أوباما يسعى لاجتذاب الناخبين ذوي الأصول الأميركية اللاتينية

خصمه الجمهوري ماكين شن حملة دعائية باللغة الإسبانية بولايتي نيفادا ونيو مكسيكو

TT

في إطار إعلان تلفزيوني للمرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي جرى بثه في بورتو ريكو، حاول باراك أوباما التحدث باللغة المحلية، وأكد قائلاً: لقد وُلدت في جزيرة وأدرك أن الطعام والوقود وكل شيء تزداد تكلفته. ورغم أن باراك كان قد مُني بالهزيمة في جولة الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي في بورتو ريكو، إلا أن الإعلان التلفزيوني الذي وضعه وسلط الضوء على جاذبية شخصيته واستعداده لمحاولة التحدث باللغة المحلية، يعتبر مؤشراً على انتهاجه تكتيكات غير اعتيادية يستعد القائمون على حملته الانتخابية لاستخدامها داخل الأراضي الأميركية الرئيسة، وذلك في إطار سعيه للفوز بأصوات الناخبين الأميركيين ذوي الأصول الأميركية اللاتينية الذين سبق أن صوتوا في الانتخابات التمهيدية في ديسمبر الماضي بأغلبية ساحقة لصالح غريمته هيلاري رودهام كلينتون. ويراود بعض الديمقراطيين القلق من أن الأميركيين من أصول لاتينية يرقبون أوباما بحذر، الأمر الذي قد يدفعهم إلى صف المرشح الجمهوري جون ماكين الذي يتمتع بشعبية في أوساط المجتمع الأميركي اللاتيني داخل الولايات المتحدة وبذل جهوداً دؤوبة لكسب أصواتهم. يذكر أن ماكين يقوم حالياً بالفعل ببث حملة دعائية مكثفة لصالحه باللغة الإسبانية بولايتي نيفادا ونيو مكسيكو، اللتين تعتبران معقل المجتمع الأميركي اللاتيني داخل البلاد. ومع ذلك، هناك مؤشرات على أن أوباما يبدأ سباق الانتخابات العامة، متمتعاً بمميزات كبرى في ما يتعلق بأصوات أبناء هذا القطاع من المجتمع الأميركي، حيث كشف موجز جديد لنتائج استطلاعات الرأي التي أجراها معهد غالوب منذ مايو السابق أن أوباما يحظى بـ62% من أصوات الناخبين المسجلين من ذوي الأصول اللاتينية على مستوى البلاد، مقارنة بـ29% لصالح ماكين. وتوصلت استطلاعات أخرى للرأي لتباينات مشابهة على مستوى التأييد بين المرشحين الرئاسيين، فعلى سبيل المثال، حشدت مجموعة ديكمراسي كوربس (فيالق الديمقراطية) الموالية للحزب الديمقراطي عدد من استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الفترة بين مارس وحتى مايو والتي كشفت تقدم أوباما بـ19 نقطة بين جمهور الناخبين المنتمين لأصول لاتينية. كما توصل استطلاع للرأي أجرته صحيفة «التايمز» الشهر السابق إلى أن أوباما يتقدم على ماكين في أوساط الناخبين المنتمين أصلاً لأميركا اللاتينية داخل ولاية كاليفورنيا بفارق 14 نقطة. على الجانب الآخر، يرى الجمهوريون أن مستوى التأييد الراهن لمرشحهم الرئاسي في أوساط الأميركيين من أصول لاتينية يعد مخيباً للآمال، حيث يعد أدنى بكثير عن الأهداف التي حددتها حملته الانتخابية التي ساد بها الاعتقاد في وقت من الأوقات بأن ماكين بمقدوره تحدي الهيمنة التقليدية للديمقراطيين على الناخبين ذوي الأصول اللاتينية. وتوحي الأرقام التي تمخضت عنها استطلاعات الرأي بأن صورة ماكين تأثرت سلباً في أعقاب الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري التي أعلن خلالها تخليه عن بعض الآراء المعتدلة الشائعة في أوساط الناخبين الأميركيين المنتمين لأصول لاتينية حول الهجرة. على سبيل المثال، نجد أن ماكين، الذي سبق وكان الراعي الرئيس لتشريع يرمي لخلق سبيل لمنح المواطنة لـ12 مليون مهاجر غير شرعي في البلاد، يعرب حالياً عن اعتقاده بضرورة أن تركز الحكومة أولاً على تأمين الحدود الأميركية ـ المكسيكية قبل التعامل مع قضية العمال غير القانونيين. وفي الوقت الذي ساعد فيه هذا الموقف الجديد من جانب المرشح الجمهوري في تهدئة مخاوف بعض العناصر المحافظة التي اعتبرت أنه ينتهج توجهاً متساهلاً إزاء قضية الهجرة غير الشرعية، فإنه خلق صعوبة أمام ماكين في اجتذاب أصوات الناخبين من أصول لاتينية. والآن، بات يتحتم عليه المفاضلة بين حاجتين متعارضتين: اجتذاب أصوات الناخبين ذوي الأصول اللاتينية بمنطقة جنوب غرب الولايات المتحدة وداخل ولاية فلوريدا، وحشد تأييد المحافظين البيض الذين ربما تشكل أصواتهم عنصراً جوهرياً في ولاية أوهايو وبعض الميادين التنافسية الانتخابية الأخرى. من جانبه، شدد روبرت دي بوسادا، مستشار الحزب الجمهوري بشأن السياسات تجاه مجتمع الأميركيين من أصول لاتينية، أنه: إذا كان المعاونون لماكين غير مدركين للحاجة إلى تعزيز الجهود على هذا الصعيد، فإن من الواضح أنه لن يصبح رئيساً للبلاد. وقد جاء تقدم أوباما بفارق كبير من الأصوات بمثابة مفاجأة للمخططين الاستراتيجيين داخل الحزب الجمهوري في أعقاب انتخابات تمهيدية يبدو أنها أزاحت النقاب عن مجتمع الأميركي المنتمي لأصول لاتينية باعتباره نقطة ضعف كبرى. يذكر أن مسحاً أجراه معهد غالوب بين الأميركيين المنتمين لأصول لاتينية توصل إلى أن أوباما، رغم خسارته أمام كلينتون، جاء مستوى أدائه على نفس مستوى جودة أداء كلينتون في إطار التنافس أمام ماكين. يذكر أن حملة أوباما استعانت مؤخراً بمتحدث رسمي صحافي للعمل كل الوقت في ما يتعلق بوسائل الإعلام الناطقة باللغة الإسبانية فقط. ويعاون في التخطيط لحملة أوباما كل من النائب زافيير بيكيرا عن ولاية لوس أنجليس، وحاكم ولاية نيو مكسيكو بيل ريتشاردسون، وفيديريكو بينا الذي تولى حقيبتي الطاقة والنقل في عهد إدارة بيل كلينتون. ويوم الخميس أيضاً، صرح أنتونيو فيلاريغوسا، عمدة لوس أنجليس، والذي شكل أحد العناصر الجوهرية التي ساعدت هيلاري كلينتون في التواصل مع المجتمع اللاتيني، بأنه سيساعد أوباما بحماس، واصفاً إياه بأنه مصدر إلهام. أما ريتشاردسون، فقال إنه حرص يوم الثلاثاء على الاستعانة بممثلين من أصول لاتينية من سكان لوس أنجليس لحشد التأييد لصالح أوباما. وتأتي هذه الجهود في إطار محاولات لرسم صورة السناتور عن ولاية إلينوي الذي وُلد في هاواي من أب أفريقي، باعتباره شخصا يمكنه تفهم تجارب المهاجرين. ويعد هذا التوجه الشخصي انحرافاً عن المسار الديمقراطي المعتاد القائم على محاولة اجتذاب الناخبين اعتماداً على القضايا، وليس التجارة الشخصية. وتشبه هذه الجهود الاستراتيجية التي اتبعها الرئيس بوش الذي عمد إلى تسليط الضوء على صلاته بثقافة المجتمع اللاتيني والمكسيك. وبالفعل، تمكن من حصد ما يزيد على 40% من أصوات الناخبين المنتمين لأصول لاتينية. من ناحيته، أشار ريتشاردسون إلى أنه: مع اللاتينيين، نشدد على أن أوباما ينتمي إلى أقلية مثلنا، وكذلك خلفية (اجتماعية) متواضعة. ومع أن أوباما لا يتحدث الإسبانية، أكد مساعدوه أن الإعلان الذي تم بثه في بورتو ريكو كشف أن بإمكانه إجادة نطقها إذا ما تدرب على النص بشكل جيد. على الجانب الآخر، يرى البعض أن المرشح الديمقراطي ما زال بعيداً عن ضمان أصوات الأميركيين من أصول لاتينية. على سبيل المثال، أشار المبجل لويس كورتس، الذي يتبع توجهات سياسية مستقلة ويترأس شبكة بروتستانتية لاتينية، أن أوباما لا يزال يتعين عليه وضع أجندة محددة أمام الأميركيين من أصول لاتينية، علاوة على أنه يعتبر وجهاً غريباً بالنسبة لأبناء هذا المجتمع مقارنة بماكين وكلينتون. يذكر أنه من المقرر أن يلتقي كورتس وأوباما الأسبوع القادم في شيكاغو، ونوه كورتس بأن المرشح الديمقراطي وافق على إلقاء كلمة أمام تجمع من المصلين الأميركيين المنتمين لأصول لاتينية في وقت لاحق من هذا الشهر.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» (خاص بـ «الشرق الأوسط») ومن الواضح أن كلا الجانبان الجمهوري والديمقراطي ينظران إلى أصوات الناخبين ذوي الأصول اللاتينية، الذين تشهد أعدادهم تنامياً مطرداً، باعتبارها بالغة الأهمية بالنسبة لاستراتيجياتهم الوطنية. من ناحيته، أعرب ماكين أمام بعض أقرانه من أعضاء الحزب الجمهوري أن شعبيته بين أبناء المجتمع اللاتيني ربما تساعده في كاليفورنيا، على سبيل المثال. ويخطط القائمون على الحملتين لخوض تنافس شديد على أصوات الأميركيين من أصول لاتينية داخل كل من كولورادو ونيو مكسيكو ونيفادا وفلوريدا.