مناطق بيروت تسير بخطى حذرة في خطة إزالة رواسب الاشتباكات

بعد قرارات مجلس الأمن المركزي وبيان الجيش اللبناني

TT

يبدو أن بعضا من القرارات التي اتخذها مجلس الأمن المركزي اللبناني بدأت تسير بخطى حذرة في بيروت بعد مرور اكثر من أسبوع على اتخاذها. وكانت هذه القرارات قد قضت بتكليف القوى العسكرية والأمنية وضع خطة لتنفيذ عملية نزع الصور والأعلام واللافتات من شوارع بيروت وإعادة تسليم المكاتب الحزبية الى جميع الأفرقاء. وعلى الصعيد نفسه، اصدرت قيادة الجيش منذ ايام بياناً دعت فيه الى «الامتناع عن القيام بأعمال استفزازية غير مسؤولة والتجمّع في نقاط مختلفة من أنحاء العاصمة والتعرّض للمواطنين الآمنين، وذلك بهدف إزالة الاحتقان وإرساء مسيرة الأمن والاستقرار، كما نبّهت المتجاوزين الى انه سيتم ردعهم ووضع حد لتجاوزاتهم حتى لو أدى ذلك للجوء الى الشدة والقوة في التعامل معهم وتوقيفهم». ويبدو جليا للمتجوّل في أحياء المناطق البيروتية التي اصبحت تعرف بمناطق الاشتباكات منذ السابع من مايو (أيار) الماضي، وخصوصا بربور والبربير والنويري والطريق الجديدة، أن كثافة الشعارات الحزبية التي كانت تشكل دليلا واضحا على انتماء أبنائها السياسي قد خفت نسبتها رغم انه لم تتم ازالتها بشكل نهائي، مع بقاء المراكز الحزبية في عهدة الجيش اللبناني. والحال انه لم تعد الشعارات واضحة للعلن في الطريق الجديدة، كما أعلام «تيار المستقبل» التي لم يتبق منها الا القليل. واستبدلت في معظم الأحياء بالأعلام اللبنانية وأعلام الدول المشاركة في كأس أوروبا وصور رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. وحدها الاشرطة الزرقاء لا تزال ترفرف على أعمدة الكهرباء معلنة مناصرة هذه المنطقة لتيار المستقبل، مع بقاء عدد قليل من صور الرئيس الراحل رفيق الحريري «نور لن ينطفئ» و«الله اشتقنالك» والنائب سعد الحريري مع «شهيدي» آل شماعة اللذين سقطا في احداث مايو (أيار). أما الوجود الأمني فهو بدوره لم يبدُ واضحا في ساعات النهار. الآليات العسكرية تتركّز في نقاط محددة ومحدودة، حيث يكتفي عناصرها بالمراقبة من بعيد والتدخل اذا دعت الحاجة، مع تكثيف للدوريات خلال ساعات الليل بعد ان تطفأ كل الأنوار في الطرقات وتنعدم الحركة في الاحياء التي يؤكد ابناؤها أن منطقتهم تعيش هذه الايام مرحلة الهدوء الحذر.

يقول مصباح منيمنة: «منذ اعلان سقوط بيروت أزيلت كل الأعلام والصور. ولم يعد أحد يجرؤ على اعادة تعليقها كي يبعد الشبهات عنه بعدما اصبحت تعرّض معلّقها للمساءلة خلال قيام عناصر المعارضة بما يشبه المسح الأمني في المنطقة».

ويبدي جاره صاحب محل للذهب اعتراضه على دور الجيش قائلا: «لن يحضر عناصره الا بعد انتهاء المشكلة ويعمد للفصل بين الطرفين من دون القاء القبض على اي منهم».

وفي حين يؤكد ابناء المنطقة عدم تعرّضهم لابناء الطائفة الشيعية الذين يسكنون ويعملون بينهم ـ وهذا ما أكده شاب من آل صبرا ينتمي الى الطائفة الشيعية ويملك محلا للأحذية في طريق الجديدة ـ لم تعكس هذه الانطباعات نفسها الصورة التي يراها المار من أمام محلات عصير رمضان التي يملكها ويديرها شخص من الطائفة الشيعية منذ سنوات عدة، وذلك بعدما أقفل محله يوم وقوع المجزرة أثناء تشييع قتيل من آل شماعة. ويعمل اليوم عدد من العمال على نقل محتويات المحل الى مكان آخر. ويعزو بعض ابناء المنطقة سبب اقفال «عصير رمضان» الى قيام صاحبها بـ«أعمال استفزازية» كرفع صور للسيد حسن نصر الله وعلم «حزب الله».

أما في المقلب الآخر، ورغم تراجع نسبة وجود الاشارات الحزبية مقارنة مع ما كانت عليه في الايام السابقة، فلاتزال اعلام حركة «أمل» ترفرف، مع غياب كامل لتلك الخاصة بحزب الله، بجانب صورة كبيرة للرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله وموسى الصدر مرفقة بشعار «الشمس تشرق وتغيب وحضوركم أبدا لن يغيب... معا قاومنا معا حرّرنا». وفي منطقة النويري التي شهدت اشتباكات عنيفة خلال أحداث (مايو) أيار لايزال الجيش اللبناني ممسكا بمركز «تيار المستقبل» الذي يبدو فارغا من محتوياته ومزينة جدرانه الخارجية بشعارات لحركة «أمل».

وفي مكان آخر، عند مدخل سوق بربور التجاري، وضع شعار حركة «أمل» بجانب تنبيه لرئيس الوزراء المكلّف فؤاد السنيورة كتب بخط اليد على أحد الجدران مفاده «انتبه يا سنيورة، المقاومة وجدت لكي تنتصر». أما في ما يتعلق بالوجود العسكري في هذه المنطقة فيقتصر كذلك على اطراف الشوارع وخصوصا على خط التماس الجديد، كورنيش المزرعة، ليكون على استعداد للتدخل اذا حصلت اي اشتباكات طارئة.

في هذا السياق يقول أحمد سرحان، من منطقة بربور: «خففنا من الشعارات الأمنية قدر الامكان. وكدنا ان نزيلها نهائيا لولا اشتراط فريق الموالاة إزالة شعاراتهم بضرورة إزالة تلك المرفوعة على طريق المطار. وهذا ما لن يحصل. لذا أبقينا بعض الاعلام والقليل من الصور».

ويبدي سرحان بدوره امتعاضه من دور الجيش، متهما اياه بالوقوف الى جانب أبناء الطريق الجديدة. ويقول ان الضابط «المسؤول عن هذه الفرقة يقف الى جانب فريق الموالاة».

في المقابل، تؤكد رلى التي تسكن في منطقة بربور الوجود الكثيف لأنصار المعارضة بشكل دائم وخصوصا في ساعات المساء. وتقول: «يتجمعون في مقهى قريب ويقومون بدور المراقب ويدققون بشكل غير مباشر بالداخل والخارج بحجة الحفاظ على أمن المنطقة».

لم تشهد مناطق الاشتباكات في بيروت أي حوادث تذكر في اليومين الماضيين، لكن ذلك لم يهدئ النفوس التي لاتزال مشحونة بانتظار اقل حركة من الطرف الخصم. وهذا ما يشير اليه سرحان قائلا: «نبقى دائما حذرين ومتيقظين مما قد يصدر عنهم في اي لحظة لأننا لن نسمح بالاعتداء علينا».