الأمير سلطان: السعودية تجاوزت مرحلة التخطيط إلى التنفيذ الفعلي لتوسيع المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية

قال في حوار مع صحيفة «أي.بي.سي» الإسبانية إن السياسة البترولية تقوم على أساس مراعاة مصالح الدول المصدرة والمستهلكة

TT

أكد الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، أن المملكة العربية السعودية تجاوزت مرحلة التخطيط إلى التنفيذ الفعلي، لتوسيع المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها.

وأوضح ولي العهد السعودي، أن مجلس الشورى شهد تكريساً للمشاركة الوطنية وتوسيعها، من خلال زيادة عدد أعضائه على ثلاث مراحل متوالية، من ستين عضواً إلى مائة وخمسين، إضافة إلى توسيع صلاحيات المجلس، كما بدأت الانتخابات في المجالس البلدية عام 2005، وكذلك فإن مؤسسات المجتمع المدني، التي تشكل أحد روافد القرار، شهدت أيضاً توسيعاً في قاعدتها وإنشاء مؤسسات جديدة، من أهمها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، الذي يتناول بالبحث والتحليل جميع القضايا الاجتماعية المحورية وتشارك فيه كل أطياف المجتمع من خلال حوار شفاف ومعلن.

جاء ذلك في حديث أدلى به الأمير سلطان بن عبدالعزيز لصحيفة «أي.بي.سي» الإسبانية، ونشرته في عددها الصادر أمس (الأربعاء) بمناسبة زيارته الرسمية لإسبانيا التي تبدأ اليوم.

وقال ولي العهد إن المملكة تعد إسبانيا بلداً صديقاً وتسعى باستمرار إلى تعزيز أواصر هذه الصداقة، من خلال تبادل الآراء وتكثيف التعاون في مختلف المجالات، كما أن المملكة تنظر بتقدير للدور الكبير الذي تضطلع به إسبانيا داخل الاتحاد الأوروبي، ولدورها في دعم الأمن والاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط. وفي ما يلي النص الكامل للحديث.

* ما أهداف زيارتكم إلى إسبانيا، التي ستبدأ اليوم؟

ـ نحن في المملكة العربية السعودية ننظر بتقدير للدور الكبير الذي تضطلع به إسبانيا داخل الاتحاد الأوروبي، كما أننا نقدر كذلك دورها في دعم الأمن والاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط. وتأتي زيارتي لإسبانيا تأكيداً على عمق العلاقات بين الرياض ومدريد. والمتابع لتاريخ العلاقة بين بلدينا يلحظ تنامي هذه العلاقات على كافة الصعد، وخاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. ونحن نعتبر إسبانيا بلداً صديقاً، لذا فإننا نسعى باستمرار إلى تعزيز أواصر هذه الصداقة، من خلال تبادل الآراء وتكثيف التعاون في مختلف المجالات. والمملكة العربية السعودية تربطها بإسبانيا معاهدة خاصة بالصداقة منذ عام 1961، كما وقعت أول اتفاقية للتعاون الصناعي والزراعي بين البلدين عام 1974، وشكلت لجنة مشتركة للتعاون الصناعي بينهما آنذاك، كما تلتها عدة اتفاقيات ثقافية واقتصادية وصناعية بين البلدين منذ ذلك الحين، ومن تلك الاتفاقيات تأسيس الصندوق السعودي الإسباني برأسمال قدره مليار دولار، وقد تم التوقيع عليه إبان زيارة جلالة الملك خوان كارلوس إلى المملكة عام 2006، كما تم توقيع العديد من الاتفاقيات أثناء زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى إسبانيا عام 2007. وزيارة جلالة الملك خوان كارلوس الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية.

* تضطلع المملكة العربية السعودية بدور حيوي في السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، كيف تقيمون مسيرة المبادرة التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز للسلام في منطقة الشرق الأوسط، وتم تبنيها في القمة العربية في بيروت عام 2002؟

ـ حرصاً من المملكة على إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ عام 1948، وما يعانيه من قتل وتشريد وحصار، ولتحقيق السلام في فلسطين، مما يدعم بشكل كبير الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، فإن المملكة دعمت كل الجهود لتحقيق السلام، فقد أيدت وحضرت مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط عام 1991 وما تلاه من مساع لإحلال السلام، وانطلاقاً من هذه الثوابت واستناداً لأسس ومبادئ الشرعية الدولية وقراراتها، فقد أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مبادرته التاريخية للسلام في منطقة الشرق الأوسط، التي تبناها مؤتمر القمة العربي في بيروت عام 2002، وذلك لفتح آفاق جديدة من التعايش السلمي المبني على استعادة الحقوق العربية وإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي وإحلال السلام الدائم في المنطقة. وأصبحت هذه المبادرة بشموليتها لكافة القضايا هي الأساس لكل الجهود العربية التي تبذل في سبيل تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط، حيث بلورت المطالب الفلسطينية والعربية في موقف واحد مشترك يعبر عن مواقف جميع الدول العربية. وقد أكدت جميع القمم العربية، التي تم عقدها بعد قمة بيروت، تمسك الدول العربية بهذه المبادرة، التي أصبحت تمثل الموقف الموحد للأمة العربية. إلا أن الأمر المؤسف هو استمرار إسرائيل في رفض وتجاهل جميع المبادرات الدولية السلمية الجادة والمخلصة لحل النزاع، وإصرارها على انتهاج السياسات أحادية الجانب، وكسر جميع القواعد والقوانين الدولية والانتهاك المستمر لحقوق الإنسان من خلال بناء وتوسيع المستوطنات، وبناء الجدار العازل، وفرض العقوبات الجماعية على الشعب الفلسطيني وتجويعه، مما أدى إلى تعميق المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، لذلك فإننا نطالب المجتمع الدولي بالتدخل الفوري والحازم لفك الحصار، وإنهاء المعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني. وأن يمارس المجتمع الدولي دوره في الضغط على الجانب الإسرائيلي للتجاوب مع مبادرة السلام العربية لإحلال السلام العادل والشامل في المنطقة.

* كيف تنظرون إلى المساعي الأخيرة بين سورية وإسرائيل للوصول إلى اتفاقية سلام بين البلدين، هل تتوقعون أي نجاح لهذه المساعي؟

ـ لقد بدأت مسيرة السلام متفائلة في مؤتمر مدريد، حيث شاركت الدول العربية أملاً في أن تكون بداية موفقة لإحلال السلام في المنطقة، على أسس ومبادئ الشرعية الدولية وقراراتها، ومبدأ الأرض مقابل السلام الذي أقره مؤتمر مدريد.

ولكن التعنت وعدم الالتزام الإسرائيلي كان وراء إضاعة فرص السلام الواحدة تلو الأخرى، لقد كانت وما زالت الممارسات الإسرائيلية عاملاً محبطا للعرب، لأن الطرف المقابل يبدو من أفعاله أنه غير جاد. وكما أسلفت فقد تبنت كافة الدول العربية «مبادرة السلام العربية»، التي حظيت بتأييد دولي كبير. ويعتمد نجاح أي مسعى لإحلال السلام على مدى جدية الجانب الإسرائيلي.

* هل تتوقعون أن انسحابا سريعا للقوات الأميركية من العراق سيؤدي إلى فراغ كبير وحرب أهلية أسوأ من الوضع القائم؟

ـ لقد آلمنا في المملكة العربية السعودية ما يمر به العراق الشقيق، ومن منطلق شعورنا بمسؤوليتنا العربية وواجباتنا الإنسانية للتخفيف عن العراقيين فقد دعمنا وما زلنا ندعم كل جهد يسهم في عودة العراق آمناً ومزدهراً. وبالنسبة للقوات الأميركية الموجودة في العراق، فإن بقاءها وقوات التحالف الدولية الأخرى في العراق أو انسحابها منه، أمر يخص الشعب العراقي وحكومته. ونرى أنه من المهم لأمن واستقرار وازدهار المنطقة، ضمان استقرار العراق واستتباب الأمن فيه، والحفاظ على سيادته واستقلاله ووحدته الوطنية وهويته العربية.

* ما رأيكم في العلاقة المتوترة بين إيران والغرب، وخاصة الولايات المتحدة؟ وهل تعتقدون أن إيران ستمتلك سلاحاً نووياً عبر تجاربها الحالية؟

ـ إننا في المملكة العربية السعودية نحث ونعمل دائماً على نزع فتيل الأزمات، ونبذل كافة الجهود للمحافظة على السلم والأمن في منطقة الشرق الأوسط، ومن هذا المنطلق فقد أكدنا مراراً على أهمية خلو هذه المنطقة، بما فيها منطقة الخليج من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل. ودعونا جميع دول منطقة الشرق الأوسط إلى الاحترام الكامل والدقيق للعهود والمواثيق الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية. وإن كان من حق أي دولة امتلاك التقنية النووية للأغراض السلمية، إلا أنه يجب أن يكون ذلك وفق معايير وإجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحت إشرافها، لأن امتلاك أي من دول المنطقة سلاحاً نووياً يمثل تهديداً للأمن والسلام في المنطقة، ونأمل في أن تكلل الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق نهاية سلمية وسريعة للملف النووي الإيراني بالنجاح.

* يرى الكثير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت سيتنحى عن منصبه، هل ترى أن خروجه من رئاسة الحكومة سيخدم عملية السلام في المنطقة، أم أن ذلك سيؤدي إلى تفاقم الوضع؟

- إن الوضع متفاقم أصلاً، من خلال سياسة الحصار والعقوبات الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، واستمرار استحواذها على المزيد من الأراضي الفلسطينية وإقامة وتوسيع العديد من المستعمرات عليها. لذا فإن تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط مرهون بتحقيق العدل والإنصاف للشعب الفلسطيني. والسياسات ينبغي أن لا تكون مرتبطة بأشخاص، بقدر ما تكون مبنية على أسس ومبادئ شرعية وأخلاقية، وبالتالي فإن بقاء أو خروج رئيس الوزراء الإسرائيلي هو شأن إسرائيلي داخلي. العرب قالوا كلمتهم في السعي نحو السلام الشامل والعادل المبني على مرجعيات السلام الدولية وقراراتها. ونحن نريد من المجتمع الدولي أن ينظر بعين العدل والإنصاف لقضية فلسطين ومعاناة الشعب الفلسطيني المستمرة.

* يبدو أن الأزمة اللبنانية وصلت إلى حل توافقي بعد اجتماعات الدوحة، ويعتقد أن دوراً سعودياً أسهم في الوصول إلى هذا الحل، إلى أي مدى ترتبط السعودية بالشأن الداخلي اللبناني؟

- انطلاقاً من رغبة المملكة العربية السعودية في أن يسود الأمن والاستقرار لكافة الدول العربية الشقيقة، فقد وقفت المملكة ولا تزال مع لبنان منذ استقلاله في كل الظروف وآزرته، واستمراراً لجهودها في إبعاد لبنان عن شبح الحرب الأهلية بذلت المملكة كل ما تستطيع ضمن الجهد العربي المشترك لدعم حوارات ولقاءات الدوحة بين الأطراف اللبنانية. وإضافة إلى الجهود المشكورة التي بذلتها دولة قطر، فقد أسهم مجلس جامعة الدول العربية واللجنة العربية المشكلة، بناء على توصية من مؤتمر وزراء الخارجية العرب الطارئ، الذي عقد بهذا الخصوص في القاهرة بدعوة من المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية في التوصل إلى ذلك الاتفاق. وكما هو معروف فقد أسهمت المملكة العربية السعودية في خروج لبنان من حرب أهلية من خلال التوصل إلى اتفاق الطائف، وليس بمستغرب أن تكون المملكة قريبة من اللبنانيين وتبذل الجهود للمساعدة في تجاوزهم لخلافاتهم.

* كان سعر البترول 7 دولارات في السبعينات، وقفز إلى 26 دولارا قبل خمس سنوات، ولكنه حالياً تعدى 100 دولار، هل لكم أن تخبرونا عما يحدث في سوق النفط؟ وهل الأسعار القديمة غير قابلة للرجوع؟

- الذي يحدد سعر البترول هو عوامل السوق المختلفة من العرض والطلب. ومستوى المخزون التجاري في الدول المستهلكة، ويتأثر سعر البترول أيضاً بالاضطرابات السياسية وأوضاع السوق المالية الدولية وسياسات الدول المستهلكة وغيرها. وهناك عامل آخر له آثار سلبية واضحة وهو سلوك المضاربين، مما يستدعي إعادة النظر من قبل الدول المستهلكة في هذا الجانب بهدف الحد من هذه التقلبات في الأسعار.

إن السياسة البترولية للمملكة العربية السعودية تقوم على أساس مراعاة مصالح الدول المصدرة والمستهلكة، ونحن نعمل دائماً على استقرار السوق وتوازن العرض والطلب واستمرارية تدفق النفط بأمان إلى المستهلكين، ولكن ليس لأي دولة بمفردها مهما كانت طاقتها الإنتاجية القدرة على تحديد سعر البترول لأن هناك عوامل خارج نطاق سيطرتها وسيادتها.

إن المملكة العربية السعودية تستضيف الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي، وهو إطار يهدف إلى بناء الثقة وتبادل المعلومات بين الدول المنتجة والمستهلكة وتطوير فهم أفضل لما تنطوي عليه قضايا الطاقة ذات التأثير العالمي، ومن هذا المنطلق أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة أوبك التي عقدت في المملكة العربية السعودية عام 2007 عن إنشاء برنامج لتمويل البحوث العلمية المتصلة بالطاقة والبيئة والتغيرات المناخية تساهم فيه المملكة بمبلغ 300 مليون دولار.

وهذه الجهود والسياسات السعودية تؤكد رغبة سعودية صادقة في استقرار الأسعار بما يحافظ على مصالح المنتجين والمستهلكين واستمرار نمو الاقتصاد العالمي، وخصوصاً في الدول النامية بما يحقق الرفاهية لشعوب العالم.

* تمتلك السعودية ثروة كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار النفط؟ هل هناك استفادة من هذه الطفرة الاقتصادية مثلما حدث في السبعينات؟

- نحن نسير في المملكة وفق خطط خمسية للتنمية تهدف إلى التطور المطرد والمتوازن. ولقد شهد الاقتصاد السعودي خلال العقود الثلاثة الماضية تحولاً إيجابياً ملحوظاً وشاملاً، ويعود ذلك إلى قيام الدولة باستثمارات واسعة النطاق في التجهيزات والبنى الأساسية المادية والاجتماعية والمرافق الصناعية، حيث استثمرت الدولة موارد كبيرة في إنشاء المدن الصناعية، ووفرت قروضاً ومنحاً لدعم الصناعات التحويلية والمشروعات الزراعية ومشروعات الإسكان للمواطنين.

وتركز خطة التنمية الثامنة التي تنتهي عام 2010 على تطوير القطاعات الاقتصادية غير البترولية والاهتمام بها وتحسين كفاءة الخدمات والمنافع العامة ورفع الكفاءة التشغيلية، والترشيد، وتطوير خدمات التعليم، ومنظومة العلوم والتقنية، والاهتمام بالمعلوماتية، ودعم البحث العلمي بالتركيز على اقتصاديات المعرفة.

إننا نسير وفق تطور منهجي يأخذ بالتخطيط الاستراتيجي للتنمية الشاملة والمستدامة التي تحرص على مستقبل واعد للأجيال القادمة، وبتوازن يشمل جميع مناطق المملكة.

* أعلنت الحكومة السعودية عن تأسيس سبع مدن اقتصادية ضخمة، ستوفر مئات الآلاف من الوظائف للشباب السعودي، وبعكس ما كانت عليه خطط التنمية السعودية الأولى فإنكم اليوم تعتمدون أكثر على القطاع الخاص، ولكن لا تزال هناك بيروقراطيات قد تصد مسيرة الاستثمار الأجنبي في بلادكم، ما هو تعليقكم؟

- لقد أنشأت المملكة عدداً من المدن الاقتصادية لخدمة القطاعات الاقتصادية غير البترولية ولجذب المستثمرين من داخل المملكة وخارجها، مما يوفر فرص عمل للشباب السعودي ويعزز حركة التجارة الخارجية، ويفيد مختلف القطاعات التجارية والصناعية في المملكة، ويقوي الاقتصاد السعودي ويزيد من قدرته على مواكبة التحولات الاقتصادية المحلية والخارجية.

ولقد تبنى خادم الحرمين الشريفين منهج الإصلاح الاقتصادي الشامل، الذي يدخل في إطاره تطوير وتحديث الأنظمة. ونتج عن ذلك تحسين بيئة العمل مما مكن المملكة من احتلال المركز الـ23 ضمن 178 دولة، وفقاً لتقرير البنك الدولي حول سهولة أداء الأعمال، كما وضع هذا التقرير المملكة العربية السعودية ضمن صدارة دول العالم في الإصلاح الاقتصادي، حيث أكد أن المملكة تسير بالسرعة والطريقة المقنعة لتحقيق أهدافها المتعلقة بجذب الاستثمارات المحلية والعالمية، وتحسين بيئة الأعمال لتكون ضمن أفضل عشر دول في التنافسية على مستوى العالم. ونحن إذ ننوه بما حصل من تقدم في مركز المملكة، مما جعلها أفضل مكان لأداء الأعمال في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، إلا أن جهودنا لن تتوقف لضمان المحافظة على ما تحقق من انجازات وتحقيق مزيد من التحسين في بيئة الاستثمار.

* هل لدى السعودية خطط لتطوير مؤسساتها لتواكب مستجدات العالم ومتطلبات الداخل في مزيد من الحرية الاجتماعية والسياسية؟

- يتضح للمتابع لشأن المملكة أننا تجاوزنا مرحلة التخطيط إلى التنفيذ الفعلي لتوسيع المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، فمجلس الشورى شهد تكريساً للمشاركة الوطنية وتوسيعها من خلال زيادة عدد أعضائه على ثلاث مراحل متوالية من ستين عضواً إلى مائة وخمسين، إضافة إلى توسيع صلاحيات المجلس. كما بدأت الانتخابات في المجالس البلدية في عام 2005. وكذلك فإن مؤسسات المجتمع المدني التي تشكل أحد روافد القرار شهدت أيضاً توسيعاً في قاعدتها وإنشاء مؤسسات جديدة، ومن بين أهم المؤسسات القائمة «مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني»، الذي يتناول بالبحث والتحليل جميع القضايا الاجتماعية المحورية. وتشارك فيه كل أطياف المجتمع من خلال حوار شفاف ومعلن. كما تم إنشاء جمعيات أخرى، مثل الجمعية الأهلية لحقوق الإنسان، وجمعية الصحافيين السعوديين وغيرها من الجمعيات المهنية المتخصصة. ولم تكتف الدولة بإنشاء هذه المؤسسات، بل حرصت أيضاً على وضع الأنظمة والتشريعات التي تنظم عملها وتمكنها من تحقيق أهدافها. فضلاً عن قيام الدولة بإصدار العديد من الأنظمة الهادفة إلى الاستمرار في تطوير أجهزة الدولة لتوسيع المشاركة وتفعيلها.

* هل هناك أي تشريعات سعودية لتحسين منح المرأة حقوقها في المملكة العربية السعودية، في إطار مشروعات الإصلاح السعودية؟

- عندما نتحدث عن التنمية الشاملة التي شهدتها المملكة لا يمكن أن نغفل المساهمة الإيجابية والبناءة للمرأة السعودية في هذه التنمية. وقد حرصت المملكة على تفعيل هذه الدور وتكريسه من خلال توفير التعليم والتدريب المطلوب للمرأة السعودية في كافة المراحل التعليمية، بدءاً من المرحلة التمهيدية وانتهاء بمراحل الدراسات العليا – داخل المملكة وخارجها – حيث أضحت نسبة تعليم المرأة السعودية من أعلى النسب في العالم العربي، واليوم ولله الحمد تجد المرأة السعودية حاضرة بقوة في جميع المجالات التعليمية والأكاديمية والطبية والثقافية والاقتصادية والإعلامية، وغيرها من المجالات. وفي القطاع الحكومي يشكل عدد النساء العاملات نحو ربع مليون امرأة، أي حوالي نسبة خمسين في المائة من عدد الموظفين الرجال. وعلى الرغم من ذلك تظل طموحاتنا أكبر في تعزيز دور المرأة في المجتمع والاستمرار في ضمان حقوقها التي كفلها لها الإسلام، ومستمرون في جهودنا لدعم ذلك.

* بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) واجهت السعودية مواقف سلبية إلى عدائية نتيجة ربطها بالإرهاب، هل تغيرت الصورة لدى الغرب ولدى الولايات المتحدة بشكل خاص؟

- نحن في المملكة العربية السعودية نعتز بأن شرفنا الله عز وجل بخدمة الحرمين الشريفين والإسلام والمسلمين، والدين الإسلامي ليس دين تطرف ولا تزمت ولا إقصاء، ولكنه دين رحمة وسلام وبناء. ومن المؤسف وجود هذا المفهوم الجائر الذي يربط بين الإسلام والإرهاب، والذي امتد إلى التأثير على صورة المملكة في عدد من دوائر الإعلام الغربية. ونحن نعتقد أن من واجب وسائل الإعلام في مختلف دول العالم إبراز حقيقة أن الإرهاب لا هوية له ولا جنس، وأنه الخطر الداهم الذي يهدد كافة أفراد الأسرة الدولية من دون استثناء، وهذا يستوجب منا جميعاً الوقوف صفاً واحداً في مواجهة هذه الآفة الخطيرة واجتثاثها من جذورها. وأود أن أؤكد أن من اعتنق التطرف والعنف لا يمثل بأي حال من الأحوال الإسلام الذي يعتنقه حوالي مليار ونصف المليار إنسان حول العالم، كونه دين سلام ورحمة ومحبة ووئام يدعو إلى الخير وينبذ الشر.

لقد تأثرت العلاقات الدولية جميعها بسبب الإرهاب، ونحن جزء من هذا العالم، ولكن أصدقاءنا في الولايات المتحدة والغرب وبقية أنحاء العالم يقدرون لنا وقفتنا الحازمة ضد الإرهاب وعملنا الدؤوب على تجفيف منابعه المادية والفكرية.

* لا يعرف الكثير من الناس عن جهودكم لمحاربة الإرهاب داخل السعودية، وفي مقابلة في الأسبوع الماضي لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مع صحيفة «الواشنطن بوست» ذكر أن «القاعدة» هزمت في العراق والسعودية، هل أنتم متفائلون في هذا الخصوص؟

- لقد بذل رجال الأمن السعوديون في تكاتف تام مع الفعاليات الشعبية والإعلامية والفكرية دوراً كبيراً في المواجهة مع الإرهابيين أمنياً وفكرياً، ونعتقد أننا قد تجاوزنا تلك المرحلة بعون الله، ثم بتكاتف القيادة والشعب السعودي، ومع ذلك فنحن مستعدون دوماً لمواجهة أي طارئ.

ولقد دعت المملكة إلى عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب، واستضافته في مدينة الرياض ودعت إلى إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب. كما شملت الجهود السعودية في مكافحة الإرهاب إعادة تأهيل الشباب المغرر بهم، وقد أصبحت تجربة المملكة في المناصحة وإعادة التأهيل الفكري أنموذجاً تستفيد منه الدول الأخرى وهذا نجاح نوعي في مكافحة الإرهاب للمملكة العربية السعودية.

وإننا نأمل في أن تنقل وسائل الإعلام العالمية الحقائق التي تعكس جهود المملكة الكبيرة وما حققته من نجاح في مكافحة الإرهاب.

* كيف تقيمون العلاقة الشخصية لكم مع العاهل الإسباني؟

- تربطني بالملك خوان كارلوس علاقة متينة وطويلة هدفها السعي المشترك لخدمة بلدينا وشعبينا والحرص على الأمن والسلم العالميين. فالمملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومملكة إسبانيا بقيادة جلالة الملك خوان كارلوس أكدتا تلك الأسس التي تربطنا معاً وتدفعنا أيضاً إلى تنمية تلك العلاقة، التي لا تعود بالنفع على بلدينا فقط وإنما على السلم العالمي الذي نحن جزء منه ونعمل على حمايته. وأنا أعتز بالعلاقة المتميزة التي تربطني بجلالته وما يحمله من صفات إنسانية نبيلة.