بيريس: حماس مثل الجدار لا يمكن الحديث معها

الرئيس الإسرائيلي: يتعين على الوزير الذي أطلق تصريحات ضرب إيران انتقاء كلماته بشكل أفضل * ليس من حق رئيس أن يصدر بيانا عما تملكه دولة أخرى من قنابل نووية رغم أننا كلنا لدينا معلومات * الفلسطينيون أهدروا قبل 60 عاما فرصة دولة أكبر مما هومعروض حاليا

شيمعون بيريس («الشرق الأوسط»)
TT

يعتبر شيمعون بيريس بيريز، 84 عاما واحداً من أكثر الشخصيات السياسية التي تحظى بالاحترام داخل إسرائيل ولعب دورا هاما على المسرح السياسي طوال العقود الأخيرة وفي عملية السلام في الشرق الأوسط، وعلى امتداد حياته المهنية العديد من المناصب، منها وزير الخارجية ورئيس الوزراء، حتى وصل أخيراً إلى منصب رئيس إسرائيل. وبعد اضطرار اثنين من رؤساء إسرائيل السابقين للتنحي عن المنصب في ظل اتهامات أحاطت بهما بالفساد والاغتصاب.

على الصعيد الشخصي، لم تنتقل زوجة بيريس، سونيا، معه إلى منزل الرئيس، واعترف بيريس أنه يشعر بالوحدة في بعض الأحيان.

وفي الحوار التالي تحدث عن السياسة الإسرائيلية ومفاوضات السلام مع الفلسطينيين وايران وقضايا اخرى.

* بعد كل هذه السنوات في السياسة، لا بد وأنك تشعر بالسعادة بأن يدعوك الآخرون سيدي الرئيس؟ ـ لا أعتقد أنه ينبغي الحكم على شخص ما بألقابه، وإنما بأفعاله.

* وأنت فعلت الكثير على امتداد الأعوام الستين الماضية منذ قيام إسرائيل. ما هي الأعمال التي تشعر بالقدر الأكبر من الفخر حيالها؟ ـ حسناً... ستون عاماً فترة طويلة. لقد عدت بذاكرتي للوراء أخيراً أثناء استضافتي رؤساء والكثير من الممثلين ورجال الأعمال أثناء احتفالات اسرائيل بالذكرى الستين لقيامها. وأعتقد أن هناك بضعة قرارات شكلت أهمية بالغة لمستقبل إسرائيل: منها كسر الحظر الذي فرضته الدول العربية على إسرائيل (الذي دعمته فرنسا في وقت من الأوقات) وعملية قناة السويس عام 1956 التي مكنت إسرائيل من العيش في هدوء لمدة عشر سنوات بعدها وبناء نقاط القوة في إسرائيل: التقنية المتطورة والتقنية الحيوية وبناء الطاقة النووية الإسرائيلية.

* أعتقد أنك كنت الشخص المسؤول وراء ذلك؟ ـ نعم! بصورة ما. لكنني لم أكن أتطلع نحو رؤية آنذاك، وإنما كنت أبحث عن حل. كما أنني أشعر بالفخر لأني شاركت في تنمية «الجليل» و«النقب»، وعملية «عنتيبي» التي قام خلالها الجيش الإسرائيلي بتحرير رهائن إسرائيليين في أوغندا. وأشعر بفخر بالغ من اتفاق أوسلو (مع الفلسطينيين).

* الذي حصلت على جائزة نوبل من أجله؟ ـ حسناً، أُطلق على هذا الطريق تسمية من ديمونة إلى أوسلو. أيضاً كنت محظوظاً للغاية للعمل مع مؤسس إسرائيل، دافيد بن غوريون. لقد راهن علي، ذلك أنني كنت شاباً غير معروف، وتعلمت الكثير على يديه.

* بمناسبة الحديث عن الرؤساء، زار الرئيس الأميركي السابق، جيمي كارتر، الشرق الأوسط أخيراً وأصدر تصريحات بشأن عدد الأسلحة النووية التي تملكها إسرائيل. ما رأيكم بشأن ذلك؟ ـ ليس من حقي كرئيس لإسرائيل أن أعلن عدد القنابل التي تملكها الولايات المتحدة... فليس من مهام رئيس دولة ما إصدار أي إعلان يتعلق بدولة أخرى، رغم أننا جميعاً نملك مثل هذه المعلومات.

* صدر بيان نووي آخر عن أحد الوزراء الإسرائيليين منذ أيام قليلة، مما أدى إلى حدوث ارتفاع شديد في أسعار النفط، حيث صرح وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، شاؤول موفاز، وهو من اصل إيراني، بأن على إسرائيل مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية؟ ـ حسناً، أعتقد أنه إذا ما أردت عدم زيادة تكاليف معيشتك، فعليك انتقاء كلماتك بشكل أفضل. لقد صدر هذا التصريح بصورة عرضية، وأشعر بأسف كبير بشأنه.

* هل تعتقد أنه ينبغي الحديث أم عدم الحديث مع «حماس» و«حزب الله» .. أو «القاعدة»؟ ـ لماذا لم يعد لـ«القاعدة» أي وجود تقريباً؟ لأن الرئيس مشرف وآخرين رفضوا الحديث إلى أعضائها. إنهم يموتون الآن. أما حماس، فهل ترين هذا الجدار؟ هل يمكن لأحد الحديث معه؟ لا. إن حماس لا تشكل منظمة ذات جوهر، وإنما منظمة تسعى للاعتراض فحسب. إنهم لا يريدون الاعتراف بنا. ونحن بحاجة إلى شركاء للحديث إليهم.

* إذاً كيف يتحقق أي اتصال معهم؟ ـ بالطبع الأمر يرجع إلى الفلسطينيين، الأمر يشبه ما قام به المُفتون منذ ستين عاماً ماضية. من الواضح تاريخياً أن الفلسطينيين أذوا أنفسهم. لقد توافرت أمامهم فرصة منذ ستين عاماً ماضية، لكنهم أهدروها، وبحلول 29 نوفمبر 1947، كان باستطاعتهم الحصول على دولة أكبر مما يتوافر أمامهم اليوم.

* وبالنظر إلى الانقسام بين غزة وباقي السلطة الفلسطينية، من الذين يمثلهم عباس ـ انتخب أبو مازن من قبل 64 في المائة من الشعب الفلسطيني. وتمرد أفراد داخل غزة ضده، وليس كل الشعب، وهؤلاء الأفراد هم حماس. من جانبنا، نحترم أبو مازن. وتكمن المشكلة بطبيعة الحال في الانقسام، لكن ليس بمقدورنا التدخل، بل ينبغي علينا الامتناع حتى عن مجرد المحاولة. إن المشكلة لا تخص إسرائيل.. لا بل إنها تخصنا بالفعل، لكن ليس بإمكاننا السيطرة عليها. * الشخصيات السياسية الإسرائيلية هي نفسها منذ زمن طويل. أين مصدر الهواء النقي الجديد في الحياة السياسية الإسرائيلية؟ أين باراك أوباما الخاص بكم؟

ـ لكن لدينا إيهود باراك وإيهود أولمرت.

* حسناً، لقد تواجدا على الساحة على امتداد فترة طويلة.

ـ حسناً، هناك تسيبي ليفني. في الواقع، علينا أن نترك الشباب يناضل. فعندما تكون شاباً، يخالجك الشعور بأنك تعرف الكثير، ثم تبدأ الأمور في السير بسهولة... ثم يصبح لزاماً عليك أن تقاتل وتتعلم، وحينئذ تبدأ معرفتك.

* لقد لمست الآن قضية بالغة الأهمية بالنسبة للانتخابات الأميركية، والفوضى الإسرائيلية الراهنة. هل أوباما أو ليفني مؤهلان لقيادة دول، دون أن يتوافر لديهما قدر كبير من الخبرة؟ هل تمثل الخبرة عنصراً ضرورياً في رئيس الدولة؟

ـ لا مطلقاً. الرؤية أهم بكثير.

* من القضايا الأخرى العالمية اليوم القتال ضد الإرهاب؟ وهو تحد كبير.

ـ بالفعل. لقد حاربت إسرائيل الإرهاب وأحرزت نجاحاً أكبر بكثير مما أحرزه الأميركيون في العراق. أنفقت أميركا 150 مليار دولار للوصول إلى الحلول الصحيحة لمشكلة الإرهاب، دون أن تحقق نجاحاً كبيراً. أما إسرائيل، فلا تملك مثل هذه الميزانية. إننا نبحث دوماً عن الحلول الصواب، إلا أننا نحقق نجاحات أكبر بكثير... وعليك أن تفسري لي من اتخذ قرار دعوة أحمدي نجاد إلى قمة الغذاء في روما؟ أعني أننا نبحث عن الغذاء وليس السم...

* حسناً، تضمنت قائمة كبار المدعوين لهذه القمة روبرت موغابي، رئيس زيمبابوي. ـ نعم، شخصية ديمقراطي بارزة أخرى ... ربما يعتقد البعض أني مفرط في فخري بإسرائيل. لكن رغم أننا مررنا بالكثير من الصعوبات، لم نفقد ديمقراطيتنا ولو ليوم واحد، ولو لساعة واحدة. هذا هو سر الإعجاب الذي تحظى به إسرائيل عالمياً.

* التقيتم بالرئيس مشرف. وأخبرني الرئيس الباكستاني عدة مرات أنه يعمل على بدء علاقات مع إسرائيل. هل ناقش ذلك معكم؟ ـ بالطبع! ولما لا؟ لكن لا تنسي أنه مر بأوقات عصيبة. وقد أخبرني أنه يعتقد أن الجيش يساعد في تحقيق توازن بالموقف البالغ الصعوبة الذي تواجهه باكستان حالياً. وعلي الاعتراف بأنه أبدى مهارة كبيرة في القيام بذلك.

* إذاً، هل تعتبر مشرف شخصا ديمقراطيا؟ ـ (صمت لفترة طويلة) حسناً... شخصياً ـ ربما... أعتقد...، القادة في باكستان يتعرضون للاغتيال. ولديك هناك متطرفون.. وأمامك الكثير من القضايا هناك. وأجريت سابقا محادثات مع بي نظير بوتو مرتين. وكانت قد طلبت مقابلتي، وطلبت مني النصيحة بشأن كيفية التعامل مع قضية كشمير... وبطبيعة الحال تحدثنا عن الكثير من القضايا. وأعربت عن أملها في بناء علاقات معنا.

* إذاً ما الذي يحول دون مُضي الدولتين قدماً؟ ـ لأن الأوضاع حسب اعتقادي لم تستقر بعد داخل باكستان، فمن هم صناع القرار داخل البلاد... مشرف نفسه يواجه موقفاً صعباً. لقد أخبرني أنه يناضل من أجل الحفاظ على منصبه: إذاً من يسيطر على الترسانة النووية الباكستانية، لذا لا أعتقد أننا نمثل إحدى أولوياتهم. وأنا أتفهم تماماً هذا الأمر.

* بالنسبة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. مرت علاقات إسرائيل وفرنسا بأوقات عصيبة في ما مضى، لكن الآن علاقتك أنت وساركوزي جيدة، وهو وزوجته كلارا سيزوران إسرائيل في غضون أيام قليلة. ـ نعم، سيزور ساركوزي إسرائيل في الـ23 من الشهر الجاري. وبالفعل لديه زوجة جميلة... وساحرة للغاية. وقد بث ساركوزي روحاً جديداً في القيادة الأوروبية. ويتبع الرئيس الفرنسي توجهاً جديداً حيال علاقات بلاده مع أميركا، كما أنه يولي إسرائيل دعماً كبيراً. في الواقع، هناك قيادات جديدة بمختلف أنحاء أوروبا، مثل أنجيلا ميركل في ألمانيا، وبرلسكوني في إيطاليا. وجميعهم يناضلون من أجل بناء علاقات أفضل مع الولايات المتحدة. إن الوضع كله يتغير ويعتبر ساركوزي واحداً من الذين يقودون هذا التغيير. لقد تم بناء حلف الناتو لمحاربة الأعداء المشتركين، لكن ليس هناك الآن مشكلة الاتحاد السوفياتي أمام واشنطن.

* إذاً ما هي المشكلة الكبرى أمام أميركا؟ ـ خطر الإرهاب.

* ساركوزي ليس من المؤيدين لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي... ما وجهة نظرك حيال هذا الأمر؟ وهل ستناقش هذه القضية معه؟ ـ أؤيد تماماً انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. إن هذا الأمر بالغ الأهمية، ومن المعروف أن الاتحاد الأوروبي تم إنشاؤه لمواجهة الشيوعية، لكن الشيوعية انتهت منذ أمد بعيد. لذا سأخبر ساركوزي (وميركل وآخرين) أنه بدلاً من إرسال العمال الأتراك إلى أوروبا (وأنا أتفهم أن ذلك يثير مخاوفهم)، أرسلوا المزيد من العمل إلى تركيا، وأن عليهم خلق علاقة صحية مع تركيا. بصورة عامة، هناك مدرستان فكريتان في الإسلام: إحداهما تنتهجها تركيا والأخرى تتبعها إيران. وسأخبر ساركوزي والقادة الآخرين أنه: إذا لم تساعدوا تركيا، فإنكم بذلك تساعدون بالفعل إيران.

* يقولون إن القمة تبث في المرء شعورا بالوحدة، هل تشعر أحياناً بالوحدة داخل هذا المنزل؟

ـ نعم ولكن القاع يخلق أيضاً شعورا بالوحدة. نعم، مثل كل الناس، أشعر في بعض الأحيان بالوحدة. لكن القائد لا ينبغي أن يشكو. وأنا لا أقبل مثل هذه الدموع، لقد اتخذت قراري منذ وقت طويل مضى. وينبغي على القائد أن يدرك ما تحمله مهمته من تبعات. وينبغي على القائد أن يكرس جهوده لخدمة قضية ما، وليس نفسه. لذا لا ينبغي الشعور بالحزن وذرف الدموع، فكل إنسان يراوده أحياناً الشعور بالوحدة.

* عامل السن أصبح واحداً من القضايا المرتبطة بالانتخابات الأميركية، في ما يتعلق بمرشح الحزب الجمهوري جون ماكين. ما رأيك بهذا الأمر؟ هل السن قضية مشروعة في ما يتعلق بالقادة؟ ـ ليس من منظور الأفراد الذين تقدموا في السن... لا أعتقد أن بمقدورك الحكم على شخص ما من عمره، فبعض كبار السن يفكرون مثل الشباب، وبعض الشباب يفكرون ويتصرفون مثل كبار السن. لذا ليس بإمكانك الحكم على شخص ما بناءً على عمره في جواز سفره.

* اعتدنا الاستماع إلى آراء الساسة الإسرائيليين بشأن الأمن وما إلى غير ذلك، لكن لا أتذكر أني سمعت أي وجهة نظر إسرائيلية حيال قضايا أخرى جوهرية.. ظاهرة الاحتباس الحراري، مثلاً. ـ نعم، هذه قضية على قدر بالغ من الأهمية. وبإمكان إسرائيل الاضطلاع بدور رائد بهذا المجال. فرغم أننا دولة صغيرة، لدينا الكثير من العلماء: ويزيد معدل العلماء لدينا بالنسبة للمتر المربع عن أي دولة أخرى. بيد أن المشكلة تكمن في أنه لا يمكنك تناول القضايا البيئية بمفردك، وإنما يتعين عليك العمل مع شركائك. لدينا حدود مع الأردن والفلسطينيين، على سبيل المثال، وأبرمنا اتفاقا حول حصص المياه.

* أزمة الغذاء؟ ـ موجز ما حدث أن هناك ثقافتين في العالم، إحداهما السائدة في أوروبا والولايات المتحدة، والأخرى تنتمي لأفريقيا. وقد قرأت في إصدار ما أن البقرة في أوروبا تحصل على تغذية أكبر مما يحصل عليه الفرد داخل أفريقيا. ومن بين إجمالي مصادر المياه المتوافرة على الأرض من محيطات وبحيرات وأنهار، فإن 10 في المائة منها فقط تعد صالحة للشرب. هل تعلمين ما الذي نفعله في إسرائيل؟ نقوم بإلحاق جهاز حاسب آلي بكل شجرة لتحديد كمية المياه التي تحتاجها، خاصة أن هناك بعض المناطق مثل الصحاري لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه. كما قام بعض علمائنا بتطوير سلالات جديدة من البذور تثمر إنتاجاً أكبر من العادية بنسبة 70%. لذا، ليس هناك ما يستدعي معاناة العالم من الجوع. ولو واجهنا الجوع، سيكون ذلك بسبب الجهل. وعلينا التغلب على الجهل وتعلم أسرار الطبيعة.