جلستا عمل تناقشان التأصيل الإسلامي للحوار ومحدداته

أوراق العمل تركز على تعريف ماهية الحوار ومقاصده وإشكالياته

خادم الحرمين الشريفين لدى استقباله العلماء المشاركين في الحوار (أ.ف.ب)
TT

عقد المؤتمر الإسلامي العالمي جلسة عمله الأولى مساء أمس، برئاسة الدكتور صالح بن حميد رئيس مجلس الشورى السعودي، والتي خصصت لمناقشة المحور الأول للمؤتمر «التأصيل الإسلامي للحوار».

تحدث في الجلسة الدكتور سعد الشهراني المدير التنفيذي للملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين عن «الحوار في القرآن والسنة.. الأسس والمنطلقات»، وأكد فيها أن المحاور المسلم لا ينطلق في حواراته من فراغ بل له أهداف سامية معلومة، إذ أن أهداف الحوار هي ثمرته وغايته المطلوبة وبتحديد هذه الأهداف تتضح موضوعاته وأساليبه وعليه فإن الحكم على الحوار حرمة وجوازاً وتقويماً نجاحاً وفشلاً قوةً وضعفاً إنما يكون بمعرفة أهدافه، فالقاعدة الشرعية تنص على أن الأمور بمقاصدها وبدون تحديد هذه الأهداف يبقى الحوار ضياعاً للوقت وهدراً للطاقات وإشغالاً للأمة بما لا يرتجى منه فائدة.

كما تحدث مسؤول الشؤون الدينية بالمؤتمر الشعبي اللبناني الدكتور أسعد محمود السحمراني عن «تجارب من الحوار الحضاري عبر التاريخ» مشيرا إلى انه حصلت قفزات سريعة في عالم الاتصال بفعل التقدم التقني وقد فرض ذلك قدراً من الانفتاح والتواصل بين الأمم والمجتمعات لم تعهده البشرية من قبل، كما أن تطور وسائل الاتصال فرض تحديات فكرية وقيمية تحتاج لأنماط من الاستجابات مما يثمر مسارات حضارية غير مسبوقة وقد برزت عناوين لم تكن معهودة مثل صدام الحضارات والفوضى ونهاية التاريخ. فيما تحدث رئيس الجامعة الخالصية بالعراق الدكتور جواد محمد مهدي الخالصي عن «تجارب من الحوار الحضاري عبر التاريخ»، وقال «لقد بنيت كل الدعوات البشرية عبر التاريخ على بدايات حوارية قام بها أصحاب تلك الدعوات أو الذين اقتنعوا بها لإقناع أكبر عدد من الناس بصوابية الأفكار والمناهج العملية التي تؤسس عليها، ورسالات السماء التي حملها الأنبياء العظام بنيت على أسلوب الدعوة ومحاولات إقناع أوسع وبتحمل وصبر طويلين ويتناسب كل ذلك والقناعة العميقة التي حملها الأنبياء الكرام عن تلك الدعوة وقدسية الواجب الملقى عليهم».

وبين أن القران الكريم تضمن إشارات واسعة لهذه الحوارات بل تعددت الإشارة إلى الحوار الواحد أحياناً إذ تم ذكره بأساليب متعددة أو من خلال مواقع مختلفة يمكن النظر منها إلى تلك الحوارات للحصول على أكبر قدر ممكن من التأثير الايجابي الذي ينفع الإنسان ويسهل له طريق الوصول إلى الحق.

وأكد أن تجارب الحوار الحضاري قد بنيت في ضوء الممارسة الإيمانية التي واكبت حركة الرسالات الإلهية كما بنى العقلاء من الناس ومن أتباع الرسل والأنبياء ومن غيرهم طريق الدعوة على هذا المنهاج وأدى هذا إلى قيام تجارب حوارية كثيرة في عصور التاريخ.

كما عقد المؤتمر جلسته الثانية برئاسة رئيس البرلمان في اندونيسيا الدكتور نور محمد هدايت وحيد، وتم تخصيصها لمناقشة موضوع «محددات الحوار ومصطلحاته الشرعية، حيث تحدث فيها كل من الأمين العام للمركز العالمي للوسطية في الكويت الدكتور عصام أحمد البشير، والمشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم الدكتور سلمان بن فهد العودة، وسيواصل المؤتمر اليوم عقد جلساته لمناقشة بقية محاوره.

الى ذلك تفاوتت أوراق العمل التي ناقشها وسيناقشها حوار مكة العالمي، بين المفهوم الأسري، والجوانب الفقهية، والعلاقات بين الشعوب والأمم، كما تراوحت الأوراق التي قدمها نخبة من العلماء والأكادميين في تعريف الحوار مع الآخر والتعايش معه، وجواز الحوار، ومقاصده وضوابطه الشرعية، ومستقبله في ظل الإساءات التي يواجهها الإسلام، وإشكالياته ومحظوراته، مع عدم إغفال إضاءات على الجوانب الإنسانية المترتبة على الحوار.

وتحمل ورقة الشيخ علي أوزاك رئيس وقف دراسات العلوم الإنسانية في تركيا. عنوان «الأسرة والأخلاق في المشترك الإنساني» حيث بين الأسرة الإنسانية تحقق وظائف بيولوجية ونفسية واجتماعية وتنشئ الأجيال، وتخلق محضناً للحب والرعاية والحماية المادية والمعنوية. أما الدكتور أسعد السحمراني مسؤول الشؤون الدينية بالمؤتمر الشعبي اللبناني، فكانت ورقته تحمل عنوان «الحوار في القرآن والسنة.. الأسس والمنطلقات»، حيث تساءل فيها: لماذا الحوار؟ وقال «لقد تولدت إشكاليات من الواقع المحيط بالعلاقات بين الأمم والشعوب، وحدث انفلات في توزيع تهم مثل الإرهاب والأصولية ومعاداة حقوق الإنسان. وتسابق بعض المسلمين إلى الدفاع عن أنفسهم إظهاراً لحسن النية أو تقديم صورتهم أمام الآخر على أنهم دعاة حوار. وأمام هذا الواقع، كان لا بد من تأصيل الحوار إسلامياً على أساس القرآن الكريم والسنة النبوية». من جانبه بين الدكتور سعد بن علي الشهراني المدير التنفيذي للملتقى العالمي للعلماء والمفكرين الإسلاميين، أن الحكم على الحوار حرمة وجوازاً وقوة وضعفاً، إنما يكون بمعرفة أهدافه، مشيرا إلى أن القاعدة الشرعية تنص على أن الأمور بمقاصدها.

فيما حملت ورقة الدكتور هشام بن سعيد أزهر عنوان «استثمار مقاصد الشريعة في الحوار مع الآخر، والتي لمح فيها إلى أن علم مقاصد الشريعة يزخر بكثير من القواعد التي من شأنها أن تضبط عملية الحوار وتوجهها وجهة صائبة، واكد أن المقصد الرئيس من الحوار مع الآخر، هو «حفظ الدين الذي يعد أهم المقاصد الضرورية، التي جاءت الشريعة من أجل المحافظة عليها». وتناولت ورقة الشيخ فوزي الزفزاف وكيل جامعة الأزهر سابقا، والتي جاء عنوانها «مستقبل الحوار في ظل الإساءات»، جملة من المحاور، وتساءل بقوله «من كان يظن في الحرب العالمية الثانية أن الدول الأوروبية المتحاربة ستنضم إلى وحدة تجمعها فتتخلى كل دولة عن عملتها النقدية وحدودها السياسية؟»، مبينا أن ذلك تم وتحقق عن طريق الحوار.

بيد أنه أشار إلى حصول فتور في الحوار بين أتباع الأديان منذ وصول البابا الجديد بنديكيت السادس عشر، الذي أثار أزمات منذ توليه البابوية أشهرها محاضرته في ألمانيا، وقال «كان لتولي هذا البابا المحافظ تراجع في مجمع الفاتيكان الثاني، وفي مجلس الحوار التابع للفاتيكان، والمتابع لزيارة البابا الأخيرة إلى أميركا، يستطيع أن يفهم سياسة الفاتيكان في العهد الجديد، ومن ثم نستطيع أن نحدد سياستنا وخططنا للحوار مع»، واضاف «وإذا كان هذا الحوار قد تعرض لفتور، فليس معنى ذلك أن نتوقف عنه، وأن نغلق ملفه ـ فالحوار مع الكنيسة الانجليكانية يسير حسناً في تفاهم إيجابي».

أما بحث الشيخ محمد علي التسخيري الأمين العام لمجمع التقريب بين المذاهب في إيران، فقد حمل عنوان «القيم الإنسانية المشتركة»، حيث أكد أن تحضر أي مجتمع يقاس بمدى علو القيم المطلقة التي يؤمن بها، فإذا فقد المجتمع هذا الإيمان فهو يفقد صفته الإنسانية، وكيفما عرفنا الحضارة، فإن الصفة الإنسانية من أبرز مقوماتها، بمعنى امتلاك الاتجاه العام لخدمة الإنسان وتطويره. وبين الشيخ التسخيري، أن كل الحضارات إنما جاءت لتثير في وجدان الإنسان دفائن العقول وتهديه إلى السبيل القويم الذي يختلف عن سبيل الحيوانات العجماء، وأكد في ورقته إلى أن قيام المؤسسات في العالم الإسلامي مثل رابطة العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي ونجاح الثورة في إيران وتنامي الشكوك تجاه النوايا الغربية، كل ذلك وما نتج عنه في التطور السياسي العام أنتج قناعة لدى المسلمين بعودة انقسام العالم من جديد إلى طرف يتعامل فقط بقانون الغاب، مشيرا إلى أن كل طرف آخر يحاول أن يتعامل معه وفق المبادئ الإنسانية، وسعي العالم الغربي إلى تهميش العنصر الإسلامي والمظاهر الإسلامية.