القذافي مهاجما «الاتحاد المتوسطي»: لسنا جياعا والمشروع سيقسم العرب إلى 3 أجزاء

المتحدث باسم الرئاسة المصرية لـ«الشرق الأوسط»: غياب مبارك ليس مقاطعة.. والقمة مغاربية

بن علي والقذافي والأسد وبوتفليقة وسيدي ولد الشيخ عبد الله في القمة العربية المصغرة بطرابلس أمس (ا.ف.ب)
TT

شن الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الذي استضاف أمس في طرابلس قمة عربية مصغرة بحضور رؤساء موريتانيا وتونس وسورية والجزائر إضافة إلى رئيس وزراء المغرب، هجوما حادا على مشروع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزى لإنشاء اتحاد للدول المتوسطية.

وتغيب الرئيس المصري حسني مبارك رغم أن مصر أعلنت قبولها ترشيحها لرئاسة الاتحاد خلال القمة التي ستعقد في باريس في 13 يوليو (تموز) المقبل لتدشينه. وقالت الخارجية المصرية ان الرئيس حسني مبارك دعى الى اجتماع طرابلس لكنه لم يتمكن من الحضور لان لديه ارتباطات اخرى ولم يخطر بالاجتماع قبله بفترة كافية.

ونفى السفير سليمان عواد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن تكون مصر قد قاطعت القمة قائلا: «لا يوجد شيء لدينا اسمه مقاطعة، لكن الرئيس مبارك لديه العديد من الارتباطات وجدول أعماله مزدحم، خاصة بعد عودته من إيطاليا، التي زارها مؤخراً كما أنه استقبل أمس نائب رئيس الحكومة الكويتية، وزير الخارجية الدكتور الشيخ محمد الصباح، ويلتقي اليوم، ورئيس وزراء اليمن الدكتور علي محمد مجور، كما يقوم بزيارة ميدانية لمدينة 6 أكتوبر الصناعية (غرب القاهرة). وعما إذا كان عدم ذهاب مبارك إلى قمة طرابلس يرجع لمشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في هذه القمة رد عواد موضحاً «أن الرئيس بشار كان يقوم بجولة عربية، باعتباره رئيساً للقمة العربية، وقد زار الكويت والإمارات، وتصادفت زيارته لليبيا مع القمة التي عقدت في طرابلس، والتي تعد قمة للاتحاد المغاربي»، وتابع: «لا يجب أن نحمل الأمور أكثر مما تحتمل».

وفي طرابلس أكد القذافي رفضه لصيغة مشروع ساركوزى «الاتحاد من أجل المتوسط»، معتبراً أن هذا المشروع سيقوم على حساب الانتماء السياسي والديموغرافي للدول العربية المطلة على حوض المتوسط للوطن العربي وللقارة الأفريقية.

ولم يعلن القذافي صراحة مقاطعته لقمة باريس، لكن مصادر دبلوماسية ليبية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن الزعيم الليبي لن يشارك فيها اعتراضا على ضم إسرائيل للاتحاد وتجاهل فرنسا لمطالب الدول غير الأوروبية المطلة على المتوسط.

وكان وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير قد أعلن مؤخرا، أن القذافي رفض حضور قمة الاتحاد من أجل المتوسط، بينما وافق الرئيس السوري بشار الأسد على المشاركة فيها، فيما لا يزال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يتردد بالمشاركة.

وكان القذافي قد توقع في منتصف مارس (آذار) الماضي فشل مشروع الاتحاد المتوسطي الذي يدعو إليه ساركوزي «إذا سار في منحى مسيرة برشلونة». يشار إلى أن دول الاتحاد الأوروبي الـ27 قد اتفقت مؤخرا على إطلاق مشروع «الاتحاد من أجل المتوسط» الذي قدمته فرنسا بهدف إعطاء دفعة جديدة لمسلسل برشلونة الذي أطلق في العام 1995 لخلق شراكة بين الاتحاد الأوروبي ودول جنوب المتوسط.

وسبق للرئاسة الفرنسية أن أعلنت أن القذافي أعرب عن «تأييده التام» لمشروع الاتحاد المتوسطي أثناء لقاء مع ساركوزي خلال زيارة الزعيم الليبي إلى باريس في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. لكن القذافي شدد أمس بحضور الرؤساء السوري بشار الأسد والجزائري عبد العزيز بوتفليقة والتونسي زين العابدين بن على والموريتاني سيدي ولد الشيخ عبد الله ورئيس الوزراء المغربي عباس الفاسي، على أن الدول العربية المطلة على المتوسط المستهدفة تنتمي إلى فضاء عربي مظلته الجامعة العربية وإلى فضاء أفريقي مظلته الاتحاد الأفريقي وبالتالي فإنها مرتبطة بآليات ومؤسسات إقليمية واتحادية لا يمكن تجاهلها أو تمزيقها أو المساس بها. وأضاف: «على الجميع حول البحر المتوسط أن ينظروا بعين الاعتبار، نحن دول أعضاء في منظمة إقليمية اسمها جامعة الدول العربية، وعندنا ميثاق، وعندنا التزامات حيال هذه المنظمة ولا نفرط في أي حل لعقدها أو تمزيقها، ونحرص كل الحرص على تماسك هذه المنظمة الإقليمية». وبعدما لفت إلى أن غالبية الدول العربية لا تطل على البحر المتوسط، قال إن هذا يخلق إشكالية بين وجودنا على البحر المتوسط الذي تطرح عليه الآن اقتراحات جديدة، وبين كوننا جزءاً لا يتجزأ من منظمة إقليمية قومية هي منظمة الجامعة العربية. ووجه القذافي خطابه إلى الرئيس ساركوزي، فقال: «على الشركاء أن يفهموا جيدا أننا نحرص على تماسك منظمتنا الإقليمية (الجامعة العربية) التي نطمح أن تقود في المستقبل اتحادا عربيا أو وحدة عربية لأمة واحدة، ولها الأولوية ولا نجازف بتمزيقها بأي حال من الأحوال، وأي شيء يتعارض مع تماسك الجامعة العربية ووحدتها لا نقبله».

وأوضح القذافي أن الاتحاد الأوروبي حرص كل الحرص عند إطلاق مبادرة ساركوزي على تماسكه ورفض أن يتعامل جزء من أوروبا بصورة منفصلة مع دول أخرى وبالتالي فمن حقنا كدول عربية تجمعنا مظلة الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي أن نرفض أن يتم تمزيقنا أو تهميش المؤسسات التي ننتمي إليها.

وأكد القذافي أنه يتعين على الذين يدعون إلى المشاركة معهم في أي فعاليات متوسطية أن ينظروا لهذا بعين الاعتبار، هم قد يتجاهلون هذا، لكن نحن نريد أن نوضح لهم كل التوضيح أننا نحن دول لديها التزامات ولديها إطارات مؤسسية وديموغرافية. وأشار إلى أن الاتحاد الأفريقي لا يقبل لشمال أفريقيا أو لجزء من أفريقيا أن يدخل في أي أطر أخرى، كما أن الجامعة العربية لا تسمح بتمزيق صفها وتحطيم جبهتها.

وحذر الزعيم الليبي من أن يؤدي مشروع ساركوزي إلى تقسيم العرب وتمزيق الجامعة العربية إلى ثلاثة أجزاء: جزء متوسطي، وجزء أفريقي، وجزء آسيوي غير أفريقي وغير متوسطي، معتبرا أنه في هذه الحالة تكون الجامعة العربية قد تحطمت وانقسم العرب. وأضاف: «هذا شيء خطير جدا جدا، ولا يسمح به، وغير مقبول، وليس لنا مصلحة مهما كانت، أكبر من وحدة وتماسك الجامعة العربية، كذلك إن وحدة أفريقيا الديموغرافية، غير مسموح بالمساس بها».

ومع ذلك فقد رحب القذافي بمبدأ التعاون مع أوروبا وقال إنه يعتقد أن الجامعة العربية أو الاتحاد الأفريقي يرحبان بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي على أساس الاحترام المتبادل في قضايا مثل السلام والاستقرار والأمن ومواجهة التحولات المناخية والأمراض المستجدة ولإقامة عالم خال من الإرهاب والعنصرية.

واستهجن القذافي التلويح بالمشاريع الاقتصادية لإغراء الدول العربية المطلة على المتوسط واصفا مثل هذه السياسة بالاستخفاف بالدول العربية، وقال «نحن لسنا جياعاً ولسنا كلابا يلوح لنا بالعظام فنجري وراءها. نحن لسنا فقراء وهم المحتاجون للنفط والغاز والخامات التي تحويها أرضنا». وأضاف أن مثل هذه المشاريع هي مشاريع عابرة، مؤكداً أن العديد من المشاريع المماثلة قد برزت في فترات سابقة غير أنها لم تحقق أي شيء وماتت أو جمدت مثل مشروع الشراكة بين أوروبا والدول المطلة على البحر المتوسط وفكرة دول الجوار لأوروبا ومسيرة برشلونة.

ودعا القذافي أوروبا إلي مشاريع بين الاتحاد الأوروبي وكل من الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي وقال إنه شخصيا يؤيد أي مشروع للتعاون بين الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية غير أنه شدد على رفض أية محاولة لتمزيق العرب مثلما رفضت أوروبا لساركوزي مشروعه في صيغته الأولى واعتبرته تمزيقا لأوروبا. وجدد القذافي التأكيد على أن الجانب الأوروبي تعامل مع هذا المشروع المطروح من جانب واحد فقرر وفصل وطلب منا أن نقبل ونلبس. وقال «إن العاصمة التي تدير هذا المشروع هي بروكسل ونحن لسنا تابعين لبروكسل».

واعتبر أن مشروع ساركوزي يشكل خطراً على الكيان السياسي والديموغرافي للوطن العربي وأفريقيا غير أنه قال في المقابل إنه يؤيد كل صيغة للتعاون بين بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي والقاهرة عاصمة الجامعة العربية وأديس أبابا عاصمة الاتحاد الأفريقي.

وعلى هامش القمة، استقبل الرئيس الموريتاني سيدي ولد الشيخ عبد الله، رئيس الوزراء المغربي، عباس الفاسي. وتناولت المحادثات علاقات التعاون بين المغرب وموريتانيا، والسبل الكفيلة بتعزيزها، إضافة إلى الأوضاع في منطقة المغرب العربي، والجهود المبذولة من أجل الوحدة المغاربية.