الأسلحة الخفيفة تنتشر بين اللبنانيين وتنذر بنتائج خطيرة

بيروت تناهض العنف المسلح

TT

عمّت الأجواء الحربية وسط بيروت. فقد ارتدى الشبان والفتيات الثياب السود. وتسلّحوا ثم تجمعوا حول تمثال الشهداء وانطلقوا في مهمتهم. انهم شبان وفتيات لبنانيون قرروا، على عكس ما يوحيه مظهرهم الحربي، احياء أسبوع مناهضة العنف المسلح ومحاولة الحد من انتشار الأسلحة الخفيفة وسوء استخدامها واظهار مدى تأثير هذا السلوك السلبي على المجتمع اللبناني من خلال مشهد صامت شبه ارتجالي يعمل أبطاله وفق ضوابط معينة تحافظ على التواصل بين الفريق من اخراج لوسيان أبو رجيلي.

رسالة وطنية قررت «جمعية السلام الدائم» تجسيدها صامتة الى المجتمع اللبناني الذي تغزوه الحروب النفسية والمسلّحة. وكان آخرها تلك التي شهدها لبنان مطلع الشهر الماضي.

اختصر أبو رجيلي في هذا المشهد القصير نماذج لبنانية مختلفة، وأظهر نتيجة سلوك من يستخدمون الأسلحة في حل النزاعات مقارنة بتلك التي يجنيها من يسعى الى السلام بعيدا عن الأسلحة. اذ فيما يكون مصير الأول الموت المحتم يعيش الثاني أيامه بفرح وراحة ومحبّة. من خلال هذا النشاط الذي تنظمه «جمعية السلام الدائم» دق رئيسها فادي أبي علام ناقوس الخطر الذي يحيط بلبنان نظرا للمؤشرات الواضحة المنتشرة في هذا البلد، ولاسيما في ما يتعلق بامتلاك الأسلحة الخفيفة. وهو يعتبر أن أبرز هذه المؤشرات التي ساهمت بشكل واضح في اندلاع الحرب الأخيرة، تتمثل بانتشار ظاهرة بيع الاسلحة التي تضاعف سعرها ووصل عددها بين اللبنانيين الى مليوني قطعة، بعدما خضعت لمعايير السوق السوداء وذلك منذ اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005. اذ وصل سعر الـ «كلاشنيكوف» الى 1000 دولار بعدما كان 300 دولار، عازيا السبب الى خوف اللبنانيين على أمنهم وعدم اقتناعهم بقدرة القوى الأمنية على حمايتهم.

ويشير ابي علام الى أن العادات والتقاليد اللبنانية التي يستغلها المواطنون للتعبير عن مشاعرهم في مناسبات الحزن والفرح عبر اطلاق الرصاص واستعمال الأسلحة التي يسقط نتيجتها قتلى وجرحى، خصوصا أنها تحولت في الفترة الأخيرة الى رسائل استفزازية يستخدمها مناصرو الأحزاب في مواجهة بعضهم، اضافة الى توزيع آلاف رخص السلاح بشكل عشوائي وبطرق غير شرعية، كلها اسباب تساهم بشكل كبير في تسهيل استخدام الأسلحة الخفيفة في المشكلات البسيطة منها والكبيرة من دون العودة الى القضاء المختص. ويقول: «يعمد اللبنانيون الى رمي الأسلحة القديمة والموروثة على جوانب الطرق وفي مستوعبات النفايات. وهذا يناقض القوانين الدولية. مع العلم أن القانون اللبناني الخاطئ الذي يعرض رامي هذه الأسلحة الى مساءلة قانونية هو من يدفع المواطنين الى التخلص منها بهذه الطريقة بدل تسليمها الى الجهات المختصة. وفي هذا الاطار تنتظر جمعية السلام الدائم تشكيل الحكومة اللبنانية لتقديم مشروع قانون الى اللجان المختصة يقضي بمنح عفو لمن يرغب أن يسلم سلاحه من دون اي ملاحقة قانونية». ويرى أبي علام أن الاسلحة الخفيفة التي تشمل كل ما يمكن حمله ومن ضمنها الـ «RPJ» منتشرة بشكل كبير بين اللبنانيين على اختلاف أعمارهم. وهذا ما تجلى واضحا في المعارك التي شهدتها شوارع بيروت الشهر الماضي حين كان اطفال لا تتجاوز اعمارهم الثماني سنوات ينزلون الى الشارع ويحرقون الدواليب، فيما يقف آخرون تراوح أعمارهم بين الـ 15 و18 عاما على الحواجز يحملون الاسلحة.

ويقول إنه تبين نتيجة الرصد التي قامت بها «جمعية السلام الدائم» لضحايا النزاعات التي يستخدم فيها اللبنانيون الاسلحة الخفيفة، أن 72 شخصا قتلوا وحوالي 400 جرحوا في الاشهر الستة الأولى من العام 2005. ويشير الى أن هذا العدد سجل ارتفاعا ملحوظا في الفترة الأخيرة في ظل تردي الأوضاع الأمنية في لبنان. وأبرز اسباب هذه النزاعات تمحورت حول أفضلية المرور والخلاف على حدود العقارات، اضافة الى مشكلات بسيطة تنشأ بين الأطراف وتتطور الى استخدام السلاح. أمام هذا الواقع المتردي، يؤكد أبي علام أن «جمعية السلام الدائم» تعمل منذ العام 2002 لنشر الوعي بين اللبنانيين عبر النشاطات المختلفة وورش العمل التي تقوم بها ومن بينها الحد من سوء انتشار الأسلحة واستخدامها من خلال رصد النزاعات التي تستخدم فيها الأسلحة وتسبب بوقوع ضحايا ولاسيما الحد من العادات السيئة المتمثلة باطلاق النار في المناسبات، اضافة الى كيفية حماية الأطفال اثناء النزاعات المسلحة. ويؤكد أن الجمعية حذرت مرات عدة مما قد تؤول اليه مسألة انتشار الاسلحة في لبنان وانها تطالب بالقضاء على المظاهر المسلحة وحصر استخدام السلاح في الدفاع عن القضية بعد الاتفاق على شرعيتها. وفي حين يرى ان التخلص من ثقافة العنف كوسيلة لحل النزاعات ليست بالأمر اليسير لأن تغير السلوك يتطلب مجهودا ووقتا ونوايا صافية، يعتبر ان الاعلام يلعب الدور الأبرز في شيوع ثقافة السلام اضافة الى دور القيادات على اختلاف فئاتها، وأهمها السياسية والدينية. وكل ذلك يتطلب ليس اعلان وقف الحرب فحسب بل العمل على بناء ثقافة السلام.