مؤتمر الاتحاد الاشتراكي المغربي يؤجل استكمال أشغاله إلى نوفمبر

TT

قرر مؤتمر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي (مشارك في الحكومة)، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ الحزب، تأجيل استكمال أشغال مؤتمره الثامن إلى غاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وتم اتخاذ هذا القرار بالإجماع بعد يوم طويل من التوتر والنقاشات المحتدة وصلت في بعض الأحيان حد الاشتباك بالأيدي وتكسير بعض المقاعد.

وكانت أشغال المؤتمر قد توقفت حوالي الساعة التاسعة من الليلة قبل الماضية، بعد احتداد الصراع حول طريقة انتخاب الأجهزة المسيرة للحزب بين المساندين لنمط الاقتراع باللائحة، والمعارضين له. وبعد فترة استراحة طويلة، اجتمعت خلالها رئاسة المؤتمر مع القيادات الجهوية للحزب للبحث عن حل توافقي، دعت رئاسة المؤتمر في حوالي الساعة الواحدة ليلا إلى جلسة عمومية لتقترح على المؤتمرين تأجيل ما تبقى من أشغال المؤتمر إلى أجل أقصاه 6 أشهر، وأن تستمر الأجهزة التنفيذية المنبثقة عن المؤتمر السابق في تولي مهام تسيير الحزب خلال هذه الفترة.

وقال إدريس لشكر، عضو المكتب السياسي للحزب (الهيئة التنفيذية)، لـ«الشرق الأوسط»، ان ثقل برنامج المؤتمر والمهام المطروحة عليه هي التي حالت دون استكمال أشغاله. وحول حصيلة المؤتمر، قال لشكر: «لقد تمت المصادقة على التقريرين الأدبي والمالي، كما تمت المصادقة على نتائج أشغال لجنة فرز العضوية، والتي لم تكن مهمة سهلة نظرا للكيفية التي تم بها انتخاب المؤتمرين والصعوبات التي عرفتها فروع الحزب وكذا الحدة والحماس التي تمت بها هذه العملية. ولذلك فإن مراقبة المحاضر من طرف لجنة فرز العضوية والمصادقة عليها، لم تكن بالأمر الهين». وأضاف لشكر أن تأجيل الشطر المتبقي من أشغال المؤتمر سيمكن الحزب من إعداد أفضل والتوصل إلى توافقات حول القضايا الخلافية، خاصة المتعلقة بنمط انتخاب الأجهزة المسيرة للحزب. ووصف لشكر المؤتمر بأنه «ناجح»، رغم عدم اكتمال أشغاله، كونه حافظ على وحدة الحزب، مؤكدا أنه لو كانت الظروف مواتية حتى لا يلتحق المؤتمرون بمقار عملهم، لاستمر النقاش والتصديق على المقررات المعروضة عليه، مشيرا الى ان الاتحاديين تركوا باب المؤتمر مفتوحا.

وبخصوص الاتهامات التي وجهت له، باعتباره هو من حرض شباب الحزب على القيام بالاحتجاجات، حتى يضمن عدم التصديق على نظام اللائحة لانتخاب الاجهزة المسيرة، نفى لشكر ذلك، وقال: «إن المؤتمرين مارسوا حقهم في التعبير عن رأيهم الشخصي، وانه لم يكن لا أمامهم ولا ورائهم»، مبرزاً أن الذين يرددون هذا الكلام هم غرباء عن الحزب، واعتقدوا ربما عن حسن نية، أنهم شاركوا في مؤتمر منظمة مهنية، أو هيئة دبلوماسية. وأكد لشكر ان مؤتمرات الحزب، الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس، شهدت مناقشات حادة، وصراعا قويا، مشيرا الى ان الاتحاد الاشتراكي هو حزب بكل ما للكلمة من معنى، وليس غرفة لتسجيل الكلام، وعدم اتخاذ القرارات الحاسمة، مضيفا أن المؤتمرين وجهوا انتقادات قوية لوزراء الحزب في الحكومة، وأيضا لقيادة الحزب بشأن تدبير الانتخابات التشريعية الاخيرة، وتطرقوا الى القضايا الكبرى التي تعيشها البلاد، وضرورة وضع برنامج للدفاع عن كرامة المواطنين، وعدم المساس بهم، مثل ما جرى أخيرا في مدينة سيدي افني، ورد الاعتبار الى العمل السياسي، وعدم تبخيس العمل الحزبي، وضمان استقلالية القرار الحزبي عن أي تدخل خارجي، وكان ذلك بإجماع غالبية المؤتمرين، على حد قوله، وهذا يعني انهم لم يغرقوا في مسائل فنية، تتحدث عن كيفية انتخاب الاجهزة المسيرة للحزب فقط.

الى ذلك، انتقد مشاركون في المؤتمر هزالة النتائج التي تم التوصل إليها، إذ بعد يومين ونصف يوم من الأشغال المضنية، لم يتمكن المؤتمر من مناقشة أي مشروع من مشاريع المقررات، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والآيديولوجية، المطروحة عليه باستثناء المقرر التنظيمي، الذي عرض للنقاش بعد ظهر أول من أمس، وأثار زوبعة من الاحتجاجات والتوترات كادت أن تعصف بالمؤتمر. وتم مساء أول من أمس طرح مسألة انتخاب أعضاء المكتب السياسي والأمانة العامة باللائحة، للتصويت في جلسة عمومية، وذلك مباشرة بعد مصادقة المؤتمرين على التقريرين المادي والأدبي واستقالة المكتب السياسي السابق. إلا أن بعض المؤتمرين عارضوا عملية التصويت في إطار جلسة عمومية، معتبرين أن القاعة تضم أشخاصا غير مؤتمرين. وبعد نقاش طويل تم التوصل إلى توافق كي يتم التصويت في إطار مجموعات جهوية تضم كل واحدة منها المؤتمرين المنتدبين عن منطقة معينة من مناطق المغرب. وصادقت الجلسة العمومية على هذا الاقتراح. وبدأت عملية التصويت بالمجموعة التي تمثل المغاربة القاطنين بالخارج. وكانت النتيجة 23 صوتا مع الاقتراع باللوائح، و7 أصوات ضده. ثم تلتها المجموعة التي تضم مؤتمري المحافظات الصحراوية، وكان التوجه العام للتصويت لصالح الانتخاب باللائحة. وهنا تدخل المعارضون لنمط الانتخاب باللائحة، وأوقفوا عملية التصويت، وصعد بعضهم إلى المنصة، فارتفعت حدة التوتر ما دفع برئيس المؤتمر إلى رفع الجلسة، والدخول في استراحة طويلة دامت زهاء 6 ساعات.

وقال عبد العالي دومو، عضو المجلس الوطني للحزب، ان مسألة التأجيل كانت مبيتة لدى بعض القادة منذ انطلاق أشغال المؤتمر، لأنهم حسب تعبيره، لم يكونوا مستعدين بما فيه الكفاية. وأضاف دومو، الذي كان يتحدث مساء أول من أمس، وسط حلقة نقاش على هامش المؤتمر، أن طريقة تسيير المؤتمر كانت موجهة بشكل يستنفد الوقت المخصص له، من دون تحقيق نتائج. وقال: «أين اللجان التي ألفنا تشكيلها في ظل كل مؤتمر لكي تناقش وتعد مشاريع المقررات للمصادقة؟، مضيفا: «أود الإشارة إلى أن مسألة التأجيل كانت قد طرحت خلال التحضير للمؤتمر، وأن رئيس المؤتمر كان من بين الشخصيات القليلة التي دافعت عن تأجيل المؤتمر في إطار اللجنة التحضيرية».وأشار دومو إلى أن نحو 600 مؤتمر (نحو نصف المؤتمرين) كانوا قد انسحبوا وعادوا إلى فروعهم قبل الساعة الثامنة من مساء أول من أمس، وذلك على إثر التوتر الذي عرفه المؤتمر خلال مناقشة المقررات التنظيمية الجديدة. ونفا محمد لخصاصي، رئيس المؤتمر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن يكون عمل على الدفع بالمؤتمر نحو التأجيل. وقال: «أبدا! هذا كلام غير مسؤول. لو كانت فكرة التأجيل واردة لما عقدنا المؤتمر. فنحن حرصنا أن نعقد المؤتمر في تاريخه القانوني المحدد، أي بعد 3 سنوات من تاريخ انعقاد آخر مؤتمر للحزب. والنية والقرار الذي جئنا به للمؤتمر هي انجاز المؤتمر. ولكن لما تبين لنا استحالة ذلك قررنا تأجيل ما تبقى منه واستكماله خلال شوط آخر في أجل 6 أشهر، وفق مقتضيات القانون الداخلي». وأضاف: «لقد استنفدنا الوقت المتاح للمؤتمر، ولا تزال أمامنا مهام كثيرة، خاصة مناقشة المقررات السياسية والفكرية والتنظيمية، والتي تتضمن مستجدات كثيرة. ووجدنا أنفسنا أمام خيارين، إما تمديد مدة المؤتمر من أجل استكمال أشغاله، وهذا سيجعلنا نواصل المؤتمر بأقل من نصف المؤتمرين، لأن أغلب المندوبين للمؤتمر اضطروا إلى المغادرة بسبب التزاماتهم المهنية والاجتماعية. وإما تأجيل ما تبقى من الأشغال وإنجازها خلال شوط ثان بعد 6 أشهر. وقد قدمنا اقتراح التأجيل للمؤتمرين بعد مناقشته مع قادة الفروع الحزبية. وتمت المصادقة عليه بالإجماع». ومن جهته، قال محمد بن يحيى، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر: «إنه مهما جرى، فإن حزبنا عرف ظاهرة صحية، تجلت في دينامية النقاش التي سادت المؤتمر، وهي دينامية طبعتها الحدة تارة، والفوضى تارة أخرى، ومع ذلك فإن الاتحاد الاشتراكي ما زال قويا وسيظل كذلك».

وفي سياق متصل، قال حسن طارق، عضو المجلس الوطني، إنه جد متشائم لقرار التأجيل، واعتبر ما جرى «فشلا سياسيا حقيقيا» كون الحزب منذ نشأته لم يتعثر في أي من مؤتمراته.

وكان المؤتمرون قد صادقوا بالاجماع على التقرير الأدبي والمالي، عقب مناقشة طبعتها الحدة في غالب الاحيان، إذ انتقد المؤتمرون الكيفية التي دبرت بها القيادة الحزبية الانتخابات التشريعية الاخيرة، ومفاوضات المشاركة في الحكومة، وانتقدت بشكل لافت القيادة في تدبير المرحلة، ونعتها بنعوت شتى، بينها الفشل الذريع في الرقي بالحزب الى مصاف الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الكبرى، والعمل على توحيد قوى اليسار لمواجهة المد الاصولي المتعاظم، وقوى اليمين، المحمية بالمال والجاه، والتي تعززت بـ«الوافد الجديد»، في الساحة السياسية، في إشارة الى جمعية «حركة من أجل كل الديمقراطيين»، التي يتزعمها فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب السابق في الداخلية.

ولم تتم المصادقة على التقريرين الأدبي والمالي، إلا بعد ضبط لوائح من لهم أحقية التصويت داخل المؤتمر، حيث تم ضبط من له صفة مؤتمر، فيما لم تتفوق رئاسة المؤتمر في تحديد اللجان التي ستناقش المقررات المعروضة على المؤتمر. وكانت أشغال المؤتمر الوطني الثامن للاتحاد الاشتراكي قد انطلقت يوم الجمعة الماضي تحت شعار «حزب متجدد لمغرب جديد»، بمشاركة نحو 1362 مؤتمرا، في إطار ما وصفه الاتحاديون بـ«مؤتمر عادي بصيغة استثنائية».