صفوف تعلم اللغة في ألمانيا يساعد النساء على الاندماج في المجتمع

المسؤولون المشرفون على الدورات عدلوا في أوقاتها لتتناسب واحتياجات الأمهات

TT

خلال الأعوام الأولى لها في ألمانيا، كان من النادر أن تغادر سارة طاهر المنزل الذي تعيش فيه. فهي لم تكن تتحدث الألمانية. وتقول سارة: «لم أكن أحب أن أخطو خطوة واحدة خارج المنزل بدون زوجي. حتى عندما كنت أذهب إلى الطبيب، كان يجب أن يكون زوجي معي ليترجم لي». وتعد النساء من أمثال سارة، وهي مهاجرة مغربية تبلغ من العمر27 عاما، محور قضية الاندماج مع المجتمع في ألمانيا، وغيرها من الدول الأوروبية، لا سيما النساء اللواتي أتين من بلدان إسلامية، حيث يكون من المستحيل بالنسبة لهن الاندماج مع المجتمعات التي يعشن فيها من دون أن يكن لهن القدرة على تحدث لغة هذه البلد. الأسوأ من هذا، نجد أن أطفالهن الذين ولدوا في ألمانيا يميلون للعزلة، مما ساهم في تكون مجتمع يطلق عليه النقاد اسم «المجتمع الموازي». ولكن، في الوقت الحالي تتحدث سارة الألمانية بالدرجة التي تمكنها من التسوق بمفردها وارتياد وسائل النقل المختلفة، وتستطيع التعامل مع الهيئات الحكومية والبنوك، ويمكنها مقابلة أساتذة طفلتها. وقد تمكنت سارة من القيام بهذا، بعد أن التحقت بدورة لتعليم اللغة للأمهات بمدرسة ألبرت سكوفيتزر مع ابنتها. وتقول: «تذهب هي (الابنة) إلى فصلها، وأذهب أنا إلى الفصل الذي أدرس فيه». وتأتي هذه الدورة في إطار برنامج مبسط لتعليم اللغة (يطلق عليه «ماما تتعلم الألمانية») في ولاية هيسن الألمانية، وقد امتد هذا البرنامج في الفترة الأخيرة للعديد من الولايات الألمانية الأخرى. وبدأت النمسا في تطبيقه أيضا. وتعرف مدينة فرانكفورت بأنها محور للتجارة الدولية، ويوجد فيها العديد من الجاليات المهاجرة، ومن بين أكثر من 600 ألف شخص في فرانكفورت، لا يمتلك ثلث من يعيشون في المدينة جواز سفر ألماني، وهناك الكثير من النساء اللواتي يعشن في عزلة، كما كان الحال مع سارة. وتقول مريان سبونر، من مكتب شؤون الثقافات المتعددة في فرانكفورت: «نعمل جاهدين للتوصل لطريقة يمكننا من خلالها الوصول إلى هؤلاء النسوة. نناقش المشاكل ونحاول العثور على حل». كان عدد قليل من الأمهات المهاجرات يذهبن إلى دورات تعليم اللغة، التي كانت تعقد في أغلب الأحيان بعض الظهيرة أو في المساء، لأن هذا هو الوقت الذي عليهن أن يكن في بيوتهن ليقفن على حاجات أبنائهن. وقد قام المسؤولون المشرفون على هذه الدورات بتكييفها لتتناسب واحتياجات الأمهات، حيث تعقد الدورات في الوقت الحالي في النهار، أي عندما يكون الأطفال في المدارس، كما تكون هناك خدمة لرعاية الأطفال الرضع والصغار. ولا يسمح بوجود أي رجال داخل الفصول، حتى لو كانوا مدرسين، حتى لا يضايقوا المحافظين المسلمين. ويقول المدرسون والمعلمون إن الكثير من الأزواج يصاحبون زوجاتهم خلال الدروس الأولى للتأكد من أنه عدم وجود أي رجال. وتقول أرمين لاستشت، وهي المسؤولة عن الاندماج في ولاية نوردراين فيستفالن الألمانية: «هدفنا الوصول إلى النساء اللواتي يعشن في عزلة مجتمعية ومساعدتهم على التحدث بالألمانية، وإذا كنا سنحقق هذا الهدف عن طريق تعليم النساء والرجال دون اختلاط، فهذا أمر جيد».

ويبلغ سعر الدورة 235 دولار، ومع هذا حضرت نحو 13 ألف امرأة هذه الدورة في ولاية هيسن خلال الأعوام العشرة الماضية. وعلى الرغم من النجاح الذي حققه البرنامج، لم تعممه الحكومة الفيدرالية في كافة أنحاء البلاد. ويقول عميد نوريبور، وهو عضو بالبرلمان الألماني ومتحدث باسم مجموعة عمل الهجرة بحزب الخضر: «لدينا طريقة جيدة جدا للوصول إلى من تريد الحكومة الاندماج معهم، ومع هذا لا تريد الحكومة تمويل هذه الطريقة. هذا خطأ».

وتوجد في منطقة فرانكفورتر بيرغ، شمال وسط المدينة، حيث تعيش سارة، أعداد كبيرة المهاجرين الذين أتوا من إريتريا وسري لانكا وشمال أفريقيا. ويقول دتلف لاك، مدير بمدرسة سكوفيتزر، إن أكثر من 40 في المائة من الأطفال من أصول مهاجرة. ويضيف لاك: «في بعض المواقف، يغضب الزملاء من أن الأمهات لا يرددن على خطاباتهم ولا يحضرن الاجتماعات، ولكني قلت لهم يجب أن تسألوا أنفسكم لماذا لا يقمن بهذا، ربما لا يستطعن». وتحضر رهوا ولد كيدان، وهي مهاجرة من إريتريا، الآن دورة تعليم اللغة، إنها كانت تلقي الخطابات التي تصلها بالألمانية في سلة النفايات لأنها لا تستطيع قراءتها. ويشير مديرو المدارس والمدرسون إن الأمهات المسجلات في برنامج «ماما تتعلم الألمانية»، يقابلنهم في أغلب الأحيان ويشاركن في معظم الأنشطة المدرسية. ويقول المدرسون إن الأطفال الذين تحضر أمهاتهم هذه الدورة يكون مستواهم الدراسي أفضل. وتذهب الأمهات الطلاب في رحلات قصيرة إلى المتاحف والأماكن التاريخية في فرانكفورت، مثل كنيسة «دوم» الشهيرة، وتروي غيرليند ثومال، وهي مدرسة في «ماما لرنت» كيف كانت النساء المسلمات يشعرن بالإثارة وهن داخل الكنيسة، فبالنسبة لهن كانت هذه هي أول مرة يدخلن كنيسة.

وتقول سفيتلانا فوسيك، وهي مهاجرة من البوسنة، إنها لم يكن لديها أي احتكاكات مع الألمانيين قبل بدء دراسة الألمانية، وتضيف: «قبل أن أحضر الى هذه الدورة كنت أسأل نفسي لماذا أتيت إلى هنا، واليوم أعرف ألمان ودودين جدا».

* خدمة «نيويورك تايمز»