التوغلات الإسرائيلية ترغم كثيرا من أسر مناطق التماس في غزة على الرحيل

TT

من أقصى التخوم الشمالية لمدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، وحتى حي حكر الجامع في طرفها الجنوبي، لم يترك سلمان سلاسل، بيتاً أو محلاً تجارياً، إلا واستفسر من مالكيه، عما إن كانوا يملكون أو يعرفون أحداً لديه شقة للإيجار. لكنه لم يدرك مبتغاه لأن كل شقق الايجار في المنطقة مؤجرة. ووجد سلمان الذي كان يملك من الأسباب ما يدفعه للبحث عن شقة، ضالته في مخيم اللاجئين غرب المدينة. فبالنسبة لهذا الشاب الذي يقطن الحي الشرقي من قرية القرارة، الحدودية، (جنوب شرقي دير البلح)، فإنه مجبر على العثور على شقة، بعد أن تحولت حياته وحياة زوجته وأولاده الأربعة لجحيم لا يطاق بفعل توغلات الجيش الاسرائيلي المتواصلة، التي يتم فيها توقيفه في كل مرة، في حين يحبس أولاده وزوجته في غرفة واحدة، ويمنعون من الخروج منها لمدة 24 ساعة، بعد ان يحول الجنود سطح المنزل الى موقع لقنص اي شخص، يكون في مدى النار ويرون فيه تهديدا للقوات المتوغلة. سلمان الذي يعمل موظف في إحدى المؤسسات المدنية وزوجته المدرسة، لم يعودا قادرين على العيش في هذه البيئة في ظل شعور أولادهم بحالة من الفزع، لدرجة أن اثنين منهم اصيبا بحالة التبول اللاارادي. وقال سلمان لـ«الشرق الأوسط» إن أكثر سبب دفعه للبحث عن بيت في مكان بعيد عن مناطق التماس، هو الخوف من تعرض بيته لقصف اسرائيلي، كما بات يحدث بشكل متواتر في الكثير من عمليات التوغل الاسرائيلية على طول الخط الفاصل. وسلمان هو واحد من مئات الفلسطينيين الذين نزحوا عن منازلهم في مناطق التماس والمناطق الحدودية بحثاً عن الأمان في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية التي تقع للغرب من شارع صلاح الدين، الذي يصل شمال القطاع بجنوبه. والنزوح الكبير عن هذه المناطق، هو الذي جعل إمكانية العثور على شقق سكنية أمراً صعب المنال، الى جانب مساهمته في رفع الاسعار بشكل جنوني.

ولا يفكر سلمان الذي استقر في مخيم دير البلح بالعودة لمنطقة سكناه ليس إلا، بعد عودة الهدوء فحسب، بل بعد اختفاء مسببات التوغل. لكن ليس كل أهالي مناطق التماس الذين رحلوا، قطعوا صلتهم بمناطق سكناهم. فسليم العويطي الذي يقطن شرق قرية العجين الحدودية يستخدم الشقة المستأجرة في دير البلح كمأوى ليليا، بينما يعود يوميا الى منزله ليعتني بمزرعتي الدجاج والنحل اللتين يملكهما ولم تتعرضا للتدمير أثناء الاقتحامات الاسرائيلية المتكررة للمنطقة. في المقابل فإن الكثير من فلسطينيي مناطق التماس لم يغادروا منازلهم، رغم كل ما يتعرضون لها من تنكيل، بعضهم بسبب أوضاعهم المالية السيئة، مثل محمد العبيدي الذي يقطن في منطقة بين بلدتي القرارة وبني سهيلا جنوب القطاع. وهناك من لا يفكر في المغادرة لقناعتهم أن غزة كلها منطقة تماس، كما يقول خليل عسيف، الذي يقطن نفس المنطقة. واضاف عسيف أن أحد جيرانه غادر مع أسرته، المنطقة قبل عامين، بسبب التوغلات في مخيم النصيرات وسط القطاع، لكنه وابنه الاكبر، اصيبا بجراح هناك خلال تصفية اسرائيل لأحد نشطاء المقاومة.