أهالي غزة يتفاءلون بالتهدئة ويخشون الخروقات الإسرائيلية

TT

لا يخفي الدكتور ماجد ابراهيم، 41 عاما، شعوره بالتفاؤل الممزوج ببعض القلق حيال اتفاق التهدئة الذي اعلنت عنه حركة حماس اول من امس. وكما قال ماجد المحاضر في الجامعة الإسلامية بغزة لـ«الشرق الاوسط»، إن مبعث التفاؤل يعود الى أنه في حال تم تطبيق ما اعلن عنه فإن الأوضاع في غزة ستتغير «رأساً على عقب». واضاف «بكل تأكيد سيكون بإمكاني أن أتوجه للجامعة بسيارتي الخاصة لا أن انتظر لمدة ساعة أو أكثر حتى أعثر على وسيلة نقل، فقط من لا يعيش هنا لا يستطيع تصور تعطش الناس هنا الى رفع الحصار، فالفظائع التي يحدثها الحصار أكبر من أن يتم تصويرها». ويشارك اسماعيل بليم، المزارع من دير البلح، ماجد شعوره بالتفاؤل. فهذا المزارع الذي تعرضت مزرعته للتدمير أثناء عمليات التوغل الاسرائيلي في مناطق التماس والتخوم الشرقية للتجمعات السكانية الفلسطينية يأمل في أن تسفر التهدئة عن رفع شامل للحصار بحيث يسمح له ليس فقط بإعادة إعمار مزرعته التي دمرت، فحسب بل والحصول على التجهيزات والمواد اللازمة لذلك. وقال بليم لـ«لشرق الاوسط» إن الكثير من المزارعين الذين لم تتعرض مزارعهم للتجريف غير قادرين على العمل لعدم توفر الوقود اللازم لتشغيل الجرارات الزراعية. ورغم ما تعرض له من خسائر، فأن مسحة الأمل تبدو على محيا بليم عندما يتحدث عن المستقبل في ظل التهدئة. سليمان بن عواد، الذي يملك ورشة ميكانيكية لإصلاح السيارات، يرى أن التهدئة ستغيِّر حياته وحياة زملائه في المهنة، مشيراً الى أنه في كثير من الأحيان لا يستطيع تقديم خدمات لزبائنه لعدم توفر قطع غيار. وأضاف في تصريح لـ«الشرق الاوسط» «أن أيَّ تغيير ايجابي سيترك أثره على الأوضاع المعيشية للناس الذين يعيشون حالياً في جحيم أبعد ما يكون عن الحياة الطبيعية». والمتعطشون للتهدئة يتحدثون عن تجاربهم القاسية مع الحصار. إبراهيم عماد، 54 عاما، الذي يقطن مخيم اللاجئين (المغازي)، وسط قطاع غزة قال لـ«الشرق الأوسط» إن الأوضاع «بلغت حداً لا يطاق في ظل تهاوي كل مظاهر الحياة، وتآكل قدرة الناس على تحمِّل ما يتعرضون له». وأضاف «منذ أكثر من عشرة أيام، أنا وأفراد عائلتي لا نتناول إلا وجبة طعام واحدة لأنه لم يعد هناك غاز لطهو الطعام، ولأني مصاب بالربو، فليس بوسعنا استخدام الحطب في الطبخ». ومثل ابراهيم، فان معظم المتحمِّسين للتهدئة ينطلقون من واقع تجربتهم الخاصة مع الحصار لتبرير حماسهم لها.

وقال جمال حميد، 45 عاماً، الذي يعمل موظفاً في إحدى الدوائر المدنية إنه لم يستطع شراء ملابس لأبنائه وبناته الست عشية عرس أخيه بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني بفعل الحصار. ويضيف أنه بسبب إغلاق المعابر التجارية، ارتفعت الأسعار لأن الطلب أصبح أكبرَ بكثير من العرض، متوقعاً أن تعود الأسعار الى وضعها الطبيعي في حال تم التوصل للتهدئة، وأعيد فتح المعابر. واضاف حميد لـ«الشرق الاوسط» «الناس هنا بحاجة إلى فترة راحة ولو قليلة لالتقاط الأنفاس والعودة الى الحياة بشكلها الطبيعي». وحاول عواد سلاسل، 41 عاما، طوال الأسبوع الماضي العثور على حذاء بعد أن تهتك حذاؤه، فتفقد معظم محلات بيع الأحذية بحي الشجاعية بمدينة غزة لكنه لم يحصل على مبتغاه، الأمر الذي أجبره على التوجه لإحدى ورشات اصلاح الأحذية التي ازدهر عملها كثيراً في غزة لإصلاح حذائه.

ويعتبر عواد أنه يتوجب على فصائل المقاومة الفلسطينية أن تدرك الأوضاع الصعبة و«المستحيلة» التي يحياها الناس في القطاع، وأن تضعها في اعتباراتها لدى بلورة مواقفها بشأن التهدئة. ويعتبر عواد أنه يتوجب على الفصائل الفلسطينية أن تراعي حقيقة الدور الذي يلعبه الشعب في دعم المقاومة وتمكينها من الصمود وتحمل تبعات الحصار والعدوان.

وشدد الدكتور وليد المدلل، استاذ العلوم السياسية والباحث الفلسطيني، على أن الفصائل الفلسطينية مطالبة بأن تأخذ بالاعتبار مصالح الناس ورغباتهم ومصالحهم لدى التباحث حول التهدئة. وأضاف في حديث لـ«الشرق الاوسط» «يدور الحديث عن مصالح يومية للناس، ولا بد من أن يتم احترام الإرادة العامة للناس على اعتبار أن هذا من ابسط متطلبات الديمقراطية والحداثة».

وعبر الكثيرُ ممن تحدثت اليهم «الشرق الاوسط» عن نفس المواقف تقريباً، لكنهم في ذات الوقت شددوا على أن أيَّ اتفاق تهدئة يجب أن يؤدي الى رفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة، بما في ذلك اعادة فتح جميع المعابر، من ضمنها معبر رفح. وفي الوقت الذي يرون فيه أن رفع الحصار يتطلب وقف عمليات المقاومة، إلا أنهم غير مستعدين لإبداء تنازلات في ما يتعلق بأي صفقة لإطلاق سراح الجندي الاسرائيلي جلعاد شليط، أو مقايضة إطلاقه برفع الحصار عن القطاع. في ذات الوقت، فإن حماس الفلسطينيين للتهدئة لا يحجب عدم ثقتهم باستمرارها، مشددين على أنهم متأكدون من أن إسرائيل ستخرقها وقتما رأت أن ذلك سيخدم مصالحها.