المواجهة الكبرى بين أوباما وماكين

TT

في كثير من الولايات التي انتصر فيها الرئيس بوش في انتخابات عام 2004، أضاف أوباما الآلاف إلى صفوف الديمقراطيين، مجتذبا أعدادا غير مسبوقة من الشباب الأميركان من أصول أفريقية إلى صناديق الاقتراع.

ولكن هل يساعد هذا الحماس، الذي حقق له النجاح يوم الثلاثاء في سباق ترشيح الحزب الديمقراطي، في الحصول على عدد كاف من الولايات ليفوز أوباما بالرئاسة؟

يدور هذا السؤال في أذهان المخططين الاستراتيجيين لعودة الحزب الديمقراطي إلى البيت الأبيض. في الاستطلاعات الوطنية، يتساوى أوباما مع المرشح الجمهوري جون ماكين، ولكنه لن يستطيع الفوز بالـ270 صوتا انتخابيا الذي يحتاج إليها، إلا إذا حصل على الولايات التي فاز فيها بوش. أما ماكين، فعليه أن يفوز بجميع الولايات التي فاز فيها بوش، أو الفوز في ولايات أخرى ليعوض أية خسائر.

ويقول تشارلز بلاك، كبير مستشاري ماكين: «ستكون الولايات المتأرجحة البالغ عددها من 12 إلى 15 ولاية والتي كانت قريبة عام 2004 أهم أولويات الجميع».

وقد ذهب كل من أوباما وماكين إلى تلك الولايات، مع التركيز على ولاية فلوريدا. وعندما حصل أوباما على أصوات الوفود الانتخابية في ساوث داكوتا ومونتانا ليفوز بترشيح الحزب يوم الثلاثاء، لم يقم احتفالا في أي من الولايتين، ولكنه فعل في مينيسوتا، وهي ولاية مهمة للديمقراطيين.

ويحظى أوباما في ترشحه بمناخ يفضل الديمقراطيين. ويقول مستشاروه إنه يستطيع أن يوسع من خريطة الولايات الديمقراطية لتشمل كولورادو وفرجينيا، وهما ولايتان كانتا تابعتين لبوش، ولكن الآن تؤيدان حزبه؛ بل ويمكن أيضا أن يضم أحد معاقل الحزب الجمهوري مثل ولاية جورجيا.

ويقول الخبراء الاستراتيجيون والمحللون المستقلون، إنه من الصعب فهم إعادة تشكيل الخريطة الانتخابية الأميركية ككل.

ولكن بدلا من ذلك، ربما يكافح السيناتور عن ولاية إيلينوي بشدة أمام ماكين في الولايات الواقعة حول البحيرات العظمى وفي الجنوب الغربي ـ وهي تلك الولايات التي كان فيها الفارق ضئيلا بين بوش ومنافسه الديمقراطي عام 2004، سيناتور ماساتشوستس جون كيري.

ويحظى ماكين بفرصة معقولة في الفوز بحوالي نصف الولايات التي حصل عليها كيري. فقد جعلت شعبية سيناتور ولاية أريزونا بين المستقلين ولايات مثل ويسكونسن ونيوهامبشاير سهلة الفوز.

وقد أصبحت ولايتان أخريان ـ بنسلفانيا وميتشغان ـ اللتان كانتا ديمقراطيتين في الانتخابات الأخيرة، من أولويات ماكين، وذلك بفضل مشكلة أوباما مع الناخبين ذوي البشرة البيضاء من الطبقة العاملة.

ولكن يقول مستطلعو الآراء، إن موقف ماكين تضخم بفعل سباق الترشيح الديمقراطي الطويل. ويضيفون أنه بعد أن تهدأ هجمات هيلاري رودهام كلينتون على أوباما، فإنه من المحتمل أن تنخفض استطلاعات الرأي المؤيدة لماكين.

وصرح فرانك نيوبورت رئيس تحرير «جول أب بول»: «سيكون أمامه تحد في هزيمة الحزب الديمقراطي الصلب، وسيكون ذلك امرا صعبا».

وقد وضع القائمون على حملة ماكين سيناريوهات متفائلة ليوم الانتخابات، مصرحين بأنه يمكنهم الفوز بالولايات التي تميل للحزب الديمقراطي مثل نيوجيرسي وواشنطن.

ولكن بمجرد أن يتحد الديمقراطيون، فقد يجبر وضع الحزب الجمهوري ماكين على تكريس جهد أكبر للدفاع عن الولايات التي فاز بها بوش. إن الركود الاقتصادي، والحرب في العراق، وعدم شعبية بوش من أهم المعوقات المحتملة أمام ترشيح ماكين للرئاسة، حتى على الرغم من أن مهاجمته لتقاليد الحزب أبعدته قليلا عن وضع الحزب المحاصر.

ويقول روي تيكشيرا، وهو مؤلف مشارك في كتاب (الأغلبية الديمقراطية الناشئة): «إن فكرة أن يلعب ماكين على الفوز بولاية بنسلفانيا أقل احتمالا للنجاح من تخطيط الديمقراطيين للفوز بميسوري وأوهايو».

وقد وضع فريق أوباما أفضل سيناريوهاته. فيقول مستشار أوباما الاستراتيجي دافيد أكسيلرود: «نشعر بأننا نستطيع أن نعمل على توسيع ميدان المعركة».

وقد صرح ستيف هايلدبراند مساعد مدير حملة أوباما بأنه يوجد في جورجيا وفرجينيا حوالي 700,000 أميركي من أصل إفريقي يحق لهم التصويت، ولكنهم غير مسجلين؛ وأوباما معه المال والمتطوعون لتسجيلهم.

ولكن بعيدا عن فرجينيا، حيث ساعدت ضواحي واشنطن المتزايدة على تحقيق الانتصارات الديمقراطية الأخيرة، يبدو الوضع في الجنوب قاتما أمام أوباما، وفقا لمستطلعي الآراء.

وقد ظهرت بارقة أمل جديد لأوباما، بعد انتصاراته الأخيرة في سباق الكونغرس في كل من الميسيسبي ولويزيانا، ولكن يقول مستطلعو الآراء إن الناخبين أصحاب البشرة السمراء الذين حققوا له الفوز في الانتخابات التمهيدية في الجنوب قد لا يكون عددهم كافيا للتغلب على الشعبية الجمهورية القوية هناك.

ويقول مستطلع الرأي الديمقراطي مارك ميلمان: «في الحقيقة لا يوجد علاقة.. بين الأداء في الانتخابات التمهيدية في إحدى الولايات، والأداء العام في تلك الولاية».

وفي الجنوب الغربي، يحكم ماكين قبضته على أريزونا، ولايته الأصلية. ولكن في كولورادو ونيفادا ونيوميكسيكو، أدى النمو السكاني السريع وزيادة أعداد اللاتينيين إلى وضع أفضل للديمقراطيين.

وكان بوش، الذي حصل على 45 في المائة من أصوات أصحاب الأصول اللاتينية، قد فاز بهذه الولايات الثلاث. ويأمل ماكين في أن يساعده دعمه لتحسين الوضع القانوني لكثير من المهاجرين غير المسجلين، والثمن السياسي الذي دفعه من أجل ذلك في الحزب، على كسب أصوات اللاتينيين. ومما يساعد ماكين أيضا أن أصحاب الأصول اللاتينية أيدوا هيلاري كلينتون ضد أوباما في المنافسة الديمقراطية، وكان آخرها يوم الأحد في انتخابات بورتو ريكو التمهيدية.

وبالنسبة لأوباما، ربما يكمن أكبر تحد في ثلاث ولايات صناعية كبرى بها مجموعة ثمينة من الأصوات الانتخابية وهي أوهايو وبنسلفانيا وميتشغان.

ففي الانتخابات التمهيدية التي أجريت في أوهايو وبنسلفانيا، حصل أوباما على القليل من أصوات الناخبين العمال ذوي البشرة البيضاء ـ وهم كتلة مهمة في ولايات الحزام الصناعي. ويرجح التاريخ أنهم سيصوتون من أجل ماكين. ففي عام 2004، صوت الناخبون البيض الذين لم يحصلوا على تعليم جامعي لصالح بوش ليتفوق على كيري بنسبة 23 في المائة. ولا يمكن لأوباما أن يخسر هذه الأصوات بهذا الفارق الكبير.

إن تأييد ماكين للتجارة الحرة، وبخاصة اتفاقية التجارة الحرة في أميركا الشمالية، قد تعوق جهوده في هذا الإقليم الذي يعاني اقتصاديا. ولكن يقول ويليام فريي، وهو عضو في معهد بروكينجز: «سيكون هناك شيء من القبول لهذا المحارب القديم الذي يقول رأيه بصراحة». ويصف فريي أوباما بأنه «شخص يصعب على الكثير من كبار السن، ومتوسطي الأعمار أن يتفاهموا معه».

ولكونه أول مرشح حزبي للرئاسة من ذوي البشرة السمراء، سيواجه أوباما أيضا عاملا عنصريا. ويقول فريي: «لن أقول إن الأمر سيكون بعيدا عن العنصرية، ولكن الفكرة هي تغيير الشكل النمطي للمرشح الذي اعتاد عليه الناس».

وفي الوقت نفسه، يمكن أن تعوض زيادة أعداد أصحاب البشرة السمراء في كليفلاند وسيسيناتي وفيلادلفيا وديترويت والمدن الأخرى أي نقص في الأصوات الممنوحة لأوباما من الطبقة العاملة من أصحاب البشرة البيضاء. وفي الوسط الغربي والأنحاء الأخرى، يواجه كل من أوباما وماكين منافسة قوية من أجل المستقلين، وبالتحديد في مينيسوتا وويسكونسن، وهما الولايتان اللتان فاز فيهما كيري بفارق ضئيل.

ويقول الخبير الاستراتيجي الديمقراطي بيل كاريك: «إن حقيقة أن كلا المرشحين لا يبدوان متشددين في حزبيهما يمنحهما فرصة الوصول إلى الناخبين، الذين لم يستطع المرشحون السابقون الوصول إليهم».

وقد أصبحت إحدى الولايات التي فاز فيها بوش عام 2004 مجهزة من أجل أوباما وهي أيوا. وكان أوباما قد أقام مؤسسة قوية هناك مما حقق له الفوز في مؤتمر الحزب الديمقراطي في شهر يناير (كانون الثاني). ولكن قد تكون فلوريدا، الولاية المتأرجحة كثيرة السكان وموقع حادثة فرز الأصوات في انتخابات عام 2000، صعبة الفوز أمام أوباما. وقد فضّل كبار السن من الناخبين ـ وأعدادهم كبيرة هناك ـ كلينتون على أوباما. وقد جاهد أوباما من أجل الحصول على ثقة الناخبين اليهود، وهم مجموعة أصوات حاسمة في جنوب فلوريدا. وقد أدى ذلك إلى اشتعال المنافسة بين أوباما وماكين، حول من هو البطل الأقوى الذي سيحفظ لإسرائيل أمنها.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»