانب العمل على تعليم الأفراد، ذلك أنه حال توافر تفهم أفضل بين الديانات، ستتضاءل احتمالات تحول الاختلافات بين الديانات إلى مصدر للصراع. يذكر أنه أثناء عمله رئيساً لوزراء بريطانيا، اتسم بلير بالتكتم حيال معتقداته وآراءه حول الدين، الأمر الذي شكل أحد السبل لتجنب التعرض لأسئلة حساسة بشأن انتماءاته الدينية. من المعروف أن بلير كان ينتمي رسمياً إلى المذهب الأنجليكاني، لكنه حضر قداساً كاثوليكياً مع زوجته شيري، الكاثوليكية، وأبنائه. في العادة، انتمى رؤساء الوزراء البريطانيون إلى كنيسة انجلترا (باستثناء بنيامين ديزرالي اليهودي)، وكان من بين مسؤولياتهم اقتراح مرشحين لتولي منصب أسقف كانتربري على الملكة. وفي إطار اللقاء الذي أُجري معه الجمعة، قال بلير إنه أرجأ قرار التحول إلى المذهب الكاثوليكي حتى ديسمبر السابق، أي بعد مغادرته منصب رئيس الوزراء بستة شهور، وذلك كي لا أتورط في سلسلة من القضايا التي ستلقي بظلالها، في نهاية الأمر، على قرار شخصي. ونوه بلير بأنه أخطر البابا بينيدكت السادس عشر بشأن خططه بإقامة منظمة تعنى بالتعاون بين الديانات، وأن البابا والفاتيكان كانا مؤيدين للغاية للفكرة.

يذكر أن مستوى شعبية بلير كرئيس للوزراء تدنى بصورة بالغة داخل إنجلترا وخارجها في أعقاب تأييده حرب العراق. وعندما استقال، تم تعيينه مبعوثاً خاصاً للجنة الرباعية المعنية بالشرق الأوسط (المؤلفة من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة)، وقام بالفعل بعدة زيارات إلى المنطقة.

من ناحية أخرى وفي إطار لقاء عقد معه، قال سيد إم. سييد، مدير مكتب التحالفات الدينية التابع للمنظمة الإسلامية في أميركا الشمالية، إنه رغم سجل بلير في العراق، فإنه لا يزال يحتفظ بقدر من المصداقية كاف للتعامل مع منظمته بجدية. وقال: يجب أن تطلع على فحوى رسالته والموارد التي يبدي القدرة على تعبئتها، إنها مبادرة قوية للغاية. من ناحيته، رفض بلير التعليق حول حجم الأموال التي جمعتها منظمته، لكن أحد مساعديه أشار إلى أن التمويل المبدئي بلغ عشرات الملايين، تم جمعها من أفراد ومؤسسات خيرية وشركات وحكومات.

* خدمة «نيويورك تايمز»