انتشار الجيش في تعلبايا وسعدنايل حول البلدتين إلى ثكنة عسكرية

«الشرق الأوسط» جالت على مواقع الاشتباكات في البقاع اللبناني

TT

تنحصر بلدتا سعدنايل وتعلبايا في البقاع اللبناني بين مدينة زحلة شمالا لجهة سعدنايل، وشتورا جنوبا لجهة تعلبايا. وتقعان على الاوتوستراد الدولي في اتجاه بعلبك الذي يشطرهما شرقا وغربا. وهما تحتلان منطقة استراتيجية في قلب البقاع الاوسط وتعتبران الشريان الحيوي للمنطقة. تتجاوران بحكم الجغرافيا والموقع، وتختلفان بحكم السياسة فتنقسمان بين موالاة ومعارضة. وبما ان سعدنايل هي مركز ثقل الموالاة فأول ما يطالعك لدى دخولها من جهة زحلة صور عملاقة للرئيس الراحل رفيق الحريري ورئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة مرفوعة على احدى البنايات.

وقد شهدت هذه المنطقة اخيرا حوادث امنية بين ابناء الحي الواحد والشارع الواحد فتحولت الساحات الى مناطق عسكرية متقاتلة فرضت خطوط تماس جديدة تهدأ نهارا بسبب الانتشار الكثيف للجيش اللبناني. وتتوتر ليلا ويسود التوجس والخوف عندما ينسحب. وفي الواقع حوّل الجيش البقاع الى شبه ثكنة عسكرية اذ عزز نقاط تمركزه على الطريق الدولية وداخل احياء تعلبايا.

وكان ليل الاثنين ـ الثلاثاء شهد اطلاق نار في الهواء في منطقة تعلبايا ما حوّل الطمأنينة التي فرضها الجيش الى خوف استدعى تدخله بدوريات مكثفة اعادت الوضع الى طبيعته عند خطوط التماس في «شارع الوحدة» الذي يضم مناصرين للموالاة والمعارضة.

وعلى رغم توقف الاشتباكات، الا ان حالا من الحذر الشديد تخيم على ابناء المنطقة وسط اتهامات واتهامات مضادة.

«الشرق الاوسط» زارت منطقة سعدنايل وخطوط التماس في تعلبايا. واطلعت على احوال سكانها الذين تجمع بينهم صلات الرحم والجوار. اضرار جسيمة لحقت بالسيارات والممتلكات وشبكتي الهاتف والكهرباء. وقامت خطوط تماس تذكر بايام الحرب الاهلية. حطام الزجاج ينتشر في كل مكان. بنايات تضررت في محيط المقابر الاسلامية والمسيحية عند مدخل «شارع الوحدة» نتيجة الاشتباكات العنيفة التي حصلت ليل اول من امس واستخدمت فيها مختلف انواع الاسلحة. الا ان الخارطة الديموغرافية للاهالي لم تتغير. ولم يحصل اي تهجير وان كان البعض يتخوف منه ويقول: «الهدف كان تهجيرنا. الا ان شيئا من ذلك لم يحصل بحكم الجيرة».

وثمة اجماع على ان مرتكبي الاعتداءات ليسوا من ابناء المنطقة، مع ان الشرارة الاولى كانت بين آل دندش والدنا الذين تبادلوا النيران بشكل عشوائي في تعلبايا.

الدكتور حسن دياب طبيب اسنان يملك عيادة في «شارع الوحدة» ومرضاه من سعدنايل وتعلبايا، قال: «ليس ابناء تعلبايا من تسبب بالمعارك التي بدأت بسبب اغراب دخلوا الى المنطقة. وبعد المعارك تبين ان الذين اطلقوا النار مدربون. وجميع الاصابات كانت بسلاح متطور. وحصلت اصابات دقيقة استهدفت البناية التي اسكنها». واعتبر ان «ما حصل يندرج في اطار الحوادث المؤسفة بين اهل واخوة وجيران. ونتمنى الا تتكرر هذه الحوادث».

عاطف دياب صاحب «سوبر ماركت» قال ان «ما حصل شغلة زعران. وللاسف نعيش منذ ثلاثة ايام تحت رحمة الزعران. لو قام الجيش باعتقالهم لارتاح الوضع». واضاف: «الجيش يخرج من المنطقة ليلا ويدخل اليها نهارا. في النهار يستتب الامن، وفي الليل تدب الفوضى ويحصل اطلاق نار. وما اتمناه هو الهدوء، فنحن اقارب بالارحام، كلنا ابناء وطن واحد ودين واحد».

اسامة الحشيمي ـ سائق شاحنة ـ يقول: «الوضع غير جيد وفي لحظة تتغير الامور. للاسف، ننسى كل شيء عند اول مشكلة ونتحول من اقارب الى اعداء وعقارب. في النهار نتصالح وفي الليل نتقاتل. وللحظة نتعرض للقتل بسبب امور تافهة. الجيش يقوم بواجبه على اكمل وجه. ويحصل امن بالتراضي. واساس المشكلة ازالة الاعلام والصور».

نزيه الجدوع صاحب «سوبرماركت» في «شارع الوحدة» قال: «ما حصل فتنة لا يريدها احد وتفرض علينا فرضا من بعض الناس الذين، للاسف، يلبسون عباءة الاحزاب. ويجب على حزب الله التفكير جيدا في ان يخرج هذه المجموعات غير المنضبطة من صفوفه. ونحن نعرف حزب الله في السابق كان من اشرف المقاومين وقدم الاف الشهداء لمقاومة الاحتلال. وهذا عمل بطولي وكل الناس تشهد له. وانا كنت من اول الداعمين والمؤيدين ماديا ومعنويا. اما الان فقد تغيرت الصورة في ذهني من خلال هذه المجموعات التي يمكن انها لا تنتمي الى هذا الحزب ولكن تستعمل هذه الصفة. ونناشد جميع الشرفاء في الحزب الانتباه الى ما يحصل وارجاع الصورة الباهية الى الحزب».

وتابع الجدوع: «نحن في هذه البلدة سنة وشيعة اخوة. بيننا قرابة نسب وزواج وصلة ارحام. وما حصل مؤسف». وطالب الجيش بان «يضرب بيد من حديد المخلين بالامن الى اي جهة انتموا لان بنادق المقاومين يجب ان توجه الى العدو وليس الى الداخل اللبناني. وعندما تتوجه الى الداخل تسقط. ونناشد رئيس الجمهورية بصفته الرئيس الاعلى للقوات المسلحة ان يصدر اوامره للجيش اللبناني من اجل منع التعديات وردع الاشخاص الذين يحاولون ايجاد مربعات امنية جديدة بين الاهل والجيران».

اسعد كريدي (صيدلي) دعا الجيش الى «حسم الموضوع». وقال: «اذا لم يحسم الموضوع بسرعة كل العالم ستتسلح وتلغي دور الجيش. وما يفعله الجيش اليوم هو غناج. ويجب ان يحاسب كل شخص اطلق رصاصة. انا لست مستعدا لان اشتري سلاحا لاقاتل جاري وأخرب بلدي».

وعلى صعيد ذي صلة، قال مفتي زحلة والبقاع الشيخ خليل الميس، عقب اجتماع لفاعليات المنطقة، «تنادى نواب المنطقة الدكتور عاصم عراجي وجمال الجراح واحمد فتوح ورؤساء بلديات المنطقة وفاعلياتها للاجتماع في ازهر البقاع لاستنكار ما حدث ويحدث في منطقة تعلبايا وسعدنايل، هذا الاعتداء المزعج للامن وللمواطنين جميعا».

واضاف: «لقد تنادى الجميع لان نتعالى فوق جروحنا وان نعمل على وأد الفتنة في مهدها».