حبيب المالكي لـ«الشرق الأوسط»: يجب تحويل حزبنا إلى مؤسسة وإبعاد الجانب التنظيمي عن الصراع

المرشح لأمانة الاتحاد الاشتراكي المغربي: الأمين العام يجب أن يكون رجل الميدان.. والمسافات

الحبيب المالكي
TT

قال حبيب المالكي عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي، وأحد المرشحين للامانة العامة للحزب، الذي يعقد مؤتمره الثامن اليوم في بلدة بوزنيقة بضواحي الدار البيضاء، إن السباق على اعلان الترشيحات للامانة العامة، قبل انعقاد المؤتمر، وبدون توضيح لقواعد اللعبة، كان له أثر سلبي على الاشغال التحضيرية للمؤتمر، مشيرا الى انه تم اختزال الاشغال التحضيرية للمؤتمر في اسماء وكلاء اللوائح.

وقال المالكي، انه كان ضد الاعلان عن الترشيح قبل انهاء مسلسل التحضير للمؤتمر، وانه انتظر انتهاء الدورة العادية للمجلس الوطني للحزب يوم الاحد الماضي، ليعلن عن ترشيح نفسه للامانة العامة. واضاف في لقاء مع «الشرق الأوسط» ان هناك مطلبا قويا لتطوير الآليات التنظيمية الحزبية، يتجلى في ضرورة اختيار منهجية تضمن الشفافية وتكافؤ الفرص، نظرا للتجارب التي عاشها الحزب في الماضي، معتبرا ذلك مطلبا مشروعا، بيد انه تساءل الى أي حد سيعالج هذا المطلب الجديد، الاشكاليات المطروحة داخل الحزب؟ وبعد ان اشار الى ان ذلك يتطلب وقتا طويلا، اوضح ان تحولا عميقا في المجال التنظيمي بهذا الحجم، لا بد أن يحظى بتوافق حتى يكون التطبيق سليما.

وشدد المالكي على القول: «انا مع التوافق أي الاتفاق على المنهجية الجديدة في مجال التنظيم، في كل ما له علاقة بأجرأة نمط الاقتراع باللائحة لنجعل منها اداة لتوحيد الحزب، ولتماسك القوى داخله، وايضا لتصبح اداة لتوطيد الديمقراطية الداخلية». واضاف ان الهدف الاساسي من ذلك هو جعل الاتحاد الاشتراكي مؤسسة وليس حزب اشخاص. وقال: «اذا اردنا استمرار الحزب فلا بد من تحديثه على مستوى الحكامة الجيدة، وتنظيم علاقاته الداخلية لتصبح علاقات مؤسساتية، وليس لها علاقات بين اشخاص». وحث على عدم جعل التنظيم موضوع صراع، ولكن اطارا للتبارز الفكري والسياسي. وبمعنى آخر، يقول المالكي، ان منطق اللائحة مرتبط بشرعنة التيارات، ذلك انه لا يمكن التعامل مع نظام اللائحة من دون تيارات. وبشأن المواصفات التي يجب ان يتحلى بها الأمين العام المقبل، قال المالكي انه يشترط ان يتحلى بالشرعية، بمعنى ان الديمقراطية الداخلية تبقى مهمة، وقاعدة جديدة اساسية، بقدر ما ان الشرعية الشعبية تشكل شرطا وقيمة مضافة اساسية، باعتبار ان الأمين العام هو الذي يقود الحملات الانتخابية وخاصة التشريعية، فالحملة الانتخابية لكي تكون قوية، في نظر المالكي، يجب ان يخضع الأمين العام لنفس الامتحان.

ويرى المالكي، ان الشرعية الشعبية هي السند الحقيقي للشرعية الديمقراطية الداخلية، مشيراً الى ان الأمين العام للحزب يجب ان يكون رجل الميدان، ومستوعبا للواقع المغربي على المستوى المحلي، كما يجب ان تتوفر فيه مواصفات من ضمنها القدرة على التواصل والإقناع، وجعل العلاقة مع المناضلين علاقات سلسة، وبالتالي القدرة على التعبئة، وهذا ما يحتم على الامين العام المقبل التواضع، وتجميع الآراء، ليبلور الموقف الذي يساعد على انخراط الجميع فيه، وتجعله يكون مفترق طرق للاجيال الحالية، لكن من موقع يساعده على بلورة خطاب قوي وذي مصداقية. وأضاف: «أن الأمين العام المقبل يجب ان يكون رجل المسافات، نظرا لأن قوة الاتحاد الاشتراكي تكمن في مصداقيته واستقلالية قراره، بعيدا عن كل التأثيرات المباشرة وغير المباشرة، وبعيدا كذلك عن كل الضغوطات كيفما كانت»، مكتفيا بالاشارة الى ان عبد الرحيم بوعبيد الأمين العام الاسبق الراحل، كان رجل المسافات. ويعتبر المالكي، نفسه، واحدا ضمن ما سماه «الجيل التركيبي»، الذي يستمد ثراثه وأفكاره من بعض القيادات التاريخية للحزب من قبيل المهدي بن بركة، وعبد الرحيم بوعبيد، وعبد الرحمن اليوسفي، مشيراً الى ان مرشحا من هذا الصنف سيجد كل واحد في الحزب نفسه فيه، لأنه حامل لثقافة التغيير، انطلاقا من الاستجابة لمطالب القوات الشعبية، في جميع المجالات، خاصة الجيل الجديد المعبر عن مفهوم جديد للقوات الشعبية.

وفي سياق ذلك، قال المالكي: «هذا ما اعتبره مسألة أساسية تميزني عن المرشحين الآخرين». واضاف انه يعتبر القضية النسائية «محورية في المشروع الذي ادافع عنه، لسبب بسيط هو انه لا يمكن انجاح التغيير، واعطاؤه المحتوى الذي يساعد على فتح افاق جديدة، بدون اعطاء المرأة الموقع الطبيعي الذي تستحقه». وبالتالي، يقول المالكي، فإن من اهم ما سيتقدم به هو «وضع خطة من اجل تحقيق المناصفة بين الرجل والمرأة في القيادة الحزبية في افق 2015». واضاف: «هناك طرح آخر لا يقنعني، مفاده أن المناصفة بين الجنسين تأتي نتيجة لتطور المجتمع، ذلك ان قرارات من هذا القبيل هي التي ستخلق دينامية في المجتمع». وأوضح: «عندما اتحدث عن 2015 ربما نصل الى نسبة 35 او 40 في المائة، وهناك توجه في المؤتمر الثامن لتطبيق المناصفة بنسبة 30 في المائة»، مشيرا الى انه سيطبق المناصفة في لائحته اذا صادق المؤتمر على هذا المبدأ.

وقال المالكي ان حزبه يؤمن بالمساواة، لأنه حزب اشتراكي ديمقراطي، وهذا ما سيجعله يسترجع هويته، التي فقدها في السنوات الأخيرة، ذلك ان التميز الذي كان يميز الحزب اصبح باهتا. وبالتالي، يرى المالكي، لا بد من وضع اختيارات جريئة «لاسترجاع واعطاء مصداقية لاختياراتنا واستعادة هويتنا». وفي سياق حديثه عن «من نحن؟»، ألح على ضرورة اعادة الاعتبار للفكر والمعرفة، باعتبار ان المجتمع يجب ان يتأسس على فكر قوي، ومفاهيم دقيقة ومقاربات تساعد على استيعاب كل التحولات، وبذلك لن يختزل التغيير في بعده التقني وبعده التدبيري. واشار الى ان الحزب عاش مرحلة تميزت بفقر فكري ومعرفي شديد، بعدما كان معروفا بقدرته على الانتاج فكريا ومعرفيا ومفاهيميا، وهذا ما جعل النخبة تبتعد عنه، يلاحظ المالكي.

وبخصوص مسألة البقاء في الحكومة او الخروج منها، قال المالكي، وهو ايضا وزير سابق للزراعة والتربية والتعليم: «لم نصل بعد الى مشكلة السلطة أي هل نظل فيها ام نخرج منها»، مضيفا ان الوضوح الفكري والسياسي هو الذي يساعد على بلورة حلول وبدائل مناسبة لكل القضايا المطروحة. ذلك انه عندما يكون هناك غموض فكري، فان ذلك ينعكس على مستوى العمل السياسي والتوجهات السياسية. وبمعنى آخر، يقول المالكي، فإن الوضوح الفكري مرادف للوضوح السياسي.

وابرز المالكي انه من نفس المنطلق، يجب ألا ننسى ان الرجوع الى المساواة واعادة الاعتبار للفكر والمعرفة، والبحث عن وسائل لها قدرة على معالجة كل القضايا التي ادت الى نوع من الاختناق داخل المجتمع في مختلف المجالات. ولتجاوز مرحلة الاختناق، يقول المالكي، لا بد من اعادة النظر في توزيع السلطات، فمن شأن ذلك اضفاء الفعالية والمصداقية على المؤسسات، خاصة ان هذا المطلب ليس حزبيا بل هو مطلب وطني، اذ ان جميع الاحزاب تطالب بإصلاحات دستورية، واهم مدخل لتلك الاصلاحات توفير شروط جديدة لإعادة توزيع السلط، يقول المالكي، هو الجهوية. ويرى المالكي ان تقوية الديمقراطية المحلية لا يمكن ان تتم الا عبر اعطاء صلاحيات للجهات، كما ان توطيد الوحدة الوطنية لا يمكن ان يتم الا عبر جهوية متقدمة، مشيراً الى ان ما اقترحه المغرب في افق حل قضية الصحراء (الحكم الذاتي) يشكل إحدى ركائز الجهوية كاختيار وكاسلوب مساعد على تعميق اللامركزية في البلاد. وهذا، في نظر المالكي، سيساعد على اعطاء معنى سياسي جديد لمشاركة الحزب في الحكومة. وقال: «مشاركتنا الآن في الحكومة، لا احد يعبر عن ارتياحه ازاءها نظرا لطبيعة تشكيلتها الحالية، وهو ما ادى الى اتخاذ الحزب لموقف جديد في الممارسة السياسية المغربية أي «المشاركة النقدية». ومن هنا، يضيف المالكي، تأتي اهمية التسريع بالاصلاحات، قبل ان يضيف انه مقتنع بأن هذا المسلسل الجديد سيعطي نفسا ومعنى لوجود الحزب داخل الحكومة. وحول الأولويات التي يجب ان يشتغل عليها الأمين العام المقبل للحزب، قال المالكي ان هناك عدة اولويات ضمنها تمتين الوحدة الداخلية، التي يعتبرها من اهم الرهانات، مشيرا الى انه لا بد من اتخاذ كل المبادرات لاعطاء الفرصة لكل من غادر الحزب او جمد عضويته فيه، للرجوع الى البيت الاتحادي، فإن يصبح بيتا لكل الاتحاديين، مسألة اساسية ومؤشر قوي. وتابع: «يجب ايضا ان نشعر الجميع باننا لسنا حزبا بدون هوية، فنحن قبل كل شيء حزب يساري، ويجب ان نتموقع كحزب يساري، وهذا يفرض على الاتحاد الاشتراكي في الفترة المقبلة، ان يسرع في مسلسل التنسيق بين كل مكونات اليسار، والعمل في افق احداث قطب يساري قوي». واوضح المالكي ان كل ذلك «سيساهم في اعادة هيكلة المشهد السياسي في بلادنا»، وهو مشهد، في نظره، متموج وليس واضحا. وذكر المالكي «انه يجب ترك تاريخ الانشقاقات الحزبية وراءنا، وان الجميع وصل الى مستوى من النضج تجسيدا لارادة جديدة»، مشيراً إلى أن الجميع أدوا ضريبة النزف الداخلي لليسار، وبالتالي اصبحوا مقتنعين بضرورة تجاوز هذا الوضع، لأن ضعف اليسار عنصر يساعد على عدم استقرار الاوضاع العامة في البلاد، يستنتج المالكي. وبشأن نظرته للانتخابات البلدية المزمع تنظيمها العام المقبل، أشار إلى ضرورة إصلاح الميثاق الجماعي (قانون البلديات) في اتجاه عقلنة تدبير الشأن المحلي من خلال اعادة توزيع الخريطة الانتخابية، وتقسيم المدن وخاصة المدن الكبرى، مشيرا الى ان تجربة الرباط والدار البيضاء لم تعط كل الثمار. ودعا إلى إعطاء صلاحيات جديدة للمجالس الجهوية (مجالس المناطق)، باعتبار ان وصاية الولاة والمحافظين على تلك المجالس من خلال كونهم آمرين بالصرف، وصاية قوية. وشدد على أن اصلاح الميثاق الجماعي ورش كبير يجب ان ينطلق العام المقبل.

إلى ذلك، قال المالكي انه يعتبر ان المغرب يفتقد الى رؤية استراتيجية شمولية ومندمجة في المجال الاقتصادي، ودعا الى نهج سياسة اقتصادية ومالية جديدة ومرنة تروم بالاساس تقوية التماسك الاجتماعي. وأشار إلى وجود مخططات قطاعية في مجالات السياحة والصناعة والصناعة التقليدية وغيرها من القطاعات، بيد انه ابرز انه لا يوجد ربط في اطار النظرة الشمولية للمخططات القطاعية، وهذا يحتم، في نظره، الرجوع لاعادة الاعتبار للتخطيط من منطلق منظور جديد، وهذا ما سيجعل المغرب متمكنا من الوسائل التي تساعده على استشراف المستقبل، ووضع جميع الآليات لتقويم الاختلالات القطاعية ومعالجتها من منظور شمولي. ولاحظ ان الحكومة تلجأ الى مكاتب الدراسات الدولية من اجل وضع مخططات قطاعية (الصناعة والفلاحة)، بمعنى ان هناك استبدالا للتخطيط واستلابا ايضا.

وفي سياق ذلك، يرى المالكي وجود نوع من الوصاية الجديدة بشأن وضع التوجهات العامة للقطاعات في المغرب. ووصف تلك الوصاية بأنها «خطيرة جدا»، لأنها في نظره، وصاية فكرية وسياسية، مشيرا الى ان هذا التوجه لم يطالب به احد حتى اليوم. ودعا المالكي الى ضرورة مراجعة وظائف الموازنة العامة التي جعلت التوازنات من المقدسات والثوابت. وقال «نعم للتوازنات، لكن ليس تلك التي تؤدي الى تعميق الفوارق الاجتماعية، وتوسيع دائرة الفقر، اذ لا بد من سياسة مالية ارادية تجعل من التوازنات اداة لتسريع وتيرة التنمية ومحاربة الفقر والحد من الفوارق الاجتماعية». وشدد المالكي على القول انه من الصعب ان يمارس المغرب نفس السياسة التي تمارسها الدول المتقدمة في المجال المالي، وخاصة في كل ما له علاقة بالتماسك الاجتماعي.