العمال الهنود في الولايات المتحدة.. وفخ شركات التوظيف

رفعوا شكوى على مروِّجي الإعلانات الكاذبة وطالبوا بمنحهم البطاقة الخضراء

TT

منذ عامين، كان فيجياي كومار يعمل في الإمارات العربية المتحدة لحاما، بعيداً عن زوجته وأسرته في جنوب الهند، عندما لفت انتباهه إعلان يعرض على اللحامين ومصلحي الأنابيب فرصة «الاستقرار مدى الحياة في الولايات المتحدة برفقة الأسرة». وعندما اتصل كومار بالرقم الموجود على الاعلان، قيل له ان الشركة بحاجة لموظفين لإعادة بناء المعدات النفطية بولايتي مسيسبي وتكساس التي دمرت جراء إعصار كاثرينا. عاد كومار إلى الهند ووقع عقد عمله الجديد ودفع 20 ألف دولار أميركي لشركة التوظيف مقابل سفره إلى الولايات المتحدة. وأخبرَ زوجته التي كانت قد وضعت لتوها طفلاً، أنه سيرسل في طلبهم حالما يستقر هناك. وبالامس، قال كومار، 34 عاماً: «بعتُ المنزلَ وباعت زوجتي مجوهراتها واقترضنا المالَ من الأصدقاء وحلمنا بالعيش معاً في أميركا». تعليقات كومار جاءت أثناء اشتراكه في مظاهرة أمام وزارة العدل الأميركية إلى جانب العشرات من العمال الهنود الآخرين الذين ينظمون إضراباً عن الطعام داخل واشنطن منذ أسابيع. وقال كومار وآخرون إنه عندما وصل قرابة 500 عامل هندي إلى مسيسبي خريف العام 2006، اكتشفوا أنهم تعرضوا للخداع، وأن جهة التوظيف الجديدة الخاصة بهم، وهي شركة «سيغنال انترناشونال كورب»، قامت بتوظيفهم بصورة مؤقتة باعتبارهم «عمالا ضيوفا» واستصدرت لهم تأشيرات لمدة 10 أشهر. وعرفوا فيما بعد أنهم لن يتمكنوا من الحصول على إقامة دائمة لأنفسهم، ناهيك من أسرهم. إلا ان «سيغنال» تنفي علمها بأن العمال تلقوا وعوداً بالإقامة بصورة دائمة داخل الولايات المتحدة. وبمساعدة شركة «إيه إف إل ـ سي آي أو» (AFL-CIO) القانونية وعدد من الجماعات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، تقدم ما يزيد على 100 عامل هندي بدعاوى قضائية فيدرالية في ولاية لويزيانا ضد «سيجنال» والعديد من وكلاء التوظيف، بناءً على القانون الفيدرالي الذي يحظر «الاتجار في البشر» عن طريق الاحتيال أو إجبارهم بالقوة على العمل أو تقديم خدمات. كما طالب العمال وزارة العدل بإجراء تحقيق في الأمر والسماح لهم بالبقاء داخل الولايات المتحدة، رغم أنهم لم يعودوا يعملون بها، إلى حين البت في الدعاوى القضائية. علاوة على ذلك، قام بعض العمال، الذين استقالوا من «سيغنال» في مارس (آذار)، وانتقلوا إلى واشنطن، بتنظيم إضراب متقطع عن الطعام خارج مبنى السفارة الهندية لجذب الانتباه إلى قضيتهم. ووقع 18 عضواً بالكونغرس رسالة إلى وزير العدل «مايكل بي مكاسي» نيابة عن العمال. ولم تقتصر شكاوى العمال على عملية التوظيف، وإنما امتدت إلى أسلوب المعاملة التي تعرضوا لها داخل الولايات المتحدة، حيث أشاروا إلى أنه جرى تكديسهم داخل غرف ضيقة مزودة بعدد ضئيل للغاية من دورات المياه، إضافة إلى المستوى الرديء من الطعام وتقييد حريتهم في مغادرة موقع العمل واضطرارهم للعمل في ظل درجات حرارة مرتفعة وبمناطق قذرة من أجل إصلاح المعدات النفطية المتضررة من الإعصار. وأثناء مشاركته في مظاهرة أمس، قال شيفان راجهفان، 45 عاماً، وهو أحد العمال الهنود، إنه دفع لوكيل التوظيف 4500 دولار إضافية كي يتمكن من إرسال طلب لاستقدام زوجته وابنيه إلى الولايات المتحدة في وقت لاحق. وأضاف: «لم يتم الوفاء بأي من الوعود التي حصلنا عليها. وكان العمل قذراً وخطيراً. ولم نحظ بمستوى جيد من التهوية وواجهنا صعوبة في التنفس. وعندما شكونا، قيل لنا إنه من الممكن أن يتم ترحيلنا. تعرضنا للخداع ونرغب الآن في العدل». أما مسؤولو «سيغنال»، فقد ردوا بأنهم شعروا بالصدمة لدى معرفتهم أن وكلاء التوظيف اجتذبوا العمال الأجانب بناءً على وعود زائفة بالهجرة الدائمة، مؤكدين أن الشركة من ناحيتها لم تضطلع بأي دور في هذه العملية. وشدد المسؤولون على أن الظروف المعيشية التي وفروها للعمال لم تكن على مستوى جيد فحسب، وإنما جرى تصميمها لتلائم أذواق العمال الوافدين من جنوب آسيا. وقالت إرين كاسي هانجارتنر، محامية «سيجنال» إن «الشركة شعرت بغضب هائل لدى اكتشافها أن وكلاء التوظيف ضللوا هؤلاء الأشخاص وطلبوا منهم رسوما هائلة للمجيء إلى الولايات المتحدة. ويراود «سيغنال» الإحساس بأنها تعرضت للخيانة من جانب وكلاء التوظيف، وكذلك العمال إلى حد ما لإعلانهم مزاعم كاذبة».

واستطردت المحامية بأنها لا تعلم ما إذا كان مسؤولو «سيغنال» على دراية بأمر الإعلانات الخادعة، مضيفة: «لم نفهم بشكل كامل كيف سنحصل على البطاقة الخضراء، لكننا عملنا بنية حسنة طوال الوقت». وأشارت المحامية إلى أن الشركة شاركت في الدعاوى القضائية باعتبارها جهة الادعاء، متهمة العديد من وكلاء التوظيف داخل الهند والولايات المتحدة بتوظيف العمال من خلال أساليب اتسمت بالاحتيال. وحاولنا الاتصال بالمحامين العاملين في شركة هجرة قانونية في ولاية نيو أورليانز تشير المزاعم إلى أنها عملت كقناة رئيسة في عملية التوظيف، إلا أن أحد المساعدين في الشركة، قال إن المحامين لن يدلوا بأي تعليقات علنية على القضية. يذكر أن الوثائق المقدمة في إطار الدعوى القضائية تكشف عن العديد من الشيكات الضخمة المدفوعة من وكلاء التوظيف في الهند إلى الشركة، علاوة على إيصالات يحمل بعضها عبارة «تأشيرات للإقامة الدائمة للعمل في الولايات المتحدة». من ناحيتها، دافعت «هانجارتنر» عن معاملة الشركة للعمال، مشيرة إلى أنها قامت ببناء مساكن لهم، بها تجهيزات تتيح لهم الدخول إلى شبكة الانترنت وطاولات بليارد، إلى جانب توفير خدمة غسل الملابس ووجبات توفرها شركة خدمات غذائية هندية ووسائل نقل مجانية إلى أقرب المدن. وقالت إن العمال المتقدمين بشكاوى إلى وزارة العدل حصلوا على الرواتب والبدلات نفسها التي يتلقاها العمال الآخرون، وأن بعض العمال من الهنود المهاجرين ما زالوا يعملون لدى الشركة وكلهم شعور بالرضا. وأشارت الجماعات المعنية بالحقوق السياسية والعمالية التي تناصر العمال إلى أن القضية تشكل مثالاً مهماً على الاتجار غير القانوني بالبشر، والذي تشجع عليه القواعد المعقدة للبرنامج الأميركي للعمال الضيوف. وتتفاقم عمليات الاتجار غير القانوني بسبب الظروف الطارئة والفوضوية التي أعقبت إعصار «كاثرينا».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»