في مصر.. الكل يرشدك إلى الطريق حتى لو كان خطأ

قيم الكرم والشرف في المجتمع المصري تعلو على الدقة والصواب

TT

وقف عماد رفعت أمام ورشته، وقد امتلأت يداه بالشحم يشير إلى الطريق من دون أن ينظر إليه. قال عماد: «تعال هنا، اذهب إلى اليمين، خذ أول منعطف على اليمين، وستجد شارع صلاح الدين». ـ «هل أنت متأكد؟»

*«متأكد؟ طبعا متأكد». ومع هذا لم يكن محقا، فالطريق الذي وصفه كان خطأ. شعر عماد، الذي يبلغ من العمر 28 عاما بالخجل عندما سئل عن السبب الذي دفعه إلى وصف الطريق بهذه الصورة الخطأ، وقال: «كنت أريد المساعدة. كنت سأقول لك اسأل بائع الزهور، فهو يعرف كل الشوارع في المنطقة».

التجول في مصر تحد كبير. ليس بسبب اختلاف اللغة، ولكن بسبب اختلاف الثقافة والقيم والعادات. فقد يكون كوم من النفايات شيئان قذر بالنسبة للأجنبي الذي يتجول في مصر، ولكنه يعد سلعة للفقراء الذي يعيدون تدوير واستخدام كل شيء. في مصر، من الطبيعي أن يخبرك شخص عن مكان شيء، ويكون الوصف خاطئا. وليس السبب وراء ذلك هو أن المصريين مؤذون، ولكن إذا طلبت منهم المساعدة، فهم يشعرون أن عليهم التزاما بتقديم المساعدة، حتى لو أرسلوك إلى مكان خطأ. ويرى علماء الاجتماع والسياسية والمثقفون أنه يجب استخلاص درس من هذه الفوضى، فيجب التأكيد على السياح كي يأخذوا معهم خارطة للطرق هناك. كما أن هناك توترا في العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر، فالجميع، بدءا من رجل الشارع العادي حتى الرئيس، يشعر أن الولايات المتحدة تحتقر المصريين. وليس الأمر مرتبطا بغزو العراق، أو الشعور بمحاباة إسرائيل أو انتقادات واشنطن لغياب الديمقراطية في مصر. يرتبط الأمر بما يراه المصريون على أنه فشل في فهم طريقة تفكيرهم، وطبيعة قيمهم، حتى لو كان من هذه القيم تضليل من يسأل عن أي مكان. تعلو قيم الكرم والشرف في المجتمع المصري على الدقة والصواب. فهناك نوع من التمويه العاطفي الذي يستتر وراءه المصريون ليعيشوا في هذه الأيام. فالسائقون يتصرفون كما لو لم يكن هناك شخص آخر في الطريق، ولكنهم دائما ما يبتسمون ويلوحون بأيديهم بعد أن يحدث اصطدام. يقول حمدي طه، وهو رئيس جمعية «كرم الإسلام» وأستاذ الاتصالات بجامعة الأزهر: «حتى لو وصف لك أحدهم طريقا خاطئا، فهو يشعر أنه قام بما يجب عليه القيام به، هو لا يرى أنه ضللك، بل ساعدك. خطأ أم صواب؟ هذا أمر نسبي».

حتى مع الأفراد الذين تتوقع أن يكونوا مع أميركا، تجد الوضع مختلفا. خذ على سبيل المثال، غادة شهبندر، وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان وتسعى إلى دفع الحكومة المصرية كي تكون أكثر ديمقراطية وانفتاحا وأقل قمعا، ولكنها غضبت من تصريحات الرئيس بوش خلال الشهر الماضي والتي كانت في المنتدى الاقتصادي الذي عقد بشرم الشيخ. صعد الرئيس بوش إلى المنصة، وهناك ضعف في مصداقيته لدى العرب، وكان هذا باديا. ولكن كانت الانتقادات غير المباشرة للأوضاع السياسية في مصر سببا في موجة من الاحتجاجات. ويرى كل من طه وغادة أن المواطنين شعروا بالغضب لأن الرئيس بوش وقف في مصر وانتقدها. تقول غادة: «نحن شعب عاطفي، وانتقاد النظام الذي يمثلنا، سواء كنا على اتفاق مع هذا النظام أم لا، يثير مشاعر سلبية».

وكان الشارع المصري والمسؤولون المصريون يحترمون السفير الأميركي السابق، فرانسيس ريكاردوني، لأنه كان يتحدث بنفس الطريقة التي يتحدثون بها، حيث كان يسرف في الثناء والإطراء على ضيوفه، ولكن ذلك وضعه في مشكلة في بلده. ففي فبراير (شباط) 2007، كانت هناك مقابلة تلفزيونية مع السفير قال فيها: «مصر اليوم مختلفة عن تلك التي كانت في الثمانينات، سواء من الناحية الاقتصادية أم السياسية». قال ذلك في وقت كان من الواضح أن الحكومة تتراجع فيه عن الإصلاحات السياسية. وأضاف: «هناك مزيد من الحرية».

وكانت النتيجة أن تعرض السفير لانتقادات شديدة في الولايات المتحدة لأنه بدا كمدافع عن الحكومة المصرية. وقد انتهت مدة عمله في مصر فجأة، وغادرها الشهر الماضي. تقول غادة: «أحبه معظم المصريين لأننا كنا نرى أنه يحبنا».

يريد المصريون الديمقراطية، وتحدث الرئيس بوش عن الديمقراطية، ومع هذا لا يبدو أن الديمقراطية تحمل نفس الدلالة لدى الطرفين. يقول مجدي محمد، وهو طالب في كلية الهندسة ويبلغ من العمر 22 عاما: «إذا كانت الديمقراطية ستجلب لنا الطعام، يمكننا أن نتحمل».

يقول مجدي وآخرون مثله إنهم يريدون العدالة وحكم القانون وألا يكونوا ضحايا لنظام يربط الفرصة بالمعارف والقدرة على دفع الرشوة. لم يتحدث مجدي عن انتخابات نزيهة.. «هذا ما تقومون به في أميركا، ولكن رؤساءكم ليسوا أفضل حالا من رؤسائنا». في مرات عديدة فوجئ مسؤولون أميركيون بالعديد من الأشياء الصغيرة في منطقة الشرق الأوسط، فعندما قامت الولايات المتحدة بتكوين قوة شرطة في العراق، اشترى المسؤولون زيا موحدا وقبعات كتلك التي يرتديها لاعبو البيسبول. ولكن العراقيين غضبوا وشعروا بالخجل لأنهم يرتدون قلنسوات وليس تلك القبعة. هذا النوع من الافتراضات ـ اي ان كل الشعوب تريد ان تحررها اميركا وتريد ان تعيش كالاميركيين ـ يمكنها ان تثير غضب الكثيرين. المصريون قد يرشدونك الى الطريق الخطأ، ولكن فقط إذا سألتهم اي طريق تسلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»