التمثيل السياسي للسود بدأ في فرجينيا قبل 150 عاما

السود الذين سبقوا أوباما في مناصب بارزة بالولايات المتحدة

TT

وسط الحشائش التي تحيط بدار القضاء الكائن في شارع «ويست مان» بمقاطعة لويزا في ولاية فرجينيا، يوجد «شاهد قبر» تاريخي رمادي اللون، قلما جذب انتباه من يمر بجواره. يشير هذا «الشاهد» إلى أول مسؤول أسود منتخب في الولايات المتحدة: جون مرسر لانجستون. ولد لانجستون في مقاطعة لويزا وسط ولاية فرجينيا. وكان ابن رجل أبيض ثري، كان يمتلك مزرعة كبيرة وكانت والدته أمَة سوداء محررة من أصول هندية. كان لانجستون أحد أبرز الشخصيات غير العادية في القرن التاسع عشر، ولا يمكن أن ينسى الأميركيون الإنجازات التي حققها هذا الرجل، فهو أول عضو أسود في الكونغرس عن ولاية فرجينيا، وهو مؤسس ما أصبح بعد هذا كلية القانون بجامعة هوارد. ويمثل لانجستون البداية الرمزية لعملية تمكين السود من العمل في الحياة السياسية. تفصل 153 عاما بين جون مرسر لانجستون وباراك حسين أوباما، رحلة طويلة شملت الآمال التي تلاشت في فترة إعادة الإعمار في الولايات المتحدة واضطهاد جيم كرو، الأمر الذي كان بمثابة صدمة للمتفائلين الذي كانوا يأملون تحقيق تقدم على الصعيد العرقي في الولايات المتحدة. فقد تمكن سياسي أسود (هو باراك أوباما) من ضمان ترشحه لمنصب الرئيس من قبل حزب كبير في الولايات المتحدة على الرغم من أن المسؤولين المنتخبين الأفرو ـ أميركيين يمثل أقل من 4 في المائة. يقول المؤرخ وليام تشيك: «يجب أن تنتبه لتلاحظ هذا التغير». كان وليام قد ألّف مع زوجته آمي لي كتابا بعنوان «جون مرسر لانجستون والحرب من أجل حرية السود» (1829 ـ 1865). ويعكف الزوجان الآن على إصدار جديد يتناول تجربة باراك أوباما وسعيه للفوز بترشيح الحزب. حظي لانجستون بتعليم عال، وكان خبيرا في القانون الدستوري وناشطا في العمل المجتمعي، كما كان خطيبا مفوها سعى لتوحيد دولة مقسمة بعد الحرب الأهلية. ويرى تشيك أن هناك أوجه تشابه جلية بين لانجستون، الذي هو أول أسود يُنتخب في إحدى الوظائف العامة في الولايات المتحدة وباراك أوباما الذي يحتمل أن يكون أول رئيس أسود. يقول تشيك عن إنجاز أوباما: «أتمنى لو كنا قد رأينا هذا في الخمسينات من القرن التاسع عشر، بالتأكيد كان لانجستون قادرا على يتولى منصب الرئيس في القرن التاسع عشر. ومع هذا فلم يمض وقت طويل، إذا تفهمنا كيف أن العنصرية عميقة الجذور (من عام 1619 حتى الوقت الحالي)». يلتقي الماضي والحاضر في مقاطعة لويزا، التي كانت أحد أكبر ساحات القتال إبان الحرب الأهلية، وتتصارع التقاليد والرغبة في التغير من أجل التعايش. يذكر هذا «الشاهد التاريخي» في ميدان دار القضاء بالتمثيل السياسي للسود، الذي بدأ منذ وقت طويل. تعد مقاطعة لويزا، التي ما زال يسيطر عليها الطابع الريفي، من أسرع المناطق نموا في ولاية فرجينيا، حيث يهاجر المواطنون من المدن ليعيشوا بالقرب من بحيرة «آنا». ويبلغ عدد السكان بالمقاطعة أكثر من 31.000 شخص، وتبلغ نسبة البيض 79 في المائة مقابل 19 في المائة للسود. ويبلغ جون ثامبسون من العمر 86 عاما، وهو موظف متقاعد، ومع هذا ما زال يعمل في مكتبه في مجال العقارات. والمبنى الذي يمتلكه ثامبسون يقع في طريق صغير أطلق عليه اسم «ممر مارتن لوثر كينج». يقول ثامبسون: «يضايقني أن السود لا ينالون حظهم من الفرص المتاحة، وفي الوقت الحالي يبدو أن الكثيرين من السود يسلكون الطريق الأسهل، فهم يستخدمون المخدرات لكسب العيش بدلا من أن يكسبوا العيش بطريقة شريفة. انظر، هناك الكثير من المواطنين الذين ليست لديهم أية أهداف». لم يتخيل ثامبسون يوما أن السيناتور باراك أوباما سيتمكن من إقناع عدد كاف من البيض بالتصويت له، حيث يقول «يشعر البيض أنهم أسمى من السود، وبصورة أخرى، يعتقدون أنه ليس من المفترض أن يكون أسود رئيسا لهم». ويأتي فيتزجيرالد بارنز من وراء جون ثامبسون. كان بارنز، الذي يبلغ من العمر 44 عاما، مدرب كرة السلة بمدرسة ثانوية محلية حتى بدأ العمل السياسي. انتخب بارنز عضوا في مجلس المشرفين بالمقاطعة عام 1997، وأصبح أول أفرو ـ أميركي في منصب رئيس المجلس عام 2002، وظل في منصبه لمدة ثلاثة أعوام. جلس بارنز في مقهى ينظر في غلافين لمجلتين: كان أحدهما لمجلة «آولد تايم» وعليه صورة لمارتن لوثر كينغ وكان الثاني غلاف عدد حديث لـ«نيوزويك» وكان عن أوباما. يقول بارنز: «أعتقد أنني سأتحدث عن باراك أوباما بنفس الطريقة التي كان يستخدمها أبي وأمي في حديثهما عن مارتن لوثر كينغ».

ويضيف بارنز: «آمال المواطنين كبيرة جدا، فهو يعولون الكثير على أوباما، وأتمنى ألا يحملوه أكثر من طاقته، كأن ينظروا إليه على أنه المخلص أو شيء من هذا القبيل».

كان أبو بارنز قد سمى ابنه فيتزجيرالد على اسم جون فيتزجيرالد كيندي، معتقدا أن اسما كهذا سيكون له وقعه في الصحف. ويرى بارنز أن الانتخابات الرئاسية ستتحكم فيها المعتقدات في الولايات المتحدة، حيث يقول: «بالتأكيد سيكون هناك من يميلون إلى القضايا القديمة، مثل قضية السود والبيض. ولكن في الخريف، سترجح كفة من يمكنه مساعدة المواطنين على أن يحيوا حياة أفضل». وعلى الرغم من أن المعتقدات القديمة قد ماتت بالنسبة للبعض، فما زال هناك من يعتقد بها. ولنستمع إلى جانيس أبركرومبي، التي تبلغ من العمر 69 عاما. تعمل أبركرومبي، وهي امرأة بيضاء، متخصصة بعلم الأنساب، وكانت تدرس في مدارس عنصرية. بعد زواجها عام 1958، انتقلت إلى مقاطعة فيرفاكس، ولكنها عادت إلى هنا عام 1974 مع ابنتها التي كانت تبلغ من العمر 16 عاما، ولكنها وجدت المقاطعة لا تطاق. تقول أبركرومبي: «أعرف كيف أعيش في كلا المكانين، ولكن الابنة تعودت على العيش في مقاطعة فيرفاكس فقط». تسترجع أبركرومبي أنه في يوم من الأيام، في أحد المحال التجارية، حاولت موظفة تخطي امرأة عجوز سوداء كانت في الطابور أمام ابنتها، فهاجمتها ابنتها وتحدثت إليها بقسوة. وتتذكر كيف كانت محبطة، لأن التقدم الذي كان قد حدث في المقاطعة قليل. تقول جاد لورينكو، التي تمتلك مطعما في مقاطعة لويزا افتتح قبل عامين بالقرب من الشاهد التاريخي لـ«لانجستون»، أول مسؤول أسود ينتخب في البلاد والذي كان قد ولد عام 1829 في مزرعة على بعد خمسة أميال من مطعمها. وشعرت جاد لورينكو بالخجل لأنها لم تكن تعلم أي شيء عن لانجستون. وفي المقابل، تعلم لورينكو الكثير عن باراك أوباما، الذي تقف وراءه منذ بداية الحملة الانتخابية. ومع هذا تقر لورينكو أن وقوفها وراء أوباما لا يعتمد على دراسة متأنية لسياساته أو قراءة جادة للانتخابات، فهي مشغولة جدا وليس لديها وقت لهذا حيث تصرف جل جهدها لنجاح مطعمها، ولكنها تقول: «يتحدث أوباما إلى بطريقة ليست لدى غيره من السياسيين». وعلى عكس لورينكو يقف ديبي ووليت، شريكها في المطعم، وراء منافسة أوباما هيلاري كلينتون. من ناحية أخرى، فقد أسرت تجربة السود من لانجستون حتى أوباما، الرسام مارفين تريس. منذ خمس سنوات طلب من تريس أن يرسم لوحة لـ«لانجستون» معلقة في الوقت الحالي في دار القضاء بمقاطعة لويزا. كان تريس يعود من عمله ليتناول بعض الطعام ويأخذ حماما، ثم يبدأ رسم اللوحة، التي هي الآن في دار القضاء بين لوحات أخرى للشخصيات البارزة في فرجينيا، وهي، بالمناسبة، اللوحة الوحيدة لأفرو ـ أميركي. وعندما أصبح من الواضح أن أوباما سيفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، بحث تريس، وهو أفرو ـ أميركي يبلغ من العمر 52 عاما، عن الكلمات المناسبة التي يمكنه التعبير بها عن سعادته ثم قال: «لا أدري هل سيكون كافيا أن أقول أني أشعر بالفخر». تذكر تريس لانجستون وقال: «تمكن البعض من أمثال جون مرسر لانجستون وغيره من تمهيد الطريق لباراك أوباما.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»