الأوضاع المعيشية في غزة تزداد سوءا منذ سيطرة حماس

الناس يعودون لوسائل العيش البدائية لمواجهة الحصار

TT

قبل أن يرخي الليل سدوله، تحرص نهلة بني عودة، 39 عاما، على اعداد منزلها وترتيب غرف النوم الخاصة بزوجها وأولادها الثمانية، بعد أن تزود كل غرفة من الغرف بشمعة، وكذلك المطبخ. وتحرص ايضا على وضع مصباح الغاز على سطح المنزل الكائن في منطقة بركة الوز وسط قطاع غزة، حيث يسهر أفراد العائلة قبل أن يخلدوا للنوم. ومصدر حرص نهلة على هذا الروتين اليومي هو خوفها من انقطاع التيار الكهربائي الذي يتم في كثير من الأحيان بشكل غير دوري ومن دون سابق إنذار. فمنذ أن سيطرت حركة حماس على غزة قبل عام، زادت فترات انقطاع الكهرباء بشكل كبير، حيث عمدت اسرائيل الى تقليص كميات الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع. وتشير نهلة في حديث لـ«الشرق الأوسط» الى مظاهر البدائية التي اصبحت تميز حياة عائلتها والأسر الفلسطينية في المنطقة. فبجوار منزلها اقام زوجها تاجر الماشية فرن طين لطهو الخبز، وانضاج الطعام، لكن هذا الفرن يخدم عملياً سبع أسر في الحي المذكور، حيث تتجمع جارات نهلة بشكل يومي عندها، حيث يتعاقبن على استخدام الفرن.

ويقول عبد الرزاق الطالع، 41 عاما، المتزوج من امرأتين له منهن 14 طفلا، ويقطن في نفس الحي، لـ«الشرق الأوسط» إن انقطاع التيارالكهربائي هو آخر ما يمكن ان يزعجه، مشيراً الى أن تدهوراً طرأ على وضعه الاقتصادي منذ سيطرة حماس على غزة عسكريا قبل عام. ويضيف الطالع، وهو عامل نظافة في بلدية غزة، أنه ولفترات طويلة لم يتلق راتبه الشهري مثل المئات من العاملين في البلدية، حيث ان حكومة سلام فياض في رام الله، اوقفت دفع المخصصات الشهرية للبلدية بمجرد أن سيطرت حماس على القطاع. ومدركا لما سيترتب على هذه الخطوة من صعوبات، ومستقرئا ما ستكون عليه ظروفه وظروف عائلته المعيشية، بحث الطالع عن مصدر زرق آخر، فاشترى حماراً وعربة لنقل وتوزيع اسطوانات الغاز على منازل الحي، بمال استدانه من ذوي زوجته الصغرى. لكن لم يكد يمضي شهرا في العمل الجديد حتى قلصت اسرائيل بشكل دراماتيكي تزويد القطاع بالغاز في مظهر من مظاهر تشديد الحصار على غزة. فلم يعد ثمة مسوغ لاحتفاظه بالحمار والعربة فباعهما بخسارة. وحتى عندما قامت حكومة اسماعيل هنية المقالة بدفع مستحقات عمال البلدية، فإن ما يحصل عليه عبد الرزاق لا يتجاوز الألف شيكل (300 دولار)، وهو مبلغ ابعد ما يكون عن الوفاء بمتطلبات الحياة لأسرة مكونة من 17 شخصا. لكن عبد الرزاق بخلاف نهلة التي تندم على التصويت لحماس في الانتخابات الاخيرة، قال إنه رغم التدهور في اوضاعه وأوضاع اسرته المعيشية فإن الظروف في القطاع اصبحت أفضل بعد سيطرة حماس عليه، وهو حكم مثير للجدل في القطاع. لكن هناك من كانت تداعيات فوز حماس عليه أكثر وطأة من مجرد العودة الى مظاهر الحياة البدائية أو تدهور الأوضاع الاقتصادية، فهناك من فقدوا اعزاءهم امام اعينهم من دون ان يكون بوسعهم فعل الكثير. فلا يزال ناهض اسماعيل يشعر بغصة ومرارة لا تنقطع كلما تذكر نجله محمود، 17 عاما، الذي قضى بمرض السرطان، بعدما أن عجز عن مغادرة القطاع للعلاج في الخارج، مع أن كل ما كان يتطلبه الأمر هو جرعات من العلاج الكيماوي. وقد كان هذا العلاج متوفراً في القطاع قبل سيطرة حماس، حيث ان اسرائيل عملت بشكل منهجي على احداث نقص في الكثير من المواد الضرورية جداً لحياة المرضى. فالكثير من العائلات الفلسطينية في هذه الأثناء تكابد مع ابنائها مرارة الألم لعدم مقدرة المستشفيات على القيام بعمليات جراحية بفعل النقص الحاد في غاز «النيتروز»، الذي يستخدم في عمليات التخدير. والكثير من العائلات الفلسطينية تقطعت بها السبل، بعد أن وقع الحسم العسكري، فاغلقت اسرائيل الحدود، فعلق الكثير من الفلسطينيين، الذين كانوا يزورون ذويهم في القطاع أو الطلاب الذين كانوا يقضون عطلة الصيف. وعلى مدى اكثر من ثمانية اشهر ظل عوني ابو سمحة الذي يعمل في السعودية على احر من الجمر، حيث إنه ارسل ولديه محمد واحمد للدراسة في جامعات القطاع، وكان يفترض ان يعود الاثنان للسعودية لتجديد الاقامة، لكنهما لم يتمكنا من ذلك بفعل الحصار. وفقط قبل ثلاثة اسابيع وبعد عشرات المحاولات نجحا في العودة الى مصر على امل ان ينتقلا منها للسعودية لتجديد الاقامات.

صحيح أن ظروف الناس قبل سيطرة حماس كانت صعبة، لأن قطاع غزة كان يخضع للحصار، لكن مع سيطرة حماس، تضاعف هذا الحصار وتضاعفت معه معاناة الناس، لا سيما بعدما اعتبرت حكومة ايهود اولمرت قطاع غزة «كيانا معاديا».