بوش وساركوزي يدعوان دمشق للابتعاد عن طهران وإقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان

الرئيس الأميركي يعرب عن خيبة أمله من الرد الإيراني .. والفرنسي يدافع عن انفتاح باريس على سورية

بوش وساركوزي خلال مؤتمرهما الصحافي أمس في قصر الاليزيه في باريس (رويترز)
TT

وجه الرئيسان الأميركي والفرنسي أمس رسائل مشتركة وحازمة الى إيران وسورية. وفيما كان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية خافيير سولانا يسلم القادة الإيرانيين أمس المقترحات «السخية» باسم مجوعة الدول الست (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) لحملها على العودة الى طاولة المفاوضات، جدد الرئيسان بوش وساركوزي رفضهما القاطع فرضية حصول إيران على السلاح النووي. كذلك وجها رسالة حازمة الى سورية يدعوانها فيها الى فك تحالفها الاستراتيجي مع إيران إذا كانت ترغب بالعودة مجددا الى المسرح الدولي . وفيما يصل مبعوثان فرنسيان رئيسيان هما مستشار ساركوزي الدبلوماسي وأمين عام الرئاسة اليوم الى دمشق كمؤشر إضافي على الصفحة الجديدة التي فتحت بين باريس ودمشق، حرص الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على «طمأنة» المتخوفين من المسار الجديد للعلاقات الفرنسية ـ السورية على الملف اللبناني والتزام فرنسا استقلال وسيادة لبنان ودعمها القاطع للمحكمة الدولية.

وجاء المؤتمر الصحافي المشترك لساركوزي وبوش في قصر الإليزيه بعد جلسة محادثات دامت حوالي الساعتين ليؤكد المسار الجديد للعلاقات «المتميزة» الفرنسية ـ الجديدة التي لا يعكر صفوها حاليا إلا اختلاف النظرة بين واشنطن وباريس حول ملاءمة انفتاح باريس على دمشق ودعوتها الى القمة المتوسطية في باريس في 13 الشهر القادم. ولمح الرئيس الفرنسي الى ذلك عندما قال في بداية المؤتمر الصحافي وفي رده على سؤال عن العلاقة المميزة بين البلدين، إنه باستطاعتهما «الحديث عن نقاط الاختلاف في إطار علاقة الصداقة والتحالف القائمة بينهما»، مضيفا أن «متانة» علاقات الصداقة تتيح لكل طرف التعبير عن رأيه «بحرية». وحرص الرجلان على التركيز على العلاقة الشخصية القوية التي تربطهما مع زوجتيهما. ومازح بوش ساركوزي بشأن زوجته التي قال عنها إنها «تتمتع يالذكاء والكفاءة» ولذا «يفهم» سبب زواج ساركوزي منها وكذلك سبب زواجها منه. وكان جورج ولورا بوش ضيفي الثنائي الفرنسي، نيكولا وكارلا ساركوزي على عشاء «خاص» ليل الجمعة / السبت. وأخذ كل من الرئيسين ينادي الاخر باسمه الأول بعيدا عن الشكليات، ما يعكس المناخ «المرتاح» بين الرئيسين. وكانت محادثات أمس في باريس، المحطة ما قبل الأخيرة في جولة الرئيس الأميركي الأوروبية التي ينهيها ببريطانيا، فرصة لمناقشة الملفات الساخنة على الساحة الدولية من أفغانستان الى دارفور والشرق الأوسط والطاقة والتغيرات المناخية. وقال بوش إنهما «امضيا الكثير من الوقت حول الملف الإيراني» وتنم تصريحات الرئيسيين عن توافق تام بينهما الى درجة أن بوش وساركوزي استخدما العبارات نفسها. وفحوى الموقف المشترك الرفض التم لحصول إيران على السلاح النووي. وبحسب الرئيس الأميركي، فإن ذلك يعني «زعزعة الاستقرار في العالم وهزيمة كبيرة للسلام فيه». وثنى ساركوزي على ذلك مضيفا أن «موقف فرنسا معروف وهو أن حصول إيران على القنبلة النووية يمثل تهديدا لا يمكن القبول به للاستقرار في العالم خصوصا إذا ربط بتصريحات الرئيس الإيراني (أحمدي نجاد)»، في إشارة الى تهديداته المتكررة لإسرائيل. وأعرب بوش عن «خيبته» لأن إيران رفضت سلفا «العرض السخي» الذي قدمته مجموعة الدول الست ورأى فيه مؤشرا لكون القادة الإيرانيون «مستعدين لفرض عزلة أقوى» على الشعب الإيراني. ورسم الرئيس الفرنسي «خارطة الطريق» للتعامل مع إيران في الفترة القادمة بقوله: «إذا كان القادة الإيرانيون يتمتعون بحسن النية وإذا لم يكن لديهم ما يخبئونه، فعليهم إذا أن يتركوا المفتشين الدوليين ليقوموا بمهمتهم حتى النهاية». وأضاف ساركوزي: «نحن منفتحون على الحوار من غير شروط للتعاون مع إيران في القطاع النووي السلمي. أما في ما خص النووي العسكري، فإن الحل الوحيد لإقناع الإيرانيين (بالتجاوب والتخلي عن التخصيب) هو تطبيق العقوبات بشكل صارم وإظهار وحدة الأسرة الدولية». وحرص بوش وساركوزي على التأكيد على التطابق بين رؤيتهما وبين رؤية رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، علما بأن الأخير يؤكد أن «لا أدلة» على أن البرنامج النووي الإيراني ذو أهداف عسكرية. وعبر بوش عن دعمه لاقتراح روسيا (القديم) تخصيب اليورانيوم على أراضيها لصالح إيران في إطار كونسورسيوم دولي، وهو ما رفضته طهران التي تتمسك بحقها بالتخصيب على أراضيها.

وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية، إن باريس «لا تتوقع شيئا» من مهمة سولانا في طهران التي «تسعى الى كسب الوقت» عن طريق المقترحات التي قدمتها أخيرا. وتؤكد باريس أن طهران «تعاني من صعوبات تقنية في عمليات التخصيب».

أما الرسالة الثانية الأميركية ـ الفرنسية فتتناول سورية وتتركز بالدرجة الأولى على ضرورة فك تحالفها الاستراتيجي مع إيران إذا كانت راغبة بالاندماج مجددا في المجتمع الدولي.

وفي رد على سؤال حول المطالب التي يتعين على الرئيس الأسد تلبيتها إذا كان يريد تطبيع علاقته مع الغرب، أجاب بوش: «رسالتي هي التالية: أوقفوا تعاونكم مع إيران وامتنعوا عن إيواء الإرهابيين وكونوا قوة بناءة في الشرق الأوسط تساهم في إيجاد دولة فلسطينية وأفهموا حماس أنه يتعين عليها التوقف عن الإرهاب من أجل السلام وقولوا بوضوح لأصدقائكم الإيرانيين إن الغرب جاد لوضع حد للتخصيب (النووي) الإيراني، المرحلة الأولى لصناعة القنبلة النووية وأفهموا إيران أن حزب الله قوة تضرب الاستقرار في لبنان وخارجه». وختم بوش قائلا: «هذه رسالتي لـ(الرئيس) الأسد الذي عليه أن يدرك أنه يتعين على سورية أن تغير سياساتها ولقد تحدثت مع الرئيس ساركوزي حول هذا الموضوع». وذهب ساركوزي في الاتجاه عينه بقوله لأنه «يتعين على سورية أن تبتعد عن إيران في سعيها للحصول على السلاح النووي». وفي عبارة غامضة، ربط ساركوزي بين تحقيق هذا الشرط وبين «تواصل المسار بين سورية»، ما قد يفسر على أنه شرط جديد للانفتاح على دمشق.

غير أن الرئيس الفرنسي استهدف طمأنة من يقلقه الانفتاح الفرنسي على دمشق وخوفه من أن يكون على حساب لبنان. ولذا قال ساركوزي إنه «متفق مع الرئيس الأميركي حول ضرورة ضمان استقلال لبنان وممارسة حقه ككل بلدان العالم في أن يكون مستقلا». كذلك أبدى الرئيس الفرنسي تمسكه بالمحكمة الدولية وهو ما قاله أثناء زيارته الأخيرة لبيروت. لكن الأهم أن ساركوزي برر الانفتاح على سورية ودافع عن دعوة الرئيس الأسد الى القمة المتوسطية الشهر القادم رغم الانتقادات التي يتعرض لها في فرنسا وفي الخارج بما في ذلك من واشنطن. وقال ساركوزي: «قلت للرئيس بوش إننا بادرنا في الدعوة الى قمة المتوسط وسورية على حد علمي دولة متوسطية وإذا كنا سنكتفي فقط بدعوة من تنطبق عليهم نفس المعايير التي نطبقها على أنفسنا، فإننا نخاطر بعقد اجتماع لا يحضره كثيرون».

وصدر عن الرئيسين بيان مشترك حول لبنان أكدا فيه تمسكهما بلبنان «يعيش بسلام، سيد ومستقل وموحد وديمقراطي». وشدد الرئيسان على دعم اتفاق الدوحة ورغبتهما في أن تقوم بين لبنان وسورية علاقات «حسن جوار على أساس الاحترام والمساواة والأمن والسيادة»، مشددين على ضرورة إقامة «علاقات دبلوماسية سريعة» بين دمشق وبيروت. كذلك دعا الرئيسان الى تطبيق كافة قرارت مجلس الأمن الدولي من غير الإشارة الى القرار 1559 ولا ما يتضمنه من نزع سلاح الميلشيات وحزب الله. وأعرب ساركوزي وبوش عن دعم المحكمة الدولية ودعم الحكومة المركزية المؤسسات اللبنانية ومنها الجيش.

وأكد بوش على ضرورة قيام الدولة الفلسطينية، مثنيا على الجهود التي تقوم بها وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس وعلى إيمانه بإمكانية الوصول الى إعلان الدولة الفلسطينية هذا العام. وطمأن، من جهة أخرى العراقيين بتأكيد أن الإدارة الأميركية «تأخذ بعين الاعتبار اهتمام العراقيين لأن العراق بلدهم» وذلك للوصول الى معاهدة «تلبي مطالب الحكومة العراقية».