البصرة : أحزاب دينية تسعى لتكرار تجاربها السابقة.. وناخبون محبطون من القوائم المغلقة

مصادر مقربة من المرجعية لـ«الشرق الأوسط»: وكلاء السيستاني يعدون قائمة بمرشحين لخوض انتخابات أكتوبر

TT

أطفال قرية يعيش سكانها على حافات الاهوار في محافظة البصرة تحكمها ضوابط التخلف والجهل والإهمال لعقود زمنية طويلة كباقي القرى الأخرى في المحافظات الجنوبية، لم يكمل معظمهم دراستهم الابتدائية. ويستقي الأطفال وذووهم قيمهم الحياتية من موروثهم العشائري وأحاديث (الملالي) من صغار رجال الدين الذين يجوبون الأرياف متكسبين أرزاقهم من مجالس الحسينيات في شهر عاشوراء والمناسبات الدينية وقلما يزور احدهم المدينة مع أمه لكون معظم الآباء مطلوبين لأداء الخدمة العسكرية ويبقى الطفل يتحدث لأقرانه من أطفال القرية أياما طويلة عن مشاهداته في المدينة و«قلة حياء» أصحاب محال بيع الملابس لكونهم يعرضون الملابس الداخلية للنساء في واجهات محلاتهم الزجاجية.

وقال أستاذ أكاديمي في جامعة البصرة، طلب عدم ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط» انه كان واحدا من هؤلاء الأطفال «لكن خالي المتعلم الذي يعيش في مركز المحافظة جلبني معه واكملت تحصيلي الدراسي». وأضاف «لقد نشأ هؤلاء الأطفال على كراهية كل شيء له صله بالدولة والنظام لكثرة مداهمات الأجهزة الأمنية والحزبيه في زمن النظام السابق لبيوتهم بحثا عن الهاربين من الخدمة العسكرية، حتى اصبحوا هم كذلك بين مطارد ولاجئ في إيران القريبة من الحدود». وكشف الأكاديمي ان معظم أبناء القرى الذين عاشوا على شاكلة أطفال قريته تبوأوا بعد سقوط النظام السابق مناصب مرموقة في الدولة ومجالس المحافظات والبرلمان ، وهم مصابون بالعقد والاضطرابات النفسية يمارسون اعمالهم بعقلية قيم القرية وموروثها الغيبي المتخلف إذ ما زال بعضهم الى الان يخشى من (الطنطل والسعلوة) وهما من الحيوانات الأسطورية. وأوضح ان «هؤلاء يحثون الآن الخطى في مناطقهم للفوز في الانتخابات المقبلة باعتبارهم طليعة أحزاب شيعية عانت في الازمنة الماضية المظلومة من الحكومات السابقة».

من هذه الصورة وغيرها أعربت قطاعات واسعة من سكان المحافظة عن خيبة أملها بالأحزاب الحاكمة التي اتخذت من المكونات المجتمعية، الدينية والقومية، واجهات لخداع الناخبين في الدورة الانتخابية السابقة، مؤكدة بعد التطورات الأمنية الأخيرة وارتفاع أصواتها من الهمس الخاص الى الجهر في الأماكن العامة على ان انتخابات مجالس المحافظات التي من المقرر إجراءها في اكتوبر (تشرين الأول) المقبل ينبغي ان تكون وفق نظام القوائم المفتوحة لاختيار الشخصيات المناسبة. وقال المحامي طارق البريسم مسؤول الحزب الوطني الديمقراطي لـ«الشرق الأوسط»: «ان تسعة أحزاب ديمقراطية وليبرالية واشتراكية المؤتلفة في تيار وطني من المؤمل ان تشارك في قائمة موحدة مفتوحة مستفيدة من التطور في الحياة الديمقراطية وزيادة وعي الناخبين بعد تجربة الخمس سنوات الماضية».

من جهته، أعرب عبد الكريم ماهود المحمداوي عضو مجلس الحكم السابق أمين عام حزب الله العراق عن آسفة للمناقشات الجارية في البرلمان العراقي حول نظام الانتخاب بالقائمة المفتوحة ام القائمة المغلقة وقال في لقائه بشيوخ عشائر العمارة أول من امس «أن الكثير من الكتل السياسية للأسف، وخصوصا الائتلاف والإخوة الأكراد، يريدونها قائمة مغلقة وهذا ضرر كبير جدا يؤدي بالعراق إلى حافة الهاوية في مجالس المحافظات، وهو استبعاد حقيقي للمواطن العراقي وإلغاء دوره وعدم وصول الشخصيات الخيرة والشريفة والمخلصة من الرموز الوطنية لمجالس المحافظات». وأضاف المحمداوي «إذا اقر مجلس النواب العراقي القائمة المغلقة فهذا خطأ كبيرا جدا بحق المواطن العراقي وسنواجهه بالتظاهر السلمي المستمر للمطالبة بإقرار القائمة المفتوحة».

وقالت مصادر مقربة من السيد علي الصافي الموسوي عضو الجمعية الوطنية السابقة، كبير وكلاء السيستاني في البصرة، ان وكلاء المرجع الشيعي في المحافظة أعدوا قائمة انتخابية للمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، وان القائمة جاءت بعد سلسلة لقاءات تمت في جامع «الابلة» الكبير ضمت أشخاصا وصفهم بالمستقلين الموالين للمرجعية من الحاصلين على شهادات جامعية.

ودعا وائل عبد اللطيف، النائب الحالي في البرلمان عن المحافظة،  البصريين إلى عدم التذمر من السلبيات الحالية التي رافقت العملية الديمقراطية، مطالبا خلال حضوره المؤتمر الذي نظمه مركز السلام والتنمية للأبحاث الفيدرالية أخيرا في البصرة بمناقشة تجربة مجالس الحكم المحلي الى المشاركة بقوة في الانتخابات المحلية المقبلة وعدم  مقاطعتها.

ويرى خالد خضير (عضو اتحاد الأدباء) ان كل الأحزاب والحركات السياسية الدينية «تشكو المظلومية عندما كانت خارج السلطة وتحاول استدرار عطف المواطن العادي لمناصرتها وعندما تسلمت الحكم كان جل اهتمامها ينصب في ممارسة طقوسها الدينية بحرية مبالغ فيها أحيانا تعبيرا عن حرمانها من تلك الممارسات في العهد السابق من دون ان تبدي حماسا في إعداد وتنفيذ الخطط والبرامج التي تتطلع إليها الأكثرية والتي نجحت في محاكاتها بشعارات براقة خلال الدعاية الانتخابية السابقة»، مؤكدا أن «هذه الأكثرية باتت الان مثل الرجل الضرير الذي لا يضع قدمه قبل أن يتأكد بعصاه من سلامة الطريق».

وأوضح الدكتور جابر الياسري (أكاديمي) ان «المواطن لا ينشد بعد التجربة السابقة غير تحقيق الحد الأدنى من حقوقه الوطنية والإنسانية بعد فقدان الأمن وصعوبة الوضع المعاشي وتردي الخدمات» مشيرا إلى فقدان الحماس لدى شرائح واسعة للاشتراك في الانتخابات المقبلة إن لم نقل إنها باتت غير منحازة لطائفة وقومية في منح صوتها الانتخابي بموجب قوائم الأحزاب بقدر ما ترشح شخصيات وطنية عراقية مستقلة.