المعارضة تحضر لخطة لوضع اليد على أمن لبنان على طريقة «استسلم تسلم»

الأكثرية قلقة من «المطالب الأمنية» للمعارضة في الحكومة.. و«ما بعد بعد الحكومة»

TT

لا تقرأ قيادات الاكثرية البرلمانية في لبنان التطورات التي حصلت بعد بدء تطبيق اتفاق الدوحة ـ وخطوته الأولى والوحيدة حتى الآن هي انتخاب الرئيس ميشال سليمان ـ إلا بكثير من الريبة والحذر. فالمعطيات التي توافرت لدى قادة الاكثرية من خلال الاتصالات التي اجريت لتقاسم الحقائب الوزارية، لم تكن تبشر بالخير على الاطلاق. فقد لاحظ هؤلاء وجود «اصرار» لدى المعارضة على الاشراف على الملف الامني بطريقة أو بأخرى، سواء بالمطالبة بوزارات ذات حساسية أمنية بالغة كالدفاع والاتصالات المرتبطة بملفي شبكة الاتصالات التي يقيمها حزب الله والتنصت على الهاتف، أو عبر السعي الى استبعاد آخرين عن مناصب أمنية، كما هي الحال في الـ«فيتو» الذي يضعه حزب الله على تولي الوزير الياس المر حقيبة الدفاع، بالاضافة الى مطالب اخرى تتعلق بما «بعد بعد الحكومة»، تماهيا مع كلمة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال الحرب الاخيرة وتهديده بضرب «ما بعد بعد حيفا».

أفادت مصادر لبنانية مطلعة بأن قوى الثامن من آذار تحضر لخطة أمنية سياسية هدفها إعادة لبنان الى المعادلات التي كان عليها في العام 2000 بحيث يُسحب الملف الأمني نهائيا من الأكثرية النيابية الحالية كما من رئاسة الجمهورية، كما تخضع بيروت والمناطق اللبنانية لاعتداءات أمنية متكررة تضطر أخيرا قوى الاكثرية الى ان «تستسلم لتسلم».

وقالت المصادر إن قوى الثامن من آذار ستبقي استفزازاتها الأمنية والسياسية وتحول دون تشكيل الحكومة الجديدة، حتى اللحظة التي يضطر فيها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ومعه الأكثرية النيابية الى التسليم بالشروط الهادفة الى إحداث انقلاب سياسي كامل في البلاد.

وعن مقوّمات هذه الخطة، تتحدث المصادر عن تواتر الاعتداءات الامنية كي تستشعر الأكثرية أنها غير قادرة على توفير الأمان لنفسها ولجماهيرها إلا بتسليم الأمن كاملا الى قوى الثامن من آذار، على اعتبار أن الوضع الحالي يُظهر لها بوضوح انه على الرغم من وجودها الطاغي في وزارتي الداخلية والدفاع وفي ظل حضورها في  قوى الأمن الداخلي وشعبة الأمن والمعلومات وقائد للجيش بالوكالة، فانها تقف عاجزة عن حماية نفسها ومواطنيها، وبالتالي فعليها ان «تستسلم لتسلم».

وعلى هذا الأساس، تضع الخطة في حسبانها فرض مفهوم الحيادية على رئيس الجمهورية بحيث يضطر ان يختار لوزارتي الداخلية والدفاع موظفين لا لون لهم ولا رائحة ولا سابق تجربة، الأمر الذي يُدخل قوى الأكثرية ورئيس الجمهورية في مفاوضات مسبقة لإنجاز التعيينات في المراكز الأمنية وإلغاء بعض المراكز.

وفي هذا السياق يتم الآتي:إلغاء شعبة الأمن والمعلومات في قوى الأمن الداخلي, وتعيين قائد للجيش يختاره العماد ميشال عون. وإعادة المديرية العامة للأمن العام الى الطائفة المارونية وتعيين ضابط كبير مضمون كليا بفعل التجربة من جانب «حزب الله». وتعيين مدير للمخابرات بالتنسيق بين عون و«حزب الله». ووفق المعلومات، فقد تمّت تسمية الأشخاص الذين تريدهم قوى الثامن من آذار لهذه المناصب.

اما على المستوى السياسي، فان قوى الثامن من آذار تثابر على مقارباتها الإيجابية إعلاميا لضرورة إنجاز الملف الحكومي، ولكنها تبقى تبتدع العراقيل، تارة بافتعال مشكلة بين مكوناتها كتلك التي يثيرها العماد عون في وجه الرئيس نبيه بري بخصوص وزارة الصحة، وتارة باتخاذ مواقف سلبية تجاه بعض الشخصيات المرشحة للتوزير، بحيث تضطر الأكثرية بضغط من الرئيس سليمان «الخائف على انطلاقة عهده» الى الجلوس الى  طاولة المقايضة.

وإلى هذه الطاولة تتم الصفقة المرجوة بحيث يكون الأمن كليا بيد قوى الثامن من آذار ويكون الاقتصاد بيد رئيس الجهورية وقوى الأكثرية وتكون الحقيبتان الأمنيتان بيد موظفين.

وفي اعتقاد واضعي هذه الخطة أن لبنان يعود عمليا بذلك الى الوضعية التي كانت عليها البلاد بعد انتخابات عام 2000، تمهيدا لإنجاز الانقلاب الكبير في الانتخابات النيابية الممسوكة في ربيع عام 2009.

يقول أحد الوزراء البارزين في الحكومة اللبنانية إن لدى الأكثرية شعورا متزايدا بسعي المعارضة الى السيطرة على الملف الامني و«الاستيلاء» على الحقائب الاساسية، راسما خطوطا حمراء أمام المعارضة تتمثل في عدم قبول الاكثرية، في أي حال من الاحوال، باعطاء المعارضة وزارات الدفاع والداخلية والاتصالات والعدل. ورأى ان المعارضة تسعى من خلال وزارة الدفاع الى «وضع رقابة على ملف التعيينات والتشكيلات العسكرية والأمنية»، شاكيا من ان «حزب الله يريد ان يسيطر على وزارة الدفاع عبر العماد ميشال عون، بينما هو يمتلك جيشا اكبر من الجيش. ويريد ان يحظى بوزارة الاتصالات بينما يقيم شبكته الخاصة».

ويقول نائب ناشط في صفوف الاكثرية ان حزب الله لن يخرج من شوارع بيروت من دون ثمن، معتبرا ان الحزب فك اعتصامه من وسط بيروت لينقله الى اعتصام أوسع وأكبر يشمل كل بيروت. وتحدث عن «سيناريوهات رعب وأجواء خوف يريد الحزب ان يفرضها على اهل بيروت قبل الشروع في اي عمل آخر»، مشيرا الى ان استمرار الوضع الراهن سيؤدي في وقت لاحق الى منع الاهالي من تعليق صورة ما خلال الانتخابات النيابية.

ويعتبر النائب نفسه ان كلام نصر الله في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي «معناه انه يريد ان يعرف من سيكون قائد الجيش ومن هم قادة الوحدات العسكرية واستخبارات الجيش وجهاز المعلومات في قوى الامن الداخلي، وأن يكون له رأيه في كل واحد منهم».

ماذا ستفعل الأكثرية؟

يقول الوزير البارز انها «متمسكة» بمواقفها. ولن تعطيهم أمن البلاد على طبق من فضة. ولو كان الثمن عدم تأليف حكومة جديدة. ويضيف «الحمد لله إننا حصلنا على رئيس للجمهورية على الاقل من هذا الاتفاق».