نائب رئيس الوزراء العراقي: المفاوضات مع أميركا مستمرة.. ولن نقبل وصاية خارجية

واشنطن تقلل من شأن تصريحات المالكي حول الخلافات وتعيد النظر في بعض مطالبها

TT

اكد الدكتور برهم صالح، نائب رئيس الحكومة العراقية «استمرار الحوارات والمفاوضات بين الجانبين العراقي والاميركي بشأن التوقيع على الاتفاقية الامنية»، مشيرا الى «ضرورة الوصول الى اتفاقية تحترم السيادة العراقية»، في حين شدد مسؤول حكومي عراقي رفيع المستوى على «أهمية عدم تدخل إيران في موضوع الاتفاقية»، معتبرا ذلك «سابقة خطيرة».

وقال صالح لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مدينة اسطنبول خلال زيارته لها امس ان «المفاوضات بين العراق والولايات المتحدة حول المضي بتوقيع الاتفاقية الامنية مستمرة ولم تتوقف»، مشددا على ان «العراق لن يقبل بأية اتفاقية تخل بسيادته الوطنية واستقلاله». وأشار الى ان «الرئيس الاميركي جورج بوش ابلغ رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، والجانب العراقي المفاوض بأن اميركا لن تطلب من العراق اية تعهدات من شأنها ان تخل بسيادة واستقلال العراق او تحرج الحكومة العراقية».

وقال صالح «نريد أن نؤكد لشعبنا وللرأي العام العربي والغربي أنه لن تكون هناك اية اتفاقية سرية او تتضمن بنودا سرية، وفي حالة اننا توصلنا مع الجانب الاميركي الى تفاهم فسوف نطرح ذلك على شعبنا وعلى البرلمان العراقي الذي سيناقشها ولن نصادق عليها ما لم يوافق عليها مجلس النواب (البرلمان) العراقي».

وشددد نائب رئيس الحكومة العراقية على ان «قرار الموافقة على بنود هذه الاتفاقية يجب ان يكون عراقيا وان يحصل على إجماع عراقي وبارادة عراقية وليس استجابة لرغبات قوى خارجية». وأضاف صالح قائلا «في ذات الوقت نطمئن دول الجوار بأنه لن تكون هناك اية فقرة او بند يدعو الى قلقهم، وان العراق لن يستخدم للعمل ضد أمنهم ومصالحهم، كما لا نريد من أي طرف خارجي ان يمارس وصايته على العراق باعتباره دولة مستقلة».

من جهة اخرى، كشف مسؤول حكومي عراقي رفيع المستوى عن «وجود سجالات بين الأحزاب العراقية حول الاتفاقية العراقية الاميركية المزمع توقيعها». وقال المسؤول، الذي رفض نشر اسمهـ لـ«الشرق الاوسط»، عبر الهاتف من بغداد امس «نفهم ان هناك سجالات ونقاشات بين الأحزاب والكيانات السياسية العراقية حول هذه الاتفاقية، لكن ما نستغرب له هو اقحام ايران في هذه النقاشات»، معتبرا ذلك «سابقة خطيرة يجب أن يحسب لها كل الحسابات، ويجب ان يكون واضحا ان هذه الاتفاقية ستقبل بإرادة عراقية خالصة، وإذا رفضها العراقيون فان رفضها سيكون بإرادة عراقية خالصة وليس بإرادة ايرانية».

وتتفاوض الولايات المتحدة والعراق على اتفاق أمني جديد لتوفير أساس قانوني للقوات الاميركية كي تبقى في العراق بعد 31 ديسمبر (كانون الاول) عندما ينتهي تفويض الأمم المتحدة بالاضافة الى اتفاقية منفصلة طويلة الامد بشأن العلاقات السياسية والاقتصادية والامنية بين الجانبين. وكان المالكي قد قال أول من أمس في الاردن إن المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن اتفاق أمني طويل الاجل وصلت الى «طريق مغلق» بسبب مطالب أميركية تنتهك سيادة العراق، لكنه حاول لاحقا التخفيف من شدة موقفه، بحسب وكالة رويترز. وأوضح أن العراق اعترض على إصرار واشنطن على منح قواتها حصانة من المحاكمة في العراق وإطلاق يدها في تنفيذ عمليات باستقلالية عن رقابة الجانب العراقي. وقال لاحقا إنه رغم وجود مأزق بشأن المسودات الأولية للاتفاق، إلا أن الجانبين يطرحان أفكارا جديدة. وأجبر استمرار الانتقادات من قبل السياسيين العراقيين للاتفاقية المفاوضين الاميركيين على التراجع في العديد من القضايا المهمة ومنها حصانة المتعاقدين الأمنيين. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن النسخة الاخيرة من مسودة الاتفاقية تجعل من الممكن خضوع المتعاقدين للقانون العراقي. كما أكدت النائبة ايمان الاسدي، عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، التي اطلعت على المسودة الاخيرة، انه لم يعد هناك حصانة للمتعاقدين. ويسعى الاميركيون الى التأكد من ان تنفذ قواتهم عمليات امنية في العراق وان تعتقل مطلوبين من غير موافقة الحكومة العراقية ومن غير الخشية من الخضوع للقانون العراقي. كما انهم يسعون للحصول على صلاحيات لإقامة 50 قاعدة عسكرية طويلة الأمد. غير ان الأسدي اشارت الى ان الأميركيين خفضوا من سقف مطالبهم بالنسبة الى القواعد العسكرية.

وبحسب صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية فقد عدل الاميركيون بعض بنود الاتفاقية الامنية؛ وذلك بالموافقة على إجراء تنسيق عالي المستوى مع العراقيين بصدد العمليات العسكرية والاعتقالات وتخفيض مديات السيطرة الاميركية في الاجواء والحدود، كما اقترحوا أن تعطى الحصانة للمتعاقدين الامنيين اثناء تنفيذ المهام الرسمية الاميركية فقط. غير ان المالكي قال في عمان ان الاقتراح الاميركي حول الحصانة غير كاف. كما أثار المالكي مسألة أخرى تعد مثار قلق للكونغرس الاميركي قائلا ان بغداد تتوقع التزاما أميركيا ثابتا ازاء حماية العراق من «العدوان الاجنبي». الى ذلك، قال هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي إن العراق غير قادر بعد على حماية نفسه وانه متفائل بشأن المحادثات. كما لمح مسؤولون عراقيون بارزون الى ان زيباري قد يطلب تمديدا للتفويض الدولي في بلاده. الى ذلك، نفى مسؤولون اميركيون نية بلادهم في استخدام الاموال العراقية المودعة لدى البنوك الاميركية كورقة ضغط للتوقيع على الاتفاقية. ولدى العراق أموال تقدر بـ30 بليون دولار مودعة في البنك الفدرالي في نيويورك.

ويسود بعض الغموض التصريحات التي ادلى بها المالكي، وقال مسؤولون عراقيون واميركيون ان المالكي قصد بتصريحاته حول «الوصول الى طريق مسدود»، المسودة القديمة التي تم وضعها جانبا عندما قدم الطرف الاميركي مسودة جديدة الخميس الماضي. وليس من المعروف إن كان المالكي قد اطلع على المسودة الجديدة بسبب رحلته الاخيرة الى الاردن، وكان من المقرر ان يجري مباحثات امس حول الاتفاقية مع كبار القادة السياسيين والعسكريين العراقيين لمناقشتها. وفي العراق يبدو ان لدى القوى السياسية آراء متباينة ازاء الاتفاقية؛ ففيما يبدو الأكراد والسنة أكثر انفتاحا بشأنها يبدو الشيعة، الأقرب لإيران، اكثر انتقادا لها.