العراق: برنامج لتجنيد النساء في صفوف الأمن لمواجهة خطر الانتحاريات

انضمام 500 امرأة لـ«الصحوة».. وعنصر في القوة: وقوفهن في نقاط التفتيش غير مسموح

مجندة تفتش امرأة قبيل السماح لها بالدخول الى مستشفى بمنطقة الاعظمية ببغداد (لوس انجليس تايمز)
TT

سيدتان لا تتشابهان مطلقا: ملاذ الدليمي، امرأة غير متزوجة في منتصف الثلاثينات من عمرها وترتدي تنورة إلى الركبتين، وترفض تغطية شعرها. ولقاء محمد، أرملة متقاعدة ترتدي حجابا أزرق اللون وثوبا فضفاضا.

ولكن عندما أعلن الجيش العراقي عن قبوله سيدات للعمل في برنامج الأمن خلال الخريف الماضي، تقدمت السيدتان. وتقول الدليمي التي تبلغ من العمر 42 عاما وهي قائدة قوات الأمن النسائية في بغداد: «إن النساء العراقيات يعملن مثل الرجال. إننا نرغب في استعادة المناطق السكنية الخاصة بنا».

وتعمل النساء في تفتيش الزائرات بحثا عن أسلحة أو متفجرات في المدارس والمستشفيات والبنوك والمكاتب الحكومية. ومن المقرر أن يواجه هذا البرنامج التهديدات التي تشكلها الفتيات الانتحاريات. وعلى الرغم من الاستجابة الحماسية من قبل السيدات لهذا البرنامج، إلا أنه يواجه معارضة من قبل قادة المجتمع الذين يعتقدون أن مقاومة الرجال عمل خاص بالرجال فقط . وإلى الوقت الحالي، التحقت نحو 500 سيدة بقوات الصحوة العراقية التي يبلغ عددها نحو 90.000 معظمهم من السنة، وقد ساعدت هذه القوات على طرد الجماعات المسلحة من بعض أكثر المناطق خطورة في العراق. وخلافا لزملائهن من الرجال، فإن قوة فتيات العراق الجديدة لا تحمل السلاح، وتعمل في مناطق معدودة من بغداد وجنوبها وفي محافظة الأنبار. ويتطلع القادة الأميركيون لتمديد العمل بهذا البرنامج، لكن مثل هذه الجهود قد تتطلب إجراء محادثات مع المجتمعات التي تعمل فيها النساء. وقد أوضحت الحكومة العراقية أنه ليس لديها نية لتجنيد الفتيات عندما تقوم القوات الأميركية بتسليم مسؤولية الأمن للقوات العراقية. ويرغب الكولونيل جيف برودواتر الذي يقود القوات الأميركية في الأعظمية، وهي منطقة سنية محاطة بالأسوار وتحيط بها مناطق شيعية، في إسناد العمل في نقاط التفتيش والأسواق إلى النساء، حيث تفضل الفتيات الانتحاريات استهداف هذه الأماكن. لكن قادة المناطق يقولون إن هذه الأماكن مكشوفة تماماً. ويقول رياض أبو محمد وهو نائب قائد في قوات الصحوة: «حسب ثقافتنا، فإننا لا نستطيع ترك النساء يعملن في نقاط التفتيش. فليس ذلك أمرا مقبولا لنا ولا لهن ولا لعائلاتهن».

وعلى الرغم من أن الدليمي تقول إن أخويها يشجعانها على الالتحاق بهذه القوات، فإن بعض أفراد الأسرة لا يخفون استياءهم من فكرة توظيف المرأة في هذه الأعمال. وقد واجه القادة الأميركيون عقبات مشابهة عندما طلبوا من وزير الداخلية توظيف المزيد من النساء في قوات الشرطة. ويعتقد المنتقدون أن زيادة التشدد الديني سببها التردد الحكومي في مجابهة تهديد التفجيرات الانتحارية التي تقوم بها بعض الفتيات. ويعتقد الجيش الأميركي أن الجماعات المسلحة تتجه إلى النساء لأنهن لا يثرن الشكوك ولا يمكن تفتيشهن في مجتمع مسلم. وقد كان الجنرال أوستين وهو قائد العمليات اليومية في العراق، دبلوماسيا في الإفصاح عن الحنق الذي يشعر به بعض الضباط . ويقول: «إنها مسألة ثقافة. وسوف يأخذ الأمر بعض الوقت. وهم بطيئون إلى حد ما في ترك النساء يعملن. وعلينا اجتياز بعض العقبات».

وقد كانت الأعظمية من أرقى ضواحي بغداد. ويسكنها غالبا ضباط الجيش العراقي المتقاعدون وغيرهم من المهنيين الذين كانوا يشكلون الطبقة الراقية في حزب البعث العراقي بقيادة صدام حسين. ودفن زوج «لقاء محمد» هناك في مقبرة بالاعظمية. وقد كان يعمل كسائق تاكسي قبل أن يختطف من قبل رجال مسلحين في إحدى المناطق الشيعية. وبعد خمس سنوات، ظهرت جثته وقد أطلقت رصاصة على رأسه. وقد تركت لقاء محمد مع خمسة أطفال تعولهم. وتقول إن «فرصة العمل في إحدى المستشفيات قد وفرت دخلا يساعد أسرتي وبلدي».

وقد قتل رجال آخرون في الأعظمية وهم يقاتلون القوات الأميركية، أو قتلتهم عناصر من «القاعدة» في العراق، والتي نشرت الخوف في المنطقة. ويقول المسؤولون إنهم لا يعرفون على وجه الدقة عدد الأرامل في المنطقة، واللاتي يشكلن عددا من قوات فتيات العراق. وقد تقدم عدد آخر من النساء للعمل في هذه القوات لأن أزواجهن قد تعرضوا للإصابة أو فقدوا وظائفهم أثناء القتال.

وقد اختطف زوج هناء من قبل الميليشات السنية والتي قامت بضربه ضربا مبرحا حتى إنه أصيب برعشة دائمة ولا يستطيع العمل. وقد قتلت الميليشيات الشيعية أخاها الذي تركها تعول أطفاله الخمسة، بالإضافة إلى أطفالها الثلاثة. وتقول: «لقد أنقذت هذه الوظيفة حياتي».

ويتم توظيف النساء بالطريقة نفسها التي يوظف بها الرجال. ويتم إدخال التفاصيل الخاصة بهن إلى نفس قاعدة البيانات. كما أن الراتب واحد، ويبلغ 300 دولار. وقد كانت أعظم لحظة لهؤلاء النساء في شهر مارس (آذار) الماضي عندما جاء آلاف الأشخاص من جميع مناطق بغداد، بمن فيهم رئيس الوزراء إلى الأعظمية للاحتفال بمولد النبي محمد. وقد ظهرت قوات فتيات العراق، وهي تسير بالقرب من مسجد أبي حنيفة وهو أشهر مسجد سني في المدينة. وتقول الدليمي: «يشعر العديد من النساء بالسعادة لوجود نساء أخريات يعملن على حمايتهن. لقد كن يحتضننا ويقبلننا ويعطوننا البيبسي».

وقد مر اليوم دون وقوع حوادث. لكن كان هذا اليوم هو اليوم الوحيد الذي تعمل فيه النساء خارج جدران المباني الرسمية. ويتضمن التدريب الذي تتلقاه النساء، الاعتياد على استخدام الأسلحة، حيث يتدربن على استخدام بندقية «ايه كاي 47» وكيفية فكها وتركيبها. لكن لا يسمح لهن بحمل الأسلحة أثناء العمل، وهو ما بدأ يثير غضبهن. وتقول السيدة علام وهي إحدى السيدات اللاتي يرتدين الحجاب: «إن القاعدة مازالت هنا ونحن نحتاج إلى السلاح لحماية أنفسنا، وحماية الأعظمية». ويعمل زوج علام في معمل طبي ولكن بعد تلقيه تهديدات من رجال الشيعة المسلحين، ترك عمله. ويوفر العمل الذي تقوم به علام في تفتيش زائرات إحدى المدارس، دفع إيجار المسكن الذي تعيش فيه مع أسرتها، كما يوفر إعالة طفليها. لكنها لا تدري إلى متى ستستمر في عملها. ويتوقع القادة الأميركيون استمرار البرنامج لمدة عام أو عامين. وربما يكون في ذلك سلوى لقوات فتيات العراق. وتقول علام: «إننا نساعد عائلاتنا ومجتمعنا والقوات الأميركية. ولذلك، فإننا نرغب من حكومتنا منحنا وظائف حقيقية».

* خاص بـ «الشرق الاوسط» ـ خدمة لوس أنجليس تايمز