مداخلة لمفتي القدس تشعل جلسات مؤتمر الحوار العالمي في يومه الثاني

فريق اعتبر أن بعضا يدعو «للاستسلام».. وآخرون طالبوا بتعاون مشترك مع أصحاب الديانات الأخرى

جانب من جلسات الحوار الإسلامي العالمي الذي تشهده مكة المكرمة هذه الأيام (واس)
TT

جاءت جلسات البارحة، اليوم الثاني للمؤتمر الإسلامي العالمي للحوار عاصفة من حيث النقاشات ومطالب أكثر من 500 شخصية فقهية وقيادية إسلامية، بعد أن تباينت آراء المشاركين ببعض أوراق العمل من أنه دعوة للاستسلام، وفريق آخر يوضح أن الحوار هنا حوار للتقارب وليس لإقامة الحجج، إضافة إلى ان قضية تحديد شروط الحوار التي جاءت بعد مداخلة الشيخ عكرمة صبري مفتي القدس في فلسطين، أحدثت ردود أفعال مختلفة وبخاصة في الجلسة الأولى، التي شهدت حالة من الجدل بين المتناقشين بعد أن اعتبر البعض طريقة الحوار التي استعرضت في أوراق العمل دعوة للهزيمة والاستسلام، بينما الفريق الآخر يؤكد أنهم دعاة لحوار من دون إقامة الحجج كونهم يبحثون عن إيجاد التعاون المشترك مع باقي أصحاب الديانات والمعتقدات الأخرى.

وكان المشاركون قد استأنفوا اجتماعاتهم، صباح البارحة، بنقاش المحور الثالث من محاور المؤتمر الإسلامي للحوار المبرمجة، تحت عنوان «منهج الحوار وضوابطه»، برئاسة الشيخ محمد علي تسخيري الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران، والتي كانت بحق جلسة «نارية» في مداخلاتها، وبحضور الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، والدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام للرابطة.

وفي بداية الجلسة، قال رئيسها الشيخ محمد علي تسخيري إن «علينا أن نكشف عن جوانب الحوار المنطقي السليم في القرآن الكريم، من خلال مقدمات الحوار وآلياته وضوابطه وآدابه، والعقبات التي تعترض سلامة الحوار».

ورأى الشيخ تسخيري أن روح الحوار سائدة بين المسلمين في عالم هذا اليوم، مبينا أن الخلاف يتركز في زوايا النظر والآفاق التي يؤمن المشاركون كونهم يأتون من ثقافات مختلفة بعضها داخل بلدان العالم الإسلامي والأخرى تعيش مع الآخر المستهدف من قبل المسلمين في الحوار.

وانطلقت النقاشات باستعراض الدكتور أحمد محمد هليل قاضي القضاة وإمام الحضرة الهاشمية في الأردن، لبحثه في قضية آليات الحوار، بما تحتويه من ضوابط تقوم على أصول رسخت عبر كتب السلف من الفقهاء.

وحدد الدكتور هليل خلال بحثه أحد عشر ضابطاً للحوار هي: الإنصات والاستماع وتجريد الأفكار وترك المراء وتفاخر لا تنافر والصدق والوضوح والعلم والعدل والتحاور العلمي والحجة الراسية ونبل وغايات الحوار وخلاف بلا اختلاف، إضافة إلى وجوب توفر المناخ الصحيح للحوار.

تلاه الدكتور ماجد الماجد عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، الذي عرض بحثاً بعنوان «الحوار بين أتباع الأديان ضوابطه وآدابه»، مستعرضا خلاله الضوابط الشرعية للحوار وأهمية التمسك بالثوابت الشرعية، وكذلك بيان المُراد أو الهدف من وراء حوار الأديان.

وشدد الماجد، الذي أحدثت كلمته موجة من ردود الفعل المتفاوتة، على أن لا وحدة في الأديان مهما تم الحوار بين أتباعها، وأضاف «اعتماد البرهان والدليل في الحوار، والبعد عن التسرع في إصدار الأحكام وحسن الاستعداد والبلاغة والإيجاز والقبول بسنة الاختلاف، وتجنب الهوى ونبذ التعصب وترك المراء واللجاجة».

وفي ورقة العمل الثالثة تحت عنوان «إشكاليات الحوار ومحظوراته» للشيخ منقذ السقار، وهو باحث في إدارة الدراسات والمؤتمرات في رابطة العالم الإسلامي، دار الحديث عن حاجة اليوم إلى ثقافة الحوار في عالم أصبح قرية صغيرة تتلاقح فيها الثقافات تزداد يوماً بعد يوم. مشيراً إلى ضرورة تأصيل آدابه وتحديد محظوراته ومشكلاته التي تجاوزت الطرح النظري.

وقال الشيخ السقار، والذي له باع طويل في النقاش مع أتباع الأديان الأخرى، إن الحوار مع الآخرين لا يمكن التنكب ولا الإعراض عنه، معتبرا إياه بالأمر الواجب دينيا كونه يدخل ضمن أبواب الدعوة والتعريف بالإسلام.

وأضاف السقار «أن مصالحنا في الحوار مع الآخرين والتنسيق معهم تزداد بقدر ما تعانيه البشرية في القرن الحادي والعشرين من تحديات تتهدد الجنس البشري بأممه المختلفة، وتستهدف استقراره على هذا الكوكب».

وأكد السقار أن الإشكالات التي تقف في طريق الحوار «لا تعني بحال من الأحوال الامتناع عن الحوار الذي يمليه فقه السياسة الشرعية والذي بني في كثير من أحكامه على رعاية مصالح الأمة».

وعند نهاية أوراق عمل للجلسة الثالثة، تفجرت موجات من التعليقات والأسئلة والمداخلات من الحضور في نقطة واحدة، وهي كما جاءت على لسان الدكتور عبد الله الأشعل «إن استعداد المسلمين للحوار يعد بمثابة إعلان للعالم بأننا نسعى لتسوية مشاكلنا بالطرق السلمية».

وبعد مداخلة الأشعل تحركت بوصلة الحوار من الأسفل للأعلى في حرارة النقاش، بعد أن قال الشيخ عكرمة صبري مفتي القدس في فلسطين إن الحوار مع الآخر لا بد أن يكون بعيدا عن الأمور العقدية، لأنه لا طائل من مناقشتهم إياها، محددا آلية الحوار في القضايا الأخلاقية والإنسانية فقط.. ما دفع رئيس الجلسة تسخيري إلى الرد على عكرمة بالقول «لا أعتقد أن أي مسيحي يؤمن بأن الإنجيل منزل من الله»، قاصدا منها أنه لا شروط محددة في الحوار.

كما عقب على مداخلة الشيخ عكرمة، الشيخ محمد سيد الطنطاوي شيخ الأزهر قائلاً «الخلاف في العقائد لا يمنع من الحوار والتعاون وتبادل المنافع طالما لا يخالف أحكام الإسلام».

ودخل الشيخ عبد الله المطلق عضو هيئة كبار العلماء في السعودية على خط النقاش، الذي طالب بالتركيز على الحوار الذي يخدم الدعوة إلى الله لأنها مهمة أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مبينا أنها ـ أي الدعوة عبر الحوار ـ تقرب إلى الله.

وأضاف المطلق «كما أن التصدي للحوار مهمة صعبة تشبه المبارزة التي لا يعرفها إلا من يتقنها، وإلا أساء المحاور إلى غايته».

وتلا مداخلة المطلق عدد من المداخلات، حتى أعلن رئيس الجلسة تسخيري انتهاء نقاشات المحور الثالث، ورفع الجلسة.