رحيل مصطفى خليل أحد مهندسي كامب ديفيد

عمل مع عبد الناصر والسادات ومبارك وساهم في تغيير نظام الحزب الواحد

TT

في جنازة عسكرية من المتوقع أن يتقدمها الرئيس المصري محمد حسني مبارك، يشيع الآلاف من المصريين ظهر غد الاثنين من مسجد «آل رشدان» بضاحية مدينة نصر (شرق القاهرة) جثمان الدكتور مصطفى خليل رئيس وزراء مصر الأسبق، الذي غيبه الموت أمس عن عمر يناهز 88 عاما، بعد صراع طويل مع المرض، مسدلا الستار على حياة حافلة بالأحداث والمهام الجسام، تقلد خلالها العديد من المناصب المرموقة، ولعب أدوارا مهمة على المسرح السياسي بخاصة في عصر الرئيس الراحل أنور السادات، وفي المرحلة الأولى من حكم الرئيس حسني مبارك .

ويعد مصطفى خليل أحد صناع السياسة المصرية في تحولاتها الأخيرة، وكان أحد الوزراء الملتصقين بهموم الواقع المحلي في شتى تبدياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ساعده في ذلك خبرته على مدى أكثر من خمسين عاما، سواء في إطار العمل السياسي الرسمي من خلال الحقائب الوزارية والمناصب التي تولاها في عهود الرؤساء الثلاثة (عبد الناصر، والسادات ومبارك)، أو العمل الحر كمستشار لعدد من البنوك والمؤسسات الاقتصادية والتجارية .

هذا الالتصاق بالواقع لم ينبع من فراغ، فقد انخرط مصطفى خليل مبكرا في العمل السياسي، فشارك وهو طالب بالجامعة في مظاهرات ضد الاحتلال الانجليزي، تعرض للاعتداء في إحداها في عام 1941، وتم توقيفه، وخضع للتحقيق. وعرف عنه آنذاك حماسه الوطني، ومقدرته على الإدارة والتنظيم.

وعلى الرغم من انتمائه لطبقة الأعيان التي تتسم بالثراء والنفوذ، إلا أنه كان شخصية متواضعة، تميل إلى البساطة، وتتخذ منها منهجا في التفكير والرؤية. وكانت أسعد لحظات حياته، التي يقضيها بين ناسه البسطاء، في قرية تصفا، مسقط رأسه بمحافظة القليوبية والتي ولد فيها عام 1920،لأب من الأعيان .

عقب حصوله على بكالوريوس الهندسة من جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا)، أوفد مصطفى خليل إلى أميركا في بعثة علمية حيث حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة من جامعة الينوى الأميركية عام 1951. وهناك تعرف خليل على عيزرا وايزمان رئيس إسرائيل الأسبق، وتوطدت صداقة بينهما. وربما لذلك السبب استعان به الرئيس السادات، للعب أدوار حساسة في مفاوضات اتفاقية كامب ديفيد، خاصة أن وايزمان كان يعرف أنه من الصقور في إسرائيل . عاد مصطفى خليل إلى القاهرة ليُدرس الهندسة بجامعتها في الفترة بين عامي 1951 - 1956، وخلالها عُين وزيرا للنقل والمواصلات والاتصالات لأول مرة في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

بعد ذلك تعددت المناصب الوزارية التي تولاها الفقيد، ومنها نائب رئيس الوزراء لشؤون النقل والمواصلات، ونائب رئيس الوزراء لشؤون الكهرباء والبترول والطاقة، في حكومة الوحدة، التي نشأت بين مصر وسورية في الفترة من عام 1958م وحتى عام 1961.

وفي سابقة نادرة الحدوث في الحياة السياسية المصرية، بخاصة في ذلك الوقت، قدم خليل استقالته من مناصبه الوزارية في عام 1966، لأسباب صحية، ليشغل بعد ذلك منصب رئيس الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في الفترة من يونيو عام 1970م وحتى أبريل عام 1971، وانتخب بعد ذلك أمينا عاما للاتحاد الاشتراكي العربي، الذي كان التنظيم السياسي الوحيد للحكم في مصر .

واستطاع خليل أن يحوز على ثقة السادات، وأن يصبح من مستشاريه المقربين، الأمر الذي دفع السادات إلى تكليفه بمهمة تغيير النظام السياسي الذي كان سائدا في مصر منذ قيام ثورة يوليو (تموز) 1952، والانتقال من نظام الحزب الواحد إلى نظام التعددية الحزبية، حيث ساهم خليل في وضع نواة الأحزاب السياسية القائمة حاليا، عن طريق إنشاء 3 منابر سياسية، وسط ويمين ويسار، والتي ولدت من رحمها معظم الأحزاب السياسية القائمة حاليا في مصر.

في عام 1977، رافق خليل الرئيس السادات في رحلته الشهيرة إلى القدس بصفته مستشارا للسادات، وبرغم ما أثارته تلك الرحلة من جدل استمر حتى يومنا هذا، إلا أن السادات كافأه بتكليفه برئاسة الحكومة في الفترة من أكتوبر عام 1978 وحتى مايو عام 1980.

وشهدت حكومة خليل آنذاك، توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» للسلام مع إسرائيل، التي أنهت حالة حرب استمرت أكثر من ثلاثين عاما بين الجانبين، كانت أحد الأسباب في فقدان السادات لحياته برصاص إسلاميين متشددين في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1981 . ويعد مصطفى خليل في نظر كثيرين أحد محامي كامب ديفيد، فقد ظل دائما يدافع عنها، ويصفها بأنها لم تكن نقطة ضعف في سياسة السادات، بل كانت نقطة قوة وصواب لم يلتفت إليه الكثيرون. هذه الجرأة كانت وليد منطق يزن الأمور بواقعية وصدق.. جسد مصطفى خليل ذلك من خلال الكثير من المواقف. فقد انضم للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم منذ تأسيسه عام 1978، وتدرج في المناصب الحزبية حتى وصل إلى منصب نائب رئيس الحزب، إلا أنه طلب من الرئيس المصري حسني مبارك التنحي عن منصبه في الحزب، ومنصب رئيس مجلس إدارة المصرف العربي الدولي الذي عين فيه بعد تركه رئاسة الحكومة، لأسباب صحية.