أم عراقية: ولداي يتقاتلان مع بعضهما لتصفية حسابات سياسية نيابة عن الآخرين

أحدهما يعمل في قوات الجيش.. والآخر في ميليشيا «المهدي»

جندي عراقي يحرس عددا من المشتبه فيهم عقب اعتقالهم في مدينة بعقوبة امس (رويترز)
TT

لا تزال مناطق متفرقة من العاصمة بغداد خصوصا تلك التي تعتبر مناطق نفوذ لأتباع التيار الصدري وجناحه المسلح المعروف بميليشيا «جيش المهدي» الذي يتزعمه رجل الدين الشاب مقتدى الصدر، تشهد حدوث بعض المواجهات المتقطعة بين قوات الامن العراقية وأفراد من تلك الميليشيا على الرغم من وقف اطلاق النار الذي وقع بين الجانبين، هذا الامر يؤرق عامة السكان وخصوصا اولئك الذين يعمل احد ابنائهم مع القوات الامنية والآخر منخرط مع الميليشيات المسلحة.

ومع استمرار هذه المواجهات المتقطعة فان ام سعد، وهي امرأة في الخمسينات من عمرها في موقف لا يحسد عليه وفي حيرة من امرها لأن ابنيها سعد، 35 عاما، يعمل في قوات الجيش العراقي، فيما يعد ابنها الثاني رعد، 33 عاما، قيادي «جيش المهدي»، يتقاتلان بشكل دائم مع بعضهما داخل المنزل وخارجه بسبب ارتباطاتهما المتضادة.

وتقول ام سعد لـ«الشرق الاوسط» عن هذه المشكلة التي باتت تؤرقها كثيرا «الصراع بين ولدي الوحيدين ابتدأ منذ عام 2004 عندما حصلت المواجهة بين اتباع السيد مقتدى مع قوات الاحتلال وتساندها القوات العراقية في النجف الاشرف، كانت هذه الشرارة الأولى للمشكلة التي تطورت فيما بينهما ووصلت الى درجة التناحر والمشادات الكلامية واحيانا التشابك بالأيادي عند وجودهما داخل المنزل». وتضيف «منذ ذلك الحين وولداي يتقاتلان بالنيابة عن الآخرين الذين يصفون حساباتهم وخلافاتهم الشخصية وصراعاتهم السياسية داخل العراق، فكل واحد منهما ينتمي فكريا وعقائديا الى جهة معينة، فالكبير علماني ولا يحبذ الجماعات الدينية، والآخر ملتزم دينيا وينبذ الافكار التي تدعو الى مواجهة الدين».

وتشير المرأة العراقية التي تسكن حاليا مع ابنها الصغير في احد الاحياء المرتبطة اداريا بمدينة الصدر المعقل الرئيس لأتباع ميليشيا «جيش المهدي»، الى ان ابنها سعد كان يعمل في احد المقرات العسكرية القريبة من الحي قبل المواجهات الاخيرة بين الحكومة والتيار الصدري وكان دائما ما يقوم مع مجموعة من زملائه حسب اوامر قضائية بمداهمة اوكار المسلحين والعصابات واعتقال عدد من المطلوبين غالبا ما يكونوا على علاقة بميليشيا جيش المهدي، وهو ما كان يعترض عليه شقيقه الاصغر بحكم ارتباطه بتلك المجموعة التي كانت تلقي باللوم على أعضائها الذين لديهم أشقاء يعملون مع القوات الحكومية، الأمر الذي يدفعه بعد ان يعود للمنزل الى المصادمة مع شقيقه الاكبر ويطلب منه ترك العمل مع الجيش.

وتوضح ام سعد، وهي موظفة حكومية كانت ترتدي العباءة السوداء، احد الازياء الشعبية المشهورة في العراق، أن ابنها البكر سعد اضطر الى ترك منزل العائلة هو وأطفاله وزوجته بعد تهديدات وصلت اليه من افراد في تلك الميليشيا تخيره بالرحيل عن المنطقة او مواجهة المصير المحتوم المتمثل بـ«القتل» لكل من يعمل مع الاجهزة الحكومية ضدهم، وهو ما دفع بالعديد من افراد الشرطة والجيش في مناطق المواجهة بترك العمل والتهرب من الخدمة.

اما بالنسبة لابنها الاصغر رعد فتؤكد أنه لازال منخرطا في اعمال مع الميليشيا التي ينتمي اليها رغم الملاحقات التي يتعرض لها وجماعته المسلحة من قبل قوات الامن العراقية والقوات الاميركية، وغالبا ما يمكث خارج المنزل نتيجة تلك الملاحقات التي تحصل في أوقات الليل. وتعتبر الأم العراقية الحال التي وصل اليها ابناؤها نتيجة حتمية للصراعات السياسية وحالة تضارب المصالح القائمة حاليا في البلاد، قائلة ان «السياسيين والجهات التي تقف وراءهم تدفع بأبنائنا للقتال فيما بينهم حفاظا على مصالح تلك الجهات او رغبة منها في تحقيق منافع شخصية وحزبية اكبر، وليس تبعا لمواقف تضع مصلحة العراق وشعبه في مقدمتها».

الشقيقان وبحسب والدتهما كانت تربطهما علاقة أخوية حميمة؛ فالكبير كان يعطف على الصغير الذي كان بدوره ينفذ كل ما يطلبه منه شقيقه الاكبر، مؤكدة أنهما ظلا على هذا الحال منذ الصغر ولغاية التغيرات التي حصلت في البلاد بعد عام 2003، حيث تغيرت طريقة تفكيرهما وتفاعلهما مع الأوضاع التي تحدث الى ان وصل الامر بهما في احدى الايام الى التلاسن والشتائم والتشابك بالايادي عندما كانا يتناقشان حول بعض الامور السياسية.