إسبانيا: حرب المياه

موجات جفاف.. وصراع بين المزارعين والمستثمرين العقاريين على حصص المياه

TT

تنتشر حقول الخس المورقة ودفيئات الطماطم على امتداد الطرق في منطقة مورسيا بإسبانيا. وتغري المنازل في هذا المكان المشترين في بريطانيا وألمانيا. وتمتد ملاعب الغولف، التي أسس العشرات منها في الفترة الأخيرة، حتى الشاطئ. لقد بدأ هذا الجزء في جنوب شرق إسبانيا يزدهر أخيرا. حقا، إنها صورة جميلة، ولكن ثمة مشكلة تكدر صفوها، فالمياه في هذه المنطقة تتناقص يوما بعد يوم. هذا أمر واقع، فقد بدأت مساحات من جنوب إسبانيا تتحول إلى صحراء موحشة، وساعد على هذا، الاحترار العالمي والتنمية ضعيفة التخطيط. شهدت منطقة مورسيا، التي هي في المعتاد منطقة زراعية فقيرة، طفرة في تشييد مباني المنتجعات في السنوات الأخيرة، وتحول الكثير من المزارعين لزراعة محاصيل تحتاج الى كمية أكبر من المياه، وساعدتهم على هذا خطط نقل المياه، التي أصبحت محل نقاش حام وهجوم شديد. وخلال هذا العام، نشب صراع كبير بين المزارعين والمستثمرين في مجال التنمية العمرانية حول الحقوق في حصص المياه، وفي دليل إلى الصراع المتنامي بين الطرفين، تباع المياه مثل الذهب، فهناك سوق سوداء للمياه تنمو سريعا، والمياه المباعة في هذه السوق في الأغلب من آبار غير قانونية. يذكر أن جنوب إسبانيا شهدت في الفترة الأخيرة سلسلة من موجات الجفاف، ولكن يرى بعض العلماء أن الأزمة الحالية تعكس تغيرا في المناخ قد يكون أكثر ديمومة بسبب الاحترار العالمي، مما ينذر بصراع من نوع جديد. ويقول العلماء أن المعارك التي كانت تنشب في الماضي كانت للسيطرة على الأرض. وتتركز الصراعات الحالية على البترول. ويبدو أن تلك التي ستحدث في المستقبل ستركز على المياه، خاصة أن المناخ في المستقبل سيكون أكثر حرارة وجفافا بسبب التغير المناخي في مناطق كثيرة في العالم. وتقول المتحدثة باسم إدارة البيئة بالاتحاد الأوروبي باربرا هلفريتش: «ستكون المياه قضية بيئية هذا العام، فهي مشكلة عاجلة وتتطلب حلا سريعا. فإذا كنا نعاني من نقص في المياه خلال الربيع، فهذا يعني أن الصيف سيكون سيئا جدا».

وتقدر منظمة الأمم المتحدة أن التغير المناخي يعني مزيدا من الزحف الصحراوي مما قد يتسبب في تهجير 135 مليون شخص من المناطق التي يعيشون فيها في الوقت الحالي، والمعظم سيكون في الدول النامية. ولكن يقول العلماء إن جنوب أوروبا تشهد مشكلة في الوقت الحالي، حيث بدأ المناخ يصبح أكثر جفافا لدرجة أنه يصبح شبيها بقارة أفريقيا. وبالنسبة لمورسيا، نجد أن من الأشياء التي سرعت من أزمة المياه سعي المزارعين والمستثمرين في التنمية العمرانية إلى مشاريع تحتاج لكمية كبيرة من المياه لا تناسب المناخ الذي أصبح أكثر جفافا ودفئا: حيث يزرع المزارعون نباتات مثل الخس، التي تحتاج الى عمليات ري واسعة النطاق، كما تحتوى المنتجعات على حمامات سباحة وتحتاج ملاعب الغولف الحديثة الى ملايين من غالونات المياه يوميا. ويقول مدير مرفق المياه في فورتونا أنطونيو بريز جراسيا: مورست عليّ الكثير من الضغوط لتقليل نسبة المياه التي يحصل عليها المزارعون والمستثمرون في مشاريع التنمية العمرانية. يمكنهم أن يقدموا شكاوى كما يشاؤون، ولكن إذا لم يكن هناك مزيد من المياه، لن يكون هناك مزيد من المياه. وأعرب أنطونيو عن أسفه لأنه لا يستطيع إلا أن يمد كل صاحب عقار بـ30 في المائة من حصة المياه التي تقرها الحكومة له. وأضاف: أنا لا أعرف ماذا سنفعل في الصيف، مشيرا إلى أن المضخات تجد صعوبات متزايدة في ضخ المياه من تحت الأرض.

ويقول روبن فيفاس، وهو مزارع يعتمد على الحصة التي يقرها مرفق المياه الذي يديره جراسيا، إنه لا يستطيع تحمل أسعار السوق السوداء. ويضيف: هناك مخاطر كثيرة تحيط بالعمل الذي أتكسب منه. يذكر أن السيد فيفاس يزرع محاصيل لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه مثل الليمون منذ ما يقرب من عقدين. وقد تسبب هذا الوضع في العديد من المهازل، فقد تم سجن بعض المسؤولين المحليين لحصولهم على أموال لمنح تصاريح بناء في أماكن لا توجد بها كميات مناسبة من المياه. وقد تعرض تشيما جيل، وهو صحافي، كشف هذا المخطط، إلى تهديدات بالقتل، ولذا عينت حراسة له ترافقه طوال الوقت. ويقول جيل: نستهلك في مورسيا كمية مياه أكبر من الكمية التي يستطيع النظام توفيرها بمعدل مرتين ونصف. ولذا ماذا سيمكننا أن نفعل؟ هل سنستوردها من الخارج؟ على ضوء التغير المناخي نحن نتجه إلى ورطة. فكل المياه التي نستخدمها لري حقول الخس وفي ملاعب الغولف سنحتاجها للشرب. وعلى الرغم من بعض الانتقادات التي وجهت لجيل عندما بدأ حديثه في هذا الموضوع، فقد قلت هذه الانتقادات بعد أن بدأ المواطنون يكتشفون أن المياه تنضب.

وفي إطار محاولتها لمواجهة هذه الأزمة القومية، من المنتظر أن ترعى إسبانيا مؤتمرا أوروبيا عن قضايا المياه هذا الصيف وستعلن عن خطة عمل قومية هذا العام لمواجهة التصحر. وتتضمن هذا الخطة استخدام طرق أكثر فاعلية للري، بالإضافة إلى برنامج شامل لمصانع إزالة الملوحة لتوفير المياه العذبة. وتقدر وزارة البيئة الإسبانية أن ثلث مساحة الدولة تواجه خطر التصحر بسبب الاستخدام السيئ للأراضي والتغير المناخي. ومع هذا لا يبدو بعض المسؤولين في إسبانيا أنهم يوافقون على الرأي بأن مناخ إسبانيا يتحول إلى مناخ شبيه بمناخ القارة الأفريقية. ويقول أنطونيو سيرونو رودرجوز، وهو السكرتير العام للأراضي: نحن أفضل كثيرا من أفريقيا، ولكن موقفنا خطير بالمقارنة مع باقي دول الاتحاد الأوروبي.

ومع هذا يقر سيرونو، ومعه آخرون، ببعض المشاكل، حيث يقول: لن يمكننا زراعة بعض الأماكن مرة أخرى.

وتشير بعض الإحصاءات الى أنه على الرغم من أن مناخ جنوب إسبانيا كان دائما جافا وأصابته سلسلة من موجات الجفاف، فإن متوسط درجة حرارة السطح في إسبانيا ارتفع بمقدار 2.7 درجة مقارنة بـ1.4 درجة عالميا منذ عام 1880. وحسب توقعات للأمم المتحدة، فإن معدلات تساقط الأمطار من المتوقع أن تقل بنسبة 20 في المائة بداية من هذا العام حتى 2020، وبنسبة 40 في المائة بحلول 2070. وتدل التغيرات التي حدثت في مزرعة عائلة المارتشا في ألبانيلا على مدى الثلاثة عقود الماضية على أن المناخ ازداد حرارة وجفافا، فحتى عقدين مضيا، كانت المزرعة تزرع القمح والشعير اعتمادا على مياه الأمطار فقط. واضطر كارلو المارتشا، الذي يبلغ من العمر 51 عاما، للتحول إلى زراعة اللوز بسبب نقص الأمطار. ومنذ عشرة أعوام، ترك زراعة اللوز وتحول إلى الخوخ والكمثرى العضوية، حيث يرى أن هذه المحاصيل تحتاج الى كمية أقل من المياه. وفي الفترة الأخيرة بدأ في زراعة الزيتون والتين، حيث يقاومان الجفاف وأقل تأثرا بالتغيرات المناخية.

* خدمة «نيويورك تايمز»