الهجرة غير الشرعية.. تجربة إسبانيا قد تفيد أميركا وتدفعها إلى حلّ قضية 12 مليون مهاجر

تشريع وضع المهاجرين يساعد على نهوض الاقتصاد ولكنه يشجع على المزيد من الهجرة

TT

في الوقت الذي تشهد فيه الولايات المتحدة خلافات بسبب دعوات لتشريع أوضاع الملايين من المهاجرين غير الشرعيين، يمكن للأميركيين بحث آثار هذه السياسة بالنظر في الأوضاع في جنوب أوروبا، حيث توجد اعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين وتطبق الحكومات خططا لتشريع اقامتهم. وعلى مدى العقدين الماضيين، طبقت إسبانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان خمسة عشر برنامجا لتشريع أوضاع المهاجرين، وكان من بينها برنامج وضعته إسبانيا منذ ثلاثة أعوام كان من أكبر البرامج في تاريخ القارة الأوروبية. وفي ظل معارضة محلية ضعيفة، شرعت إسبانيا أوضاع قرابة 600 ألف عامل من أفريقيا وأميركا اللاتينية وشرق أوروبا، ساعدوا في النهوض باقتصاد البلاد. ويقول المهاجرون إن هذا ساعدهم على الحصول على رواتب أكبر وأكسبهم راحة البال ومكنهم من جمع شمل الأسر المفككة. ولكن منتقدي هذه السياسة قالوا إن هذا جذب المزيد من المهاجرين غير الشرعيين وحذروا من تراجع اقتصادي يجعل من إسبانيا والأجانب فيها على طرفي النقيض. ومن بين المستفيدين من سياسة تشريع أوضاع المهاجرين غير الشرعيين، إغناسيو كانتوس وساندرا دلغادو، وهما زوجان إكوادوريان، تركا أربعة أبناء وهربا من الأزمة الاقتصادية بحثا عن وظائف بإسبانيا. وساعدتهما سياسة تشريع أوضاع المهاجرين على الحصول على راتب أعلى وأنهت حالة الخوف التي كانا يعيشان فيها من الشرطة. وكان كانتوس قد سُجِنَ من قبل بسبب عدم امتلاكه لأوراق عمل. كما أنهى ذلك الوضع الجديد انفصالهما عن طفلهما الصغير آلان، الذي يبلغ الآن ثمانية أعوام. وتقول دلغادو، التي تبلغ من العمر 38 عاما: «لن أترك أبنائي مرة ثانية. أشعر بالأسف لأنني قمت بذلك في السابق». وكانت العائلة قد تركت ابنها مع جدته عندما كان يبلغ من العمر ثلاثة أعوام. وعلى الرغم من أن الزوجين يفضلان سياسة تشريع الأوضاع، فلديهما رأيان مختلفان فيما يتعلق بالشكوى الرئيسة لمنتقدي هذه السياسة، والتي تقول إن هذه السياسة تجذب المزيد من المهاجرين غير الشرعيين. ويوجد في الولايات المتحدة ما يقدر بـ12 مليون مهاجر غير شرعي، وهو رقم قياسي. وبدأ أول برنامج عفو شامل عام 1987، حين تم تشريع أوضاع 2.7 مليون شخص. واقترح الرئيس جورج بوش خطة متعلقة بالهجرة من المحتمل أن تفتح الطريق أمام بعض العمال لتشريع أوضاعهم. ولكن ذلك لم يتم بسبب الانتقاد من جانب المواطنين الذين يرون أن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الهجرة غير الشرعية. وبدأت أوروبا بتطبيق نحو 20 خطة لتشريع أوضاع المهاجرين غير الشرعيين خلال الـ25 عاما الماضية. وأعطت تصاريح إقامة لنحو أربعة ملايين شخص. وتعد إسبانيا من أكثر الدول التي طبقت برامج لتشريع أوضاع المهاجرين غير الشرعيين، حيث نفذت ستة برامج منذ عام 1985. ومنذ نحو عقد، كان عدد المهاجرين في إسبانيا يمثل 2 في المائة من السكان، ولكن ارتفع هذا الرقم إلى أكثر من 10 في المائة في الوقت الحالي، حيث أتى 40 في المائة منهم من شرق وشمال أوروبا و38 في المائة من أميركا اللاتينية و20 في المائة من أفريقيا. ويرجع هذا إلى الرخاء الذي تشهده إسبانيا أخيرا، والحاجة إلى العمالة والثقافة التقدمية التي تشهدها البلاد بعد فرانكو، واللغة المشتركة مع الأميركيين اللاتينيين، الأمر الذي يقضي على سبب رئيس للتوتر في الولايات المتحدة. ولكن مع تباطؤ الاقتصاد، يبدو أن المواقف تتغير. فنسبة البطالة بين الأجانب وصلت إلى 14.7 في المائة، مقارنة بـ8.7 في المائة بين المواطنين الإسبان. وكذلك فإن نحو 40 في المائة من الزيادة في البطالة بين المولودين لآباء أجانب. ولأول مرة، كانت الهجرة إحدى القضايا مثار الجدل خلال الانتخابات هذا العام، حيث قال زعيم المعارضة في الكونغرس الإسباني ماريانو راخوي، والذي كان منافسا لرئيس الوزراء الحالي خوسيه لويس رودريغيث ثباتيرو، إن برنامج تشريع أوضاع المهاجرين غير الشرعيين الذي نفذ عام 2005 قد جذب المزيد من المهاجرين غير الشرعيين وزاد من معدلات التوترات الاجتماعية. كذلك وفي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الإيطالي من التعثر، تعهد رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني بإجراءات جديدة ضد المهاجرين غير الشرعيين. وعودة إلى كانتوس، وهو أحد 11 طفلا لمزارعين فقيرين، بعد أن أنهى معظم سنوات المرحلة الثانوية، وعثر على وظيفة يقوم فيها بتجميع أقساط التأمين، ولكن في عام 1999، خسر وظيفته عندما دفعت معدلات البطالة المرتفعة بشكل كبير مئات الآلاف من الإكوادوريين إلى إسبانيا، حيث كان يمكنهم الدخول دون تأشيرة. وانضم إليهم كانتوس عام 2001، بعد أن اقترض تذكرة الرحلة من أخته في لوس أنجليس التي كانت سافرت إلى هناك بصورة غير شرعية ولكن تم تشريع وضعها. وعثر كانتوس على عمل بسيط في مدريد، ولحقت به دلغادو بعد تردد. وعاش الاثنان في شقة مؤلفة من غرفتي نوم مع سبعة مهاجرين آخرين. وكانا يشعران بالخوف الشديد وهما ذاهبان للعمل. وظلت دلغادو تعيش في مدريد لمدة عامين عندما بدأت إسبانيا تطبيق برنامج تقنين أوضاع المهاجرين، الذي كان يغطي المهاجرين الذين لديهم وظائف. ومن 570 ألف متقدم، كان ثلث المهاجرين من خمس دول: الإكوادور (21 في المائة) ورومانيا (17 في المائة) والمغرب (13 في المائة) وكولومبيا (8 في المائة) وبوليفيا (7 في المائة). وتقول الحكومة إن العمل غير المرخص قانونا أدى إلى تقليل العوائد الضريبية، وأعطى الموظفين المخالفين للقانون ميزة، حيث تقل تكلفة العمالة. ولكن المسؤولين يقولون إن الهدف الأساس اجتماعي وليس اقتصاديا. ومع ذلك، ظلت هناك خسارة، فالتراجع الذي شهده قطاع التعمير، جعل موريسيو فلسكو، وهو عامل من الإكوادور، عاطلا عن العمل، وهو الآن يحصل على إعانة بطالة. كما أحضر جورج سليناس أمه من بوليفيا، ولكن سرعان ما احتاجت إلى زرع كلى، وهي خدمة توفرها الحكومة دون رسوم. وتحصل أمه مريم فاكا، 70 عاما، على علاج غسيل كلى ثلاث مرات في الأسبوع. وانتقد مسؤولون فرنسيون وهولنديون وألمان نهج إسبانيا، خشية الزيادة في الهجرة غير الشرعية. ويقول بعض منتقدي هذه السياسة في الداخل إن هذا البرنامج قد جذب العمال غير الشرعيين الذين يعيشون في أماكن أخرى داخل القارة الأوربية. وتقول آنا باستور، وهي برلمانية من الحزب الشعبي المحافظ: «يأتون عن طريق البر والبحر والجو، هناك توافد بشكل كبير». ومعظم المهاجرين في إسبانيا، سواء كانوا شرعيين أو لا، مسجلون في سجلات السلطات المحلية للحصول على خدمات مثل خدمة التأمين الصحي. وارتفع عددهم بمقدار 20 في المائة في العام الذي تلا الإعلان عن البرنامج، مقارنة بـ3 في المائة في العام الذي سبق. ويرى لورنزو كاتشون، وهو عالم اجتماع بجامعة الكمبلوتنسي، أن المهاجرين لم يأتوا بالأساس من أجل الحصول على وظائف، ويشير إلى أنه قد تكون برامج تقنين أوضاع المهاجرين هي السبب في زيادة أعدادهم. وخلص تقرير عام 2007 عن مجلس أوروبا، وهي منظمة تضم دولا أوروبية، إلى أن البرنامج الإسباني قد يكون قد جذب بعض المهاجرين، ولكنه أفاد بأن هذا البرنامج يعتبر «تجربة إيجابية يمكن أن تتعلم منها العديد من الدول الأوروبية». وبالنسبة لعائلة كانتوس، فقد أدى البرنامج إلى مشكلة كبيرة له، حيث دفع 1200 دولار إلى أحد المحامين، ورغم ذلك فلم يقدم هذا المحامي طلبا باسم كانتوس الذي اكتشف ذلك فقط عندما أوقفته الشرطة، ولم يعثر على اسمه في قوائم الأسماء تحت النظر، وتم حبس كانتوس لليلة وبدأت الشرطة في إجراءات الترحيل. وبعد أن قامت دلغادو بتسليم الطلب الخاص بها، اكتشفت أن صاحبة المكان الذي تعمل فيه لم توقع عليه، «لأنها كانت تعلم أن دلغادو تريد العودة إلى الإكوادور، ولم تكن تريد السماح لها بذلك». وتمكنت دلغادو من كسب الاستئناف، وتم تشريع وضعية كانتوس كزوج لها. بعد ذلك، ارتفع دخلهما بنسبة 30 في المائة، حيث كان على أصحاب العمل دفع المزيد حتى يضمنوا استمرارهما في العمل ويبلغ ما يكسبه الاثنان في العام 44 ألف دولار، وهو ما يزيد على ما كان يكسبه كانتوس في الإكوادور بمعدل 20 مرة. وبسبب دخلهما لم يستطعا إحضار أطفالهما جميعا إلى إسبانيا، ولكنهما أحضرا الطفل الأصغر، آلان، الذي يخشى كثيرا من أن يفقد أمه مرة ثانية. وفي يوم من الأيام سمع الطفل الأبوين وهما يضحكان بينما كان هو في الحمام. فخرج منه مسرعا ليقول لهما: «أنتما أكثر سعادة عندما لا أكون معكما». وتقول دلغادو: «ما زال يسألنا حتى اليوم: لماذا تركتماني ورحلتما؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»