الكويت: احتواء قرار «إحياء التراث» وتنسيق نيابي ـ حكومي حول الملفات المهمة

الخرافي: أتمنى من أميركا الصديقة أن تحترم سيادة الكويت

TT

بدا المشهد السياسي أمس مفعما بالحياة، فقد كانت بداية الأسبوع الكويتي مليئة بالنشاط النيابي والوزاري، وطغى قرار وزارة الخزانة الأميركية تجميد أصول جمعية إحياء التراث الكويتية، على ما عداه من ملفات.

وتفاوتت ردود فعل النواب في حدتها، إلا أنها اتفقت في تأييدها لجمعية إحياء التراث، التي تعد الواجهة الرسمية لجماعة السلف، فقد أكد الرئيس جاسم الخرافي أن «جمعية إحياء التراث هي جمعية نفع عام كويتية، وتقوم بأعمال خيرية، وتخضع لرقابة القانون الكويتي، وتعمل تحت مظلة دولة الكويت، وأتمنى من أمريكا الصديقة أن تحترم سيادة الكويت، وعلى الذي يسكن في بيت من زجاج ألا يضرب الناس بالحجارة».

وقابل هدوء الخرافي تصعيدا أبداه النائب محمد المطيري، المقرب من التيار السلفي، فلم يخف سخطه من القرار الأميركي، وطالب الحكومة بأن «تضرب بالقرار الأميركي ضد الجمعية عرض الحائط»، متمنيا منها أن تتعامل مع القرار الأميركي كما تتعامل أميركا مع قوانين حقوق الإنسان الدولية.

من جهته، التقى الشيخ ناصر المحمد رئيس مجلس الوزراء قياديي التيار السلفي، ومثله فعل وزير الشؤون الاجتماعية والعمل بدر الدويلة الذي التقى رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية احياء التراث، وتخلل الاجتماعين تبادل في وجهات النظر، وشكر «سلفي» للحكومة على موقفها الداعم للعمل الخيري.

من جهتها رأت مصادر خاصة بـ«الشرق الأوسط» أن «ملف الجمعيات الخيرية الكويتية تم التعاطي معه بشكل ضخمه بأكبر من حجمه الفعلي، فالجميع يعلم أن هناك جمعيات خيرية كويتية لها أفرع بالخارج، وأن عملها الإداري ليس دقيقا بالشكل المطلوب».

وفسرت المصادر أن «المسألة بالنسبة للأميركان وجود صلة بين القاعدة وجمعية إحياء التراث، إلا أن العلاقة ربما لا تعدو متى ما وجدت عن تحويلات مالية، أو ارتباطات شخصية بين كوادر الجمعية في الخارج، مع أطراف ربما تتعامل مع القاعدة أو عناصرها بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكن هذا لا ينفي وجود الشبهة، ويبقي القضية مفتوحة لحين تقديم أدلة رسمية، تثبت وجود علاقة مباشرة بين جمعية إحياء التراث والقاعدة».

وسبق للحكومة الأميركية أن قررت عام 2002 تطبيق إجراءات مماثلة على مكاتب جمعية إحياء التراث في افغانستان وباكستان، كما تعرضت مكاتب الجمعية للمداهمة من قبل قوى الأمن في ألبانيا وأذربيجان وبنغلاديش والبوسنة وكمبوديا وروسيا، بداعي دعمها لتنظيم القاعدة.

ونقلت مصادر مقربة لـ«الشرق الأوسط» أن «الكويت وبقية دول العالم غير ملزمة بتنفيذ القرار الأميركي، نظرا لكونه قرارا داخليا أميركيا، وليس قرارا دوليا صادرا من مجلس الأمن، كما أن العمل الخيري في الكويت تشرف عليه مؤسسات الدولة، هي شهدت في أكثر من مرة على أن ملف المؤسسات الخيرية نظيف».

أما بدر الدويلة وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، المعنية بالإشراف على نشاط الجمعيات الخيرية في الكويت، وقد وصف عمل الجمعيات الخيرية الكويتية بـ«النزيه، كما أن لها باعا طويلة في العمل الخيري، داخل دولة الكويت وخارجها».

وطالب الوزير الدويلة بحسب تصريح نقلته وكالة الأنباء الكويتية السلطات الأميركية بتقديم ما يثبت بأن جمعية إحياء التراث مرتبطة بتمويل الإرهاب، «وفي حال كان لوزارة الخزانة الاميركية أي تحفظات أو أدلة على اتهاماتهم للجمعية بارتباطها بالإرهاب، فليقدموها للوزارة لعرضها وقراءتها والتدقيق فيها».

وأضاف «كانت هناك محاولة لإصدار قرار من لجنة العقوبات التابعة لمجلس الامن ضد الجمعية، لإدراجها وتجميد أرصدتها، إلا أن هذا القرار لم يصدر لاعتراض بعض الدول عليه»، وبعد رفض اصدار القرار من مجلس الأمن «صدر بيان وزير الخزانة الأميركي بتجميد أموال الجمعية في الولايات المتحدة».

وأشار وزير الشؤون الاجتماعية والعمل إلى أن وزارته «اطلعت على أعمال هذه الجمعية داخل الكويت خلال الاجتماع مع مسؤوليها، ولم نجد شبهة حول الجمعية، أما أعمالها خارج الكويت، فنحن نعمل على الاطلاع عليها».

وكشف الوزير الدويلة عن دراسة تقوم بها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتتعلق باختيار «مكتب تدقيق عالمي، للتدقيق في أعمال ومصروفات الجمعيات الخيرية، وبخاصة المصروفات في الخارج، الأمر الذي سيساعد الحكومة في مراقبة أعمال الجمعيات، ولصالح الجمعيات نفسها، حتى تكون أوراقها مكشوفة أمام الجميع، ويتم الرد على أي جهة تتهمها بدعم الارهاب».

وأكد الوكيل المساعد لقطاع التنمية الاجتماعية بوزارة الشؤون منصور المنصور خلال الاجتماع أن الوزارة «لم تصلها أي كتب رسمية من وزارة الخزانة الاميركية بشأن هذه الاتهامات، وسبق لنا أن بحثنا مع وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين هذا الامر، وتم الطلب منهم إرسال أدلة حول تورط أي جمعية خيرية في أعمال غير مشروعة أو التعامل مع الارهاب».

أما مدير إدارة الجمعيات الخيرية والمبرات بالوزارة ناصر العمار فقال إن «الوزارة قامت بعمل كشف للذمة المالية لجمعية إحياء التراث واللجان التابعة لها، ولم ترصد أي التجاوزات او اتهامات بمساعدة الإرهاب».

ونيابيا لخص رئيس البرلمان جاسم الخرافي مواقف النواب، والتي أكدت دعمها لجمعية إحياء التراث، وانتقدت القرار الأميركي، فقد اعتبر الخرافي في تصريح نقلته وكالة الأنباء الكويتية بأن «الاجراءات الاميركية بحق جمعية احياء التراث الاسلامي لا تعكس العلاقات المتميزة بين الكويت وأميركا، بل على العكس ربما تسيء لهذه العلاقة، ويجب أن تحترم الولايات المتحدة الأميركية سيادة الكويت، وأن تعي بأن ما يتعلق بالإجراءات التي تتخذ لا بد أن تكون من خلال التنسيق».

واستذكر الخرافي إصدار واشنطن تقريرا عن حقوق الانسان في الكويت، ووجود محتجزين كويتيين في سجن غوانتانامو، مشيرا إلى أن «هذه التصرفات الاميركية تدلل على ان هناك أكثر من سياسة أميركية داخل أميركا، وعلى اميركا الصديقة ان تعي وتعرف بأن عليها التنسيق مع دولة الكويت قبل اتخاذها اي اجراء».

ودعا الخرافي الولايات المتحدة الى احترام سيادة دولة الكويت، وأن تدرك اجراءاتها الاخيرة من شأنها الاساءة للعلاقة المتميزة مع الكويت، ومن كان بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة»، في إشارة منه إلى تعاطي الولايات المتحدة الأميركية مع ملف حقوق الإنسان.

واثنى الخرافي على دور الحكومة الكويتية في دعم وتعزيز سيادة الدولة وقيامها بدور فاعل في هذا الخصوص أمام هيئة الامم المتحدة مشيرا الى ان الحكومة أكدت امام الهيئة الدولية حرص الجمعيات الخيرية الكويتية على عدم الخروج عن مظلة الدولة.

وفي رده على سؤال بشأن ما اذا كانت الاتهامات الاميركية لجمعية احياء التراث تأتي متناغمة مع اتهامات اطلقتها جهات محلية بدعم الجمعية لجهات خارجية قال الخرافي ان «كل ما استطيع قوله بان جمعية احياء التراث جمعية خيرية كغيرها من الجمعيات التي تعمل تحت مظلة القانون الكويتي، والعمل الخيري هو اساس عمل هذه الجمعيات».

من جانبها نفت جمعية إحياء التراث الاسلامي الاتهامات التي وجهتها إليها وزارة الخزانة الاميركية، وأوضحت في بيان لها أنها «جمعية خيرية كويتية تعمل في دولة ذات سيادة، تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ووفق قوانين جمعيات النفع العام الكويتية، وما تضمنه بيان وزارة الخزانة الأميركية عبارة معلومات غير صحيحة، ولا تستند إلى أي دليل مادي، وهناك من يحاول استغلال الشبهات وإثارة البلبلة حول العمل الخيري، وما قيل عن علاقتنا بتنظيم القاعدة غير صحيح، ولا يمت للواقع بصلة».

وعلى صعيد آخر، أقرت لجنة الشؤون التشريعية والقانونية البرلمانية مقترحا بزيادة رواتب الكويتيين خمسين دينارا كويتيا (188 دولارا أميركيا)، وهو المقترح الذي قدمه أكثر من نائب في البرلمان السابق، ورفضته الحكومة ما أدى إلى تأزيم العلاقة بين السلطتين، كون الحكومة أقرت زيادة للرواتب في فبراير (شباط) الماضي بمقدار 120 دينارا كويتيا (450 دولارا أميركيا)، إلا أن النواب اعتبروا الزيادة الحكومية غير كافية لمواجهة متطلبات العيش، في ظل ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم.

ومن المقرر إدراج مقترح زيادة الرواتب على جلسة البرلمان يوم الثلاثاء المقبل، كما استبق أكثر من نائب الجلسة المرتقبة لمناقشة زيادة الرواتب، وأبدوا موافقتهم على المقترح قبل أن يطرح للنقاش، في وقت تطالب فيه الحكومة النواب بعدم تقديم مقترحات ذات طابع انتخابي وتكلف خزانة الدولة كثيرا من الأموال على حساب المشاريع التنموية.