«لا» الآيرلندية تتصدر اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورج

أوروبا تدرس مستقبل معاهدة الاتحاد بعد رفض الآيرلنديين لها

TT

بدأ المسؤولون الاوروبيون وعلى مختلف المستويات، بعد الإعلان الرسمي عن نتائج الاستفتاء الايرلندي، تحركا واسع النطاق لتجنب مزيد من التصدع في الصفوف الأوروبية، وتوجيه رسالة طمأنة للعالم الخارجي والرأي العام الداخلي على حد سواء، بشأن استمرار عملية البناء الأوروبية. ومن وجهة نظر العديد من المراقبين في بروكسل، أوقع رفض ايرلندا معاهدة الاصلاح الخاصة بالاتحاد الاوروبي هذا الكيان في أزمة ثقة جديدة، لكن دولا أعضاء أخرى تبدو مصممة على المضي قدما في اقرار المعاهدة.

ويعقد وزراء خارجية التكتل الأوروبي السبعة والعشرون اجتماعات غدا للإعداد لقمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد المقررة لنهاية الأسبوع المقبل في بروكسل.

ومن المتوقع أن يتم تكريس اللقاءين لتدارس تداعيات الرفض الايرلندي للدستور من جهة والسعي لجر أكبر قدر من الدول للمصادقة على اتفاقية الوحدة الأوروبية ومطالبة ايرلندا بلورة خطة خاصة بها من جهة أخرى. وفي ردود فعل منسقة دعا قادة فرنسا والمانيا والمفوضية الاوروبية الدول الاعضاء الاخرى الى المضي قدما في التصديق على المعاهدة. وتدرس حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الخطوات المقبلة التي يتعين عليها القيام بها بعد رفض مواطني جمهورية آيرلندا اتفاقية لشبونة لاصلاح الاتحاد. ووصفت فرنسا وألمانيا نتيجة التصويت بأنها ضربة قوية، إلا أنهما حثتا الاتحاد الأوروبي على المضي قدما في المشروع. إلا أن الرئيس التشيكي فاتسلاف كلاوس قال إن الاتفاقية اصبحت في خبر كان، لأنه من المستحيل إجراء أي تعديل عليها. ومن جانبه قال جوسيه مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية إن الاتفاقية ليست ميتة. ويري رئيس البرلمان الأوروبي هانز بوتيرينج وجود فرصة أمام تطبيق اتفاقية لشبونة الأوروبية، رغم رفض الشعب الايرلندي لها في الاستفتاء الأخير. وقال بوتيرينج أمس: «إن اتفاق أوروبا على سياسة واحدة مر دائما بأوقات جيدة وأخرى سيئة». وأضاف: «علينا أن نحاول الاحتفاظ بأعصاب باردة للبحث عن حل بحزم وصبر». ودعا بوتيرينج ايرلندا لتقديم حل لهذه المسألة الأوروبية خلال القمة الأوروبية المقبلة في بروكسل. وأشار إلى أن معظم دول الاتحاد الأوروبي قد صدقت بالفعل على اتفاقية لشبونة، وقال: «إذا رفضها الآن بلد مثل آيرلندا في حين صدقت عليها 18 دولة أخرى.. فلا بد أن يكون هناك حل». وتعهدت السويد بالمضي قدما، وصرح جان بيير جوييه وزير الدولة الفرنسي للشؤون الاوروبية، بأن جمهورية التشيك طمأنت باريس سرا بأنها ستقر المعاهدة. واتسم موقف براغ المعلن بمزيد من الحذر، غير أن الاحتمال هو أن تقر جميع الدول الاعضاء الاخرى النص بحلول ديسمبر (كانون الاول) مما يضع ايرلندا تحت ضغط لقبول مخرج أو ضمانات أخرى.

وقال دبلوماسي أوروبي في بروكسل إن الجهد سيتركز بشكل جماعي خلال الأيام القليلة المقبلة على كل من جمهورية التشيك وبريطانيا لحثهما على عدم التخلي عن عملية المصادقة على اتفاقية لشبونة. وفي مؤشر سلبي واضح أعلن رئيس جمهورية التشيك فاكلاف كلاوس بعد الإعلان عن نتيجة الاستفتاء الايرلندي، أن اتفاقية لشبونة قد انتهت. ولكن في المقابل فإن بريطانيا تبدو متمسكة بالتزامها المعلن حتى الآن والتوجه الفعلي لتمرير المعاهدة الأوروبية عبر التصويت البرلماني. وأكد وزير خارجية بريطانيا هذا الموقف للدول الأوروبية الأخرى. من جهة اخرى، استبعد برايان كوين رئيس الوزراء الايرلندي اجراء استفتاء ثان. وعلى المدى القصير يعني الاستفتاء الايرلندي أنه سيجرى ارجاء تعيين رئيس دائم للمجلس الاوروبي لزعماء الاتحاد الاوروبي وتأجيل تعزيز منصب المسؤول عن السياسة الخارجية. وقال دبلوماسيون ان الاتحاد الاوروبي سيضعف على المستوى الدولي، خاصة في التعامل مع القوى الصعبة مثل روسيا وايران، لاضطراره للتحرك ببطء على صعيد السياسة الخارجية والمؤسسات الدفاعية المعيبة.

من جهته قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي امس انه لا يتعين السماح بأن يتحول رفض الناخبين الايرلنديين لمعاهدة جديدة للاتحاد الاوروبي الى ازمة، داعيا الى استمرار عملية المصادقة في مكان اخر. وقال ساركوزي في مؤتمر صحافي مع الرئيس الاميركي جورج بوش الزائر، الشعب الايرلندي قال كلمته. يجب ان نحترمه. واضاف ساركوزي: «صادقت 18 دولة اوروبية على المعاهدة. يتعين ان يواصل الاخرون المصادقة. هذه ايضا نية رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون الذي ابلغني بذلك هاتفيا امس. لذا فان تلك الواقعة الايرلندية لن تصير ازمة. وتصويت ايرلندا بالرفض وهي الدولة الوحيدة من الدول الاعضاء ومجموعها 27 دولة التي طرحت معاهدة لشبونة للاستفتاء العام، يسلط الضوء مجددا على انعدام قدرة الاتحاد الاوروبي على اكتساب جاذبية بين مواطنيه بعد ثلاث سنوات من رفض الفرنسيين والهولنديين دستور الاتحاد الاوروبي. وانخفض سعر اليورو الذي تستخدمه 15 دولة من دول الاتحاد الاوروبي من بينها ايرلندا مسجلا أدنى مستوياته خلال شهر أمام الدولار لدى ورود أنباء تصويت ايرلندا بالرفض، لكنه عوض الخسائر في وقت لاحق. وقال هولجر شمايدينج الخبير الاقتصادي في بانك اوف اميركا بلندن ان الاسواق المالية تشعر بالقلق من أن يكون الاتحاد الاوروبي يواجه فترة جديدة من الشك في نفسه لكنها لا تتوقع استمرار التأثير السلبي على الاقتصاد او أسعار الصرف.

وقال انطونيو ميسيرولي من مركز السياسة الاوروبية وهو مؤسسة بحثية ان الاستفتاء أثار أزمة سياسية أوروبية تستلزم قيادة قوية في ايرلندا وفي بروكسل وفي الدول الاعضاء الرئيسية.

ويبدو من المؤكد أن نتيجة الاستفتاء الايرلندي ستثير أسئلة جديدة بشأن فقدان الاتحاد الاوروبي لشرعيته الجماهيرية بعد مجموعة من الاستفتاءات كانت نتائجها سلبية خلال عشرة أعوام في الدنمارك والسويد وايرلندا وفرنسا وهولندا، اما بشأن اليورو او بشأن اصلاح مؤسسات الاتحاد الاوروبي، والولايات المتحدة التي تأمل بشدة في أن تتغلب أوروبا على عشرة أعوام من التمحيص كي تصبح شريكا اكثر فاعلية في مواجهة تحديات الامن العالمي سيتحتم عليها الانتظار لمدة أطول.

غير أن مسؤولي الاتحاد الاوروبي يشيرون الى أن الاتحاد استطاع اتخاذ قرارات فعالة، بموجب معاهدة نيس منذ توسيع عضويته من 15 الى 27 عضوا. وأضافوا أن التشريع المعلق الخاص بمكافحة التغير المناخي الذي يشجع فعالية الطاقة ويفتح السوق الداخلية للاتحاد على مزيد من المنافسة يجب الا يؤجل بسبب الاستفتاء الايرلندي.