ميدفيديف يتحول بعد ألمانيا إلى بلدان الكومنولث في قمة سان بطرسبورغ

بما يعيد إلى الأذهان سياسات البريسترويكا وربيع «الحرب الباردة»

TT

في سياق السباق غير المعلن بين الرئيس الجديد ديمتري ميدفيديف وسلفه فلاديمير بوتين تتواصل اللقاءات والزيارات الخارجية لقطبي الساحة السياسية الروسية. ففيما انتهى فلاديمير بوتين رئيس الحكومة من زيارته لفرنسا بكل ما صاحبها من صخب اعلامي، كشف عن ان بوتين يواصل ادارة دفة السياسة الخارجية للدولة، فرغ الرئيس ميدفيديف من زيارته لألمانيا التي كان من المقرر ان يفتتح بها جدول زياراته الخارجية بدلا من الصين التي زارها خلال مايو (أيار) الماضي وليلتقي امس في سان بطرسبورغ مع قادة بلدان الكومنولث على هامش اعمال المنتدى دافوس الاقتصادي الدولي الثاني عشر . ويقول المراقبون ان زيارة ميدفيديف لألمانيا كشفت عن الكثير مما يمكن ان يقوم به ميدفيديف على صعيد السياسة الخارجية وتطوير استراتيجية العلاقة بين البلدين. وكان سلفه قد بذل الكثير من اجل وضع اسس هذه العلاقة مع المانيا التي يكن لها مشاعر حميمية منذ قضى بها بعض سنوات شبابه حين عمل ممثلا لجهاز امن الدولة «كي جي بي» في دريزدن في نهاية ثمانينيات القرن الماضي. ويذكر المراقبون ان بوتين زار المانيا في مستهل سنوات ولايته الاولى وحرص في كلمته التي القاها بالالمانية امام ممثلي البوندستاج على تحديد نقاط برنامجه لتطوير علاقات البلدين في اطار استراتيجية شراكة طويلة الامد تعتمد الاقتصاد اساسا ومنطلقا لهذه العلاقات. من هذا المنظور يصبح من الطبيعي ان يمضي ميدفيديف الى ما هو ابعد من سلفه بعيدا عن القوالب النمطية وكلمات الاطراء المتبادلة التي قد تقوض الامال التي عقدها الالمان على تلك الزيارة. ومن هذا المنظور يمكن تناول ما اعلنه ميدفيديف في لقائه مع ممثلي دوائر الاعمال والسياسة في برلين حول العديد من قضايا السياستين الداخلية والخارجية. وفي ذلك اللقاء حدد الرئيس الروسي ملامح سياساته التي تتفق الى حد كبير مع سياسات سلفه وتعيد الى الاذهان في بعض جوانبها ما سبق واعلنه الزعيم السوفياتي الاسبق ميخائيل غورباتشوف ابان سنوات البريسترويكا حول ضرورة بناء البيت الاوروبي المشترك. وكان ميدفيديف اعلن عن ضرورة استعادة ايجابيات الماضي في اطار ما اشار اليه حول توقيع «وثيقة جديدة للامن الاوروبي» على غرار وثيقة هلسنكي الامن والتعاون الاوروبي الموقعة في عام 1975 والتي اعتبرها الكثيرون بمثابة ربيع الحرب الباردة. ورغم ان ميدفيديف عاد واعلن عن رفض روسيا لسياسة الاحلاف والتكتلات وتوسع الناتو ونشر عناصر الدرع الصاروخي الاميركي وان الزمن قد عفا على «الاطلنطية» على حد قوله وهو ما وجد فيه البعض تقاربا في التوجهات والسياسة مع فلاديمير بوتين، فان ثمة اجماعا حول تباين النبرة واختلاف الاسلوب الذي اتسمت مفرداته بما قد يسمى تجاوزا بالطابع الليبرالي على نحو يبدو معه وكأن ميدفيديف عمد الى الابتعاد عن تداعيات خطاب سلفه في مؤتمر الأمن الذي عقد في ميونيخ في عام 2007 وكشف فيه عن نهج متشدد. وفي ذات الاطار يتوقع المراقبون ان تجري لقاءات ميدفيديف مع نظرائه من رؤساء بلدان الكومنولث على ضوء ما سبق واعلنه حول اولوية علاقات بلاده مع هذه البلدان. في هذه اللقاءات يبدو ميدفيديف مدعوا الى العمل من اجل العثور على حلول مناسبة للتخفيف من حدة التوتر القائم في علاقات موسكو مع كل من اوكرانيا وجورجيا اللتين تجنحان نحو الانضمام الى الناتو خصما من رصيد أمن ومصالح روسيا في هذه المنطقة بعد اعلان الرئيس الاوكراني فيكتور يوشينكو حول عدم مد فترة استئجار الاسطول الروسي لميناء سيفاستوبول بعد عام 2017.

وهو الميناء الذي يقول فيه الكثيرون في الساحة السياسية الروسية حول عدم مشروعية ضمه الى شبه جزيرة القرم التي أهداها الزعيم السوفياتي الاسبق نيكيتا خروشوف الى القرم في عام 1954 عن غير وجه حق. اما عن توتر العلاقات مع جورجيا فتتعلق بسياسات روسيا تجاه ابخازيا واوسيتيا الجنوبية وما تعلقه تبليسي من آمال حول استعادتهما وكانتا قد أعلنتا الانفصال من جانب واحد. وثمة من يقول ايضا ان روسيا تبدو اليوم مدعوة ايضا الى إيلاء الكثير من الاهتمام لبلدان آسيا الوسطى التي تشهد مدا في علاقاتها مع الدوائر الغربية التي لم تتوقف عن محاولات التغلغل في مختلف قطاعات شؤونها الداخلية بما في ذلك الطاقة التي تعتبرها موسكو احد اهم مجالاتها الحيوية.