بعد عام من سيطرة حماس على غزة.. فشل الوساطات لاستعادة الوحدة الفلسطينية تدهور الأوضاع يثير جدلا حاميا بين أهالي القطاع

TT

لم يجد سائق سيارة الأجرة بد من التدخل لمحاولة وقف الجدال الذي احتدم بين ركاب سيارته السبعة حول تقييم كل منهم لواقع قطاع غزة منذ سيطرة حركة حماس عسكريا على القطاع في 14 يونيو (حزيران) 2007. الجدل احتدم بعدما أبدى احد الركاب تبرمه لأن الغاز المعدل لطهو الطعام نفد من بيته منذ أسبوع، الأمر الذي دفعه وأسرته لاعتماد المعلبات في وجبات الطعام، متهماً حماس بالمسؤولية عن «الأوضاع المزرية» التي يعيشها القطاع في ظل الحصار الذي تفرضه إسرائيل، معتبراً أن المسؤولية تقتضي أن تتخلى حماس عن حكم القطاع من أجل توفير ظروف معيشة مناسبة للناس. لكن هذا لم يعجب راكبا كان يجلس في الكرسي الخلفي، واعتبر أن الحصار فرض على غزة لرفض حماس التنازل عن الحقوق الوطنية. وما أن أكمل هذا الشخص حجته حتى انبرى له راكب آخر، متسائلاً عن الحكمة في «الممارسات القمعية» التي تقوم بها أجهزة حكومة حماس الأمنية ضد نشطاء حركة «فتح»، فما كان من راكب آخر إلا أن ذكره أن عناصر فتح في قطاع غزة «يعيشون في جنة» مقارنة مع ما يتعرض له نشطاء حركة حماس في الضفة الغربية على ايدي الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن). هذا الجدال القائم على المقارنات بين تجربتي الحكم في غزة ورام الله هو سمة عامة للنقاشات التي يخوضها الفلسطينيون في مجالسهم الخاصة، سيما مع قرب حلول الذكرى الأولى لسيطرة حماس على القطاع بعد معارك طاحنة أسفرت عن مقتل المئات من الطرفين، التي ستحل بعد غد السبت. فلا تزال مشاهد العنف المتبادل بين فتح والأجهزة الأمنية من جهة، وحركة حماس والقوة التنفيذية ماثلة للعيان أمام مئات الآلاف من الفلسطينيين. فهذه المواجهات اندلعت على خلفية اتهام حماس لبعض القوى داخل حركة فتح والأجهزة الأمنية بالعمل وفق مخطط إسرائيلي ـ أميركي لإسقاط حكومتها، في حين كانت فتح تتهم حماس بالسعي لإعادة صياغة السلطة الفلسطينية ومؤسساتها بما يضمن سيطرتها المطلقة عليها. هذه الاتهامات أوجدت حالة من انعدام الثقة بين الجانبين رافقها مظاهر فلتان أمني، فسر من قبل حماس على أنه مؤشر آخر على رغبة الأجهزة الأمنية في افشال تجربتها. واندلعت المواجهات المسلحة في مطلع 2007، بعمليات اختطاف وتصفيات متبادلة، تركزت بشكل أساسي في مدينة غزة وشمال القطاع، لتتوقف في مطلع فبراير (شباط) 2007 مع بدء لقاءات مكة بين قادة الحركتين، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، التي انتهت بالتوقيع على اتفاق مكة.

وشكلت حكومة وحدة وطنية بموجب هذا الاتفاق، ما لبثت أن شلت عندما اندلعت المواجهات مجدداً بين مسلحي الطرفين، التي انتهت بتنفيذ كتائب عز الدين القسام ـ الجناح العسكري لحماس، خطة للسيطرة على جميع مقار الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، وهي العملية التي بدأت فجر 12 يونيو (حزيران) 2007 وانتهت بعدها بيومين اي في 14 من الشهر عندما سيطر مقاتلو حماس على مقر الرئاسة الفلسطيني في الرمال الجنوبي (المنتدى)، في الوقت الذي كان فيه المئات من قادة وعناصر الأجهزة الأمنية وكوادر فتح، قد فروا صوب الحدود مع مصر وإسرائيل.

أبو مازن من جهته رد بعدة خطوات دراماتيكية تمثلت في اقالة حكومة الوحدة بقيادة إسماعيل هنية وتشكيل حكومة تصريف أعمال برئاسة سلام فياض وإخراج مؤسسات حماس المدنية عن إطار القانون وإغلاقها الى جانب شن حملات اعتقال طالت المئات من نشطاء الحركة.

في المقابل شنت اجهزة الحكومة المقالة في غزة عمليات اعتقال طالت نشطاء فتح بتهمة تنفيذ عمليات تفجير، ووصل الأمر الى حد عرض حكومة هنية اعترافات مصورة لنشطاء في حركة فتح اعترفوا بأنهم كانوا يعكفون على مخطط لاغتيال هنية، وأن الذي كان يشرف على هذا المخطط هو أمين عام الرئاسة الفلسطينية الطيب عبد الرحيم. وفشلت كل الوساطات حتى الان على إعادة الطرفين الى الحوار للتخلص من الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية. واخذ معظم هذه الوساطات الطابع المحلي، وبعضها الطابع العربي. فبعد شهر من سيطرة حماس تقدمت قوى بوساطة، رفضت من قبل حماس لأنها تدعو لتراجعها الحركة عن سيطرتها على غزة.

وطرحت مجموعة من رجال الأعمال الفلسطينيين مشروع وساطة يقوم على تشكيل حكومة تكنوقراط تكون مهمتها فك الحصار والإعداد لانتخابات جديدة، لكن حماس اعتبرت أن المبادرة تمثل «بالون اختبار»، من قبل ابو مازن لمعرفة حدود هامش مرونة الحركة في كل ما يتعلق بشروط حل الانقسام الداخلي.

في نفس الوقت فتح مستشار مجلس الامن القومي الأسبق جبريل الرجوب قناة اتصال مع عدد من قادة حماس في الداخل والخارج، في محاولة لوضع صيغ توافقية، لكن هذه الجهود لم تنجح. بينما أجرى ممثلو عن حماس وفتح في الخارج عدة لقاءات في دمشق تحديداً وبيروت للتوصل لحل للانقسام. لكن هذه الجهود لم تنجح أيضا. وجاءت مبادرة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، فتحفظت حماس على بندها الأول الذي يدعو لإعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل السيطرة العسكرية، حيث فسرت الحركة هذا البند على أنه دعوة لتسليم مؤسسات السلطة أبو مازن، دون أن يكون الأخير مطالب بالتراجع عن الخطوات التي أقدم عليها، وتحديدا تشكيل فياض. ودفع تحفظ حماس الرئيس صالح الى دعوة ممثلين عن الحركتين لبحث المبادرة مجدداً حيث تم التوقيع على سمي بإعلان صنعاء من قبل رئيس كتلة فتح في المجلس التشريعي عزام الأحمد ونائب رئيس المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق، الذي ينص على الحوار لحل الانقسام. وظل إعلان صنعاء حبرا على ورق. لكن أكثر المحاولات المحلية جدية لوضع حد للانقسام الداخلي بدأت قبل ثلاثة اشهر، حيث ناقشت شخصيات من فتح وحماس وقائمة من لمستقلين سبل حل الانقسام، وقامت ببلورة صيغ توافقية لجسر الهوة بين الجانبين، وأهم ما تم التوصل اليه كان تشكيل حكومة جديدة لا تتزعمها حركة حماس. وحسب الذين شاركوا في هذه الجهود فقد كان العائق الأساسي للتوافق على هذه النقطة هو مطالبة أبو مازن بأن تلتزم الحكومة الجديدة بالتزامات السلطة الفلسطينية وتحترم الاتفاقيات مع إسرائيل. ويرى الكثيرون أن المحاولة الأخيرة هي التي دفعت ابو مازن عشية الذكرى الـ41 لحرب 5 يونيو (حزيران)، لإعلان دعوته للحوار مع حماس برعاية عربية على أساس تطبيق بنود المبادرة اليمنية.

لكن الكاتب الفلسطيني هاني المصري يعتقد أنه لا يمكن نجاح الحوار بين الحركتين إلا بعد أن تعترف فتح بفشل خيار المفاوضات وعدم مقدرتها على عزل حماس، واعتراف حماس باستحالة الجمع بين الحكم والمقاومة.