العراقي المتهم بالتضليل في حرب العراق يدافع عن نفسه: كل ما قيل عني ليس صحيحا

علوان الذي انتهى عاملا في مطاعم الوجبات السريعة: كان ينبغي أن أعامل كملك

TT

كان الأمل يراود رافد أحمد علوان في التمتع بحياة أيسر عندما قدم إلى هنا من العراق منذ تسع سنوات. كما كان يأمل في الحصول على مكافأة لتعاونه مع ضباط الاستخبارات الألمانية. وفي هذا الصدد، أكد علوان أنه: «بالنظر إلى ما قمت به، ينبغي أن تجري معاملتي كملك». بدلاً من ذلك، عمل المخبر العراقي في مطاعم الوجبات السريعة وغسل الصحون في مطعم صيني، إلى جانب عمله في أحد المخابز طوال الليل. كما واجه مشاعر احتقار دولية لتقديمه معلومات استخباراتية كاذبة ساعدت في غزو وطنه العراق. والآن، يشكو المهندس العراقي البالغ من العمر 41 عاماً من أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ووكالات تجسس أخرى تحمله مسؤولية أخطاء اقترفتها. يذكر أن البيت الأبيض اعتمد على معلومات قدمها علوان في صياغة حجته حول امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل. وقد نعتته وكالة الاستخبارات المركزية بالكاذب. وبعد أربع سنوات من كشف صحيفة «لوس أنجليس تايمز» عن الدور الذي لعبه علوان في الفوضى الاستخباراتية التي سبقت غزو العراق، ظلت هويته مجهولة، حيث حرصت وكالة الاستخبارات الألمانية على إخفائها وحماية أمنه. ومع ذلك، عندما طرق مراسل صحافي باب منزله في صباح أحد أيام العام الجاري، لم يبد علوان قلقا أو دهشة إزاء الأمر. وفي إطار سلسلة من اللقاءات التي أُجريت معه بعد ذلك، دافع المهندس العراقي بضراوة عن سمعته والإسهامات الاستخباراتية التي قدمها، مؤكداً «كل ما قيل عني ليس صحيحا». وجاء المراسل الذي طرق باب علوان ليمنحه فرصة الدفاع عن نفسه علانية. وبدا علوان هادئاً وحاول المساومة على أجر عقد لقاء صحافي معه. وعندما فشل في الحصول على المبلغ الذي أراده، أغلق الباب قائلاً إن الحديث إلى الصحافة سيشكل مخاطرة على حياة أسرته. وعلى امتداد الأسابيع القليلة التالية، راوغ علوان في الرد على محاولات إجراء أحاديث معه وعمد إلى تضليل المراسل من خلال حلق شاربه وسحب اسمه من على صندوق البريد. وتعمد عدم في الحضور في المواعيد المتفق عليها. في النهاية، وافق على عقد سلسلة من اللقاءات الموجزة. وفي كل اللقاءات، بدا مصراً على الدفاع عن نفسه وغير آسف على ما قدمه من معلومات، مشدداً على أن آخرين قاموا بتحريف أو إساءة تفسير المعلومات التي قدمها. وأكد علوان «لم أقل قط أن العراق يملك أسلحة دمار شامل، لم يحدث ذلك مطلقاً. وأتحدى أي شخص في العالم أن يقدم ورقة صادرة عني أو أي شيء يحمل توقيعي يثبت أني قلت إن هناك أسلحة دمار شامل في العراق». وفي رده على سؤال حول كيف وصلت معلومات تنطوي على هذا القدر الهائل من الأخطاء إلى إدارة الرئيس جورج بوش، أجاب: «أنا لست مصدر هذه المشكلات». يذكر أن حياة علوان كمخبر سري بدأت في يناير (كانون الثاني) 2000، في أعقاب تقدمه بطلب للجوء السياسي لدى معسكر زرندورف، وهو معسكر لاجئين خارج نيورمبرغ. وتوضح الوثائق أنه أخبر فريقا من الاستخبارات الألمانية بأنه ساعد في إدارة برنامج عراقي سري لإنتاج أسلحة بيولوجية. وخلال 52 اجتماعاً مع ممثلي الوكالة على امتداد العام ونصف العام التالية، قدم علوان رسومات وضعها بخط يده وتفصيلات أخرى. لكن علوان لم يكشف عن كل أسراره، فعلى سبيل المثال، لم يشر إلى أنه تعرض مرتين للفصل لكذبه، أو أنه فر من العراق لتجنب إلقاء القبض عليه. بيد أنه تورط في بعض الكذب الفاضح الذي كان ينبغي أن يثير القلق إزاء مصداقيته. على سبيل المثال، زعم العميل العراقي أن نجل رئيسه السابق، باسل لطيف، ترأس سراً مخططا ضخما لتوريد وتهريب أسلحة دمار شامل من إنجلترا. إلا أن المحققين البريطانيين توصلوا إلى أن نجل لطيف ليس سوى طالب يبلغ من العمر 16 عاماً. وعندما التقى فريق استخباراتي غربي مع لطيف خارج العراق في مطلع 2002، قبل عام من الحرب، حذر لطيف من أن علوان تعرض للفصل مرتين من العمل لتزويره إيصالات، نافياً إنتاج أي أسلحة بيولوجية بالمصنع الذي عمل فيه مع علوان. وقال لطيف، الذي يعيش حالياً في عمان، خلال لقاء أجري معه: «ظنوا أنني أكذب، لكني كنت أقول الحقيقة. لقد أغضبني هذا الأمر كثيراً». ولكن بدلاً من الاعتماد على رواية لطيف، نقل مسؤولو الاستخبارات الألمانية القصة التي رواها علوان حول مساعدته في إدارة مصنع عراقي يقوم بصنع أسلحة بيولوجية. من جانبهم، أقر المحللون المعنيون بالأسلحة البيولوجية داخل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والبنتاغون رواية علوان دونما محاولة للتأكد من صحتها أو استجوابه بصورة مباشرة. وفي خطاب حالة الاتحاد عام 2003، أعلن الرئيس بوش أنه على علم بأن بغداد تبني مصانع متحركة لإنتاج الجراثيم. وسلط وزير الخارجية آنذاك، كولن باول، الضوء على رواية علوان باعتبارها صادرة عن شاهد عيان أثناء عرضه حجة بلاده لشن حرب العراق داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2004، بعد مرور أكثر من عام على الغزو، خلص تحقيق ترأسته وكالة الاستخبارات المركزية إلى أن بغداد تخلت عن جميع برامجها لإنتاج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية بعد حرب الخليج 1991، وأن الشاحنات التي تشكل منشآت لإنتاج الجراثيم لم يكن لها وجود قط. وفيما يخص نشأة علوان، فإنه سني من سكان حي الدورة بجنوب بغداد الذي تقطنه عائلات الطبقة الوسطى. ويعد الأصغر بين خمسة أشقاء، وتولت والدته تربيته بعد وفاة والده، طبقاً لما ورد عن أصدقاء أسرته. وحصل شقيقه الأكبر على رتبة عميد في الحرس الجمهوري في عهد صدام حسين. ودرس علوان الهندسة الكيماوية في الجامعة التكنولوجية ببغداد، وتخرج عام 1990. وتعلم اللغة الانجليزية وتقدم بطلب للانضمام إلى حزب البعث الحاكم. وفي بداية حياته المهنية، عمل علوان في إصلاح الأجهزة، ثم التحق بالعمل مهندسا في مركز الهندسة والتصميم الكيماوي التابع للدولة. وفي نهاية عام 1994، تم تعيينه مهندسا في مجمع جديد على بعد 10 أميال جنوب بغداد. كان هلال فريح، المهندس الذي تولى تدريبه في بريطانيا، رئيس علوان المباشر وكان من معارف أسرته. ويعتبر فريح نفسه الأب الروحي لعلوان، ومع ذلك وجد صعوبة في ان يثق في تلميذه. وأوضح فريح، الذي يعيش حالياً في الأردن، خلال لقاء أًجري معه أن: «رافد يحكي خمس أو 10 قصص يومياً، فمثلاً أسأله أين كنت؟ ويجيب سيارتي تعطلت أو أحد أفراد أسرتي كان مريضاً، لكنني كنت أعلم أنه يكذب. وأضاف أن علوان تمتع بموهبة كبيرة في اختلاق الكذب، ولم يكن يبدو عليه أي حرج عندما ينفضح كذبه. وفي مجمع الحديد كان العمال يقومون بمعالجة البذور الخاصة بالمزارعين المحليين بمبيدات للفطر للحيلولة دون تعفنها. إلا أن علوان نجح في إقناع الاستخبارات الألمانية بأن الموقع شكل جزءا من برنامج عراقي سري لإنتاج الأسلحة الجرثومية. وأخبرهم أنه ظل يعمل هناك حتى عام 1998، عندما وقع حادث بيولوجي لم يتم الإبلاغ عنه. أما في حقيقة الأمر، فان علوان فصل من العمل قبل هذا التاريخ بثلاث سنوات، أي عام 1995، في أعقاب حدوث تضخم في النفقات وتزويره إيصالات بمواد ومعدات. وقال فريح «لقد فصلته لأنه كان فاسداً وتم ضبطه متلبساً بالسرقة». لكن صديق الأسرة منح علوان فرصة ثانية، حيث قام فريح وعلوان واثنان من أصدقائهما بتأسيس شركة تجارية لبيع منظفات محلية الصنع. وأوضح فريح أن علوان فرض مبلغاً إضافياً باهظاً على الشركاء عن كل زجاجة منظف للشعر، ما أسفر عن انهيار الشركة، وكذلك صداقتهما. وفيما بعد، تكلفت والدة علوان التي شعرت بالحرج من تصرفاته بسداد ديون نجلها. وأضاف فريح أنه في أعقاب ذلك، أنشأن علوان خط إنتاج لمستحضرات تجميل، لكنه فشل في خضم مزاعم بأنه مارس الغش تجاه مورديه. ثم عمل فنياً في شركة بابل لإنتاج الأفلام، التي تخصصت في إنتاج أفلام وثائقية تمجد صدام حسين، وأدى تورط علوان في بيع عدسات كاميرات تخص الشركة ومعدات أخرى في السوق السوداء إلى صدور أمر من وزارة العدل العراقية في أغسطس (آب) 1998 بإلقاء القبض عليه.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»