قصة «الملاك يي» وإنقاذه مئات التلاميذ من زلزال سيشوان المدمر

مقاييس بناء المدارس التي تضعها الحكومة غير مناسبة لتحمل هزات قوية

TT

اصطف التلاميذ في ملاعب كرة السلة الخارجية في مدرسة سانغزاو المتوسطة بعد دقائق من وقوع الزلزال. وبعد ان انتهى مدير المدرسة من عد التلاميذ، كان واضحا ان كل التلاميذ البالغ عددهم 2323، أحياء. قام الآباء الذين غطت ملابسهم الدماء والتراب بمعانقة أبنائهم وهم يبكون ويصرخون. وكذلك فعل مدير المدرسة يي زيبنغ وهو يقول: «لقد كان ذلك أروع شيء رأيته».ونظرا الى ان أكثر من عشرة آلاف تلميذ قتلوا داخل فصولهم في هذا الزلزال المدمر يوم 12 مايو، فإن نجاة هذا العدد الكبير من التلاميذ في سانغزاو تعتبر معجزة. وقد عزا التلاميذ والآباء الفضل في تحقق هذه المعجزة للرجل الذي يدعونه «يي الملاك». وبسبب قلقه من التشققات التي كانت تعاني منها مباني المدرسة، طلب يي 58 ألف دولار لإعادة ترميم المدرسة في التسعينات. وجلب عمالا لزيادة حجم الأعمدة الخرسانية وتقويتها بأسياخ الحديد. كما طلب وضع سور حديدي قوي على شرفات المدرسة. كما قام بهدم حمام كانت مواسيره قد تعرضت للتلف بسبب تأثير المياه. وربما تكون هذه المدرسة قد استطاعت تحمل ذلك الزلزال الهائل الذي بلغت قوته 8 درجات بسبب التعديلات التي أجراها يي على المدرسة. وعلى بعد 20 ميلا فقط إلى الشمال من هذه المدرسة، انهارت مدرسة بيشوان المتوسطة، حيث قتل نحو ألف تلميذ ومدرس. وتشير قصة يي إلى إهمال العناية بالمباني في هذا الجزء الجبلي من مقاطعة سيشوان، كما تشير إلى مدى فعالية الجهد الذي يبذل لمعالجة مثل هذه العيوب. وفي هذه الحالة، فإن الالتزام الشخصي والمبلغ الذي قام ذلك الرجل بجمعه كانا كافيين لتجنب كارثة كبرى. يقول يي، الذي يبلغ من العمر 55 عاما، في مقابلة صحافية معه: «لقد تعلمنا درسا من هذا الزلزال: يجب تطوير مقاييس بناء المباني الخاصة بالمدارس. المقاييس الحالية غير كافية».ولم يقم يي بترميم مباني المدرسة فقط، بل إنه أعد المدرسين والتلاميذ لمواجهة الكوارث، وكانوا يقومون بتجارب إخلاء طارئ مرتين كل عام. وبسبب ذلك، تمكن الطلاب والمدرسون من إخلاء المباني خلال دقيقتين فقط يوم وقوع الزلزال في 12 مايو. وتقدر الحكومة الصينية أن أكثر من سبعة آلاف صف انهار في هذا الزلزال. وقد أدى الدمار إلى خروج الاهالي إلى الشوارع للمطالبة بإجراء التحقيقات، وقد أصبح ذلك المطلب أكبر تحد سياسي لمسؤولي الحكومة في فترة ما بعد الزلزال. وقد بدأت الشرطة في تفريق المظاهرات التي اندلعت خلال الشهر الجاري.

وكان من الصعب تحديد المسؤول عن انهيار المدارس بسبب عدم وضوح أي من المستويات الحكومية كانت مسؤولة عن البناء الأصلي للمدارس وعن التفتيش عليها. وقال يي إن مقاييس البناء يتم تحديدها من قبل الحكومة المركزية في بكين. وفي الوقت الذي لم يبادر فيه مسؤولو التعليم بالمقاطعة بتحسين مدرسة سانغزاو المتوسطة، فقد أذعنوا لطلب المدير يي وأعطوه المال. وقال هوانغ زيشون، وهو مسؤول في قسم التعليم بالمقاطعة، في مقابلة تليفونية: «بناء على انهيار الكثير من المدارس، فإن مقاييس البناء ليست جيدة بما يكفي. والحكومة المركزية هي التي تضع المقاييس».

وأفاد المسؤولون الحكوميون في بكين وسيشوان بأنهم يحققون في أسباب انهيار تلك المدارس. واكدت لجنة الإصلاح والتنمية الوطنية يوم 27 مايو (ايار) بأنها قامت بوضع مسودة قانون لتطوير مقاييس البناء للمدارس الابتدائية والمتوسطة في المناطق الريفية. وأفادت اللجنة بأن الخبراء يقومون بمراجعة المسودة. ويعيش يي حاليا مع زوجته في معسكر من الخيام الخضراء في ملعب كرة السلة بالمدرسة. وقد بدأ العمل في هذه المدرسة منذ 30 عاما كمدرس للغة الإنجليزية وقام بالتدريس في كل فصل. وقال بعض التلاميذ بأنه يحب المزاح أكثر من المدرسين. وتعتبر سانغزاو مدينة ريفية يسكنها نحو 30 ألف نسمة، حيث يبيع التجار فيها الخضروات على قارعة الطريق. وفيها مدرستان متوسطتان، انما يفضل الاهالي ارسال أبنائهم الى المدرسة التي يعمل فيها يي نظرا لسمعتها الطيبة. وقد كان يي يشعر بالقلق من المبنى القديم عندما تولى إدارة المدرسة منذ نحو 12 عاما. ويتكون ذلك المبنى الأبيض من أربعة طوابق وبه نوافذ كبيرة وأسوار معدنية على الشرفات التي تفتح عليها الفصول. ويقول يي: «كان من المفترض أن يأتي المفتشون ليفحصوا هذا المبنى. فعندما تم الانتهاء من التأسيس كان من المفترض أن يكونوا حاضرين. وعندما تم وضع الخرسانة في الأعمدة كان من المفترض أن يكونوا حاضرين كذلك. لكنهم لم يفعلوا ذلك. وفي نهاية المطاف، لم يجرؤ أي مسؤول حكومي على فحص هذا المبنى لأنه بني بدون أي مقاييس».واضاف أن أسوار الشرفات الأصلية كانت من الإسمنت وليس من المعدن. كما كانت غير ثابتة وقصيرة. وكذلك لم تكن هناك أعمدة رأسية لدعمها. وقال: «لقد كنت من أوائل المدرسين الذين انتقلوا إلى هذا المبنى وكنت شابا حينذاك. ولم نكن على وعي بإجراءات السلامة كما نحن الآن».

وأشار يي إلى أن موقفه تغير بعدما أصبح مديرا للمدرسة. وقال: «إذا علمت بوجود خطر ما ولم أقم بواجبي تجاهه فأنا المسؤول إذاً». وبين عامي 1996 و1999، قام يي بالإشراف على المبنى. كما قال أنه ألح على المسؤولين في المقاطعة للحصول على المال. وفي نهاية الأمر، قام القسم التعليمي بمنحه 58.000 دولار. وبعد ذلك بدأت رحلة الترميم. وكان أصعبها يتعلق بالأعمدة والأسقف. وقام العمال بتدعيم الأعمدة بالأسياخ الحديدية حيث كانت الأعمدة الأصلية لا يمكن الاعتماد عليها، كما تمت تقوية الأسقف الخرسانية حتى تحتمل الاهتزاز الشديد. وأشار المهندسون وخبراء الزلازل من خارج الصين عند مشاهدة صور المدارس المنهارة إلى خطأين كبيرين: نقص كمية الأسياخ الحديدية ووجود شقوق في الأسقف الإسمنتية. وقال يي إن مقاييس البناء قد تحسنت بعد عام 2000، ومن المفترض أن تقاوم المباني الزلازل حتى 6 أو 7 درجات. واضاف: «بعد هذا الزلزال، أعتقد أن علينا رفع هذا المقياس إلى 11 أو 12 درجة».

* خدمة «نيويورك تايمز»