أبناء الطريق الجديدة يروون التعديات والاستفزازات اليومية من أنصار المعارضة

الأمن في بيروت: نار حامية تحت رماد الاحتقان المذهبي

TT

هم أنفسهم أبناء بيروت الذين أبدوا تفاؤلهم بحذر يوم اعلان اتفاق الدوحة، يعلنون اليوم خيبتهم مما يحصل في منطقتهم من تعديات واعتداءات مسلّحة. لم ينعم أبناء هذه العاصمة بشكل عام والطريق الجديدة بشكل خاص بمصالحة الدوحة. الوضع الأمني المتردي لا يزال يكبّل أيامهم وتحركاتهم. ينامون على خبر أمني من هنا ويستيقظون على جريمة من هناك. شبابهم يتعرضون لاستفزازات من الجهة المقابلة، وبشكل خاص من منطقة بربور، التي يفصلها عنهم كورنيش المزرعة، خط التماس الجديد. يؤكدون أن ما يحصل من تعديات تبقى عصية على الاعلام الذي لا يصل اليه الا القليل مما يجري على أرض الواقع. ويتحفظون على أسمائهم مخافة تعرضهم لمشكلات يحاولون قدر الامكان تحاشيها. ما ان تغيب شمس أيام أبناء الطريق الجديدة حتى تخف تحركاتهم متجنبين التنقل مخافة وقوع أحداث بين لحظة وأخرى. يبقى شباب المنطقة متيقظين ومستعدين لمساعدة من يقع في أيدي الخصوم كي يتدخلوا لمناصرته. وليس الدليل على ذلك الا تجمع، في مدة لا تتعدى الساعة، ما لا يقل عن 300 شخص امام مستشفى المقاصد، حين تسربّت معلومات عن امكانية قيام الجيش اللبناني بنقل عماد زغلول، الذي اعتدي عليه منذ يومين في محيط السفارة الكويتية في بيروت، على ايدي عناصر يؤكد أبناء المنطقة أنهم كانوا يرتدون لباس شرطة المجلس النيابي، على رغم نفي مكتب المجلس للأمر. يروي سكان المنطقة يومياتهم مع المشكلات التي لا تزال مستمرة منذ 7 مايو (أيار) الماضي. وفي حين يمتنع معظم ابناء هذه المنطقة عن الادلاء بمعلوماتهم خوفا مما قد يتعرضون له، يؤكد عدد منهم أن أنصار المعارضة لا يتجرأون على دخول منطقتهم ويكتفون بالمحاصرة الخارجية، محاولين بذلك استدراج أشخاص من الداخل. كما يفيد البعض الآخر بأن هناك اعتداءات مباشرة ومداهمات ليلية يقوم بها أشخاص يرتدون بزات عسكرية، لكي يكتشف أبناء المنطقة في ما بعد أنهم ليسوا عناصر في الجيش اللبناني.

لا تزال سمر وزوجها نازحين قسرا من بيتهما في منطقة بربور ليقيما في قريتهما في منطقة الشوف، بانتظار جلاء الأوضاع الامنية بعدما حذرهما احد المسؤولين الأمنيين في المنطقة من مغبة العودة لأنهما قد يتعرضان لاعتداءات من أنصار المعارضة نظرا لكونهما من الطائفة الدرزية «لأن ذلك قد يشكل استفزازا للعناصر التابعة لحركة أمل وحزب الله المنتشرة في المنطقة»، بحسب قول سمر.

المتجوّل في الشارع المعروف بكاراج درويش يلاحظ الصور المعلّقة على الجدران لشاب توفي منذ فترة ليست ببعيدة، هو في الثلاثين من عمره ويدعى محمد نمر. ومن يحاول السؤال عن سبب وفاة هذا الشاب لن يجد جوابا شافيا من عائلته واصحابه الذين يمتنعون عن أيضاح السبب. لكن الاجابة تأتي من أبناء الحي الذين يقولون إن نمر كان يقطن في بيت في منطقة الجناح، وبعد تهديدات مباشرة مرات عدة، اعتقل لأيام عدة ثم أعيد الى أهله جثة هامدة. يختصر محمد، أحد أبناء الطريق الجديدة الجو الأمني المهيمن على منطقتهم بأنها مسألة ثأر شخصي يقوم بها كل فرد تعرض لأذى من عناصر الطرف الآخر. وهنا يقع كبش المحرقة أشخاص لا ناقة لهم ولا جمل انما ذنبهم هو انتماؤهم الى المذهب السني أو الشيعي. ويروي حادثة حصلت منذ ثلاثة أيام حين أتى شاب الى المنطقة مرتديا لباسا استفزازيا يرمز الى «حزب الله» فوقعت مشكلة بينه وبين أبناء المنطقة. وعندما سئل عن بطاقة هويته اكتشفوا أنه من عناصر استقصاء الجنوب. ويسأل «كيف يطلب منا أن نقبل بهذا السلوك في حين نرى صورة ترفع في منطقة الأوزاعي للنائب سعد الحريري كتب عليها شارون لبنان، ابن الحراميين».

لا يتوانى أحد اصحاب متاجر الطريق الجديدة، الذي يرفض الكشف عن اسمه، عن ذكر تفاصيل ما يجري معه رغم خوفه من نتيجة ما قد يتعرّض له من انصار المعارضة. ويقول: «انا اسكن في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت واتعرض لتهديدات مستمرة لكوني اناصر سعد الدين الحريري، لأنهم ينفذون مبدأ من قتل سنيا دخل الجنة. لذا أضطر في أيام كثيرة اذا تأزم الوضع ألا أعود الى بيتي». ويضيف: «رأيتهم بنفسي يوزعون الحلوى بعدما علموا بخبر اطلاق الرصاص على عماد زغلول». يدير احمد محله الكائن بجانب جامع عبد الناصر في كورنيش المزرعة بصعوبة منذ أحداث الشهر الماضي. يترك المنطقة مساء ليمضي ليلته في مكان آمن بعيدا عن ازيز الرصاص وصوت القنابل، معتمدا في تنقلاته على سيارات النقل العام لأن سيارته لا تزال منذ 7 ايار في موقف تحت الأرض، كي لا تتعرض للتحطيم على أيدي أنصار المعارضة الذين يتجولون ليلا بأسلحتهم على أطراف منطقة بربور. ويقول: «لا يكتفون بحمل السلاح بل يطلبون الهويات ممن يقرر اجتياز الخط والدخول الى منطقتهم. كما انهم يقومون باستفزازات بغية استدراج ابناء المنطقة، وخصوصا ممن يعرفون بانتمائهم السياسي الى تيار المستقبل». ويعلّق أحمد على الزي الذي يرتديه هؤلاء الاشخاص سائلا: «هل كل ابناء منطقة بربور في قوى الامن الداخلي؟». ويؤكّد جاره على الأمر ويعتبر أن «هذه المشكلات ما كانت لتقع لولا تواطؤ أشخاص من المنطقة ينتمون الى فريقهم السياسي ويلعبون دور المخابرات في جمع المعلومات، خصوصا اذا اكتشفنا انهم يعرفون معلومات دقيقة ووافية عن كل واحد منا وخصوصا المنتمين الى تيار المستقبل، وكأن هذا الانتماء اصبح تهمة علينا ان ندفع ثمنها». ويقول: «الكلام الذي نسمعه على لسان زعماء المعارضة يتناقض كليا مع التصرفات التي تمارس على الأرض. الاحتقان المتراكم منذ فترة في النفوس بين أنصار الطرفين المتخاصمين أنتج حربا سنية ـ شيعية بامتياز. لكن علينا أن نعترف بان فريقا يبقى أقوى من الفريق الآخر لامتلاكه السلاح الذي لا يزال يوجه الى الداخل ويقتل به ابناء الطائفة الواحدة».