حماس والمهربون.. المستفيدون من الأنفاق.. والبضائع المهربة

TT

في أعماق رمال هذه المدينة الحدودية، يجني أبو مصعب ثروة طائلة. ويأتي المال في شكل سراويل الجينز وقطع الحلوى والسجائر والأحذية وقطع غيار الثلاجات والبنزين وحبوب الفياغرا. وكل هذه الأشياء تمر من خلال نفق أبي مصعب حيث تنتقل من مصر إلى غزة. وكلها تجني له أرباحا كبيرة بسبب الحصار الإسرائيلي الذي يمنع وصول أي إمدادات غير أساسية إلى غزة. وبالنسبة للمهربين من أمثال أبي مصعب، فإن هذا الحصار كان طوق النجاة بالنسبة لهم. وفي هذا يقول أبو مصعب: «إن الحصار شيء جيد بالنسبة لنا، لكنه ليس كذلك لجميع الآخرين».

ومر عام منذ تولي حماس لمقاليد السلطة في غزة من خلال عملية عسكرية ألحقت خلالها الهزيمة بقوات السلطة الفلسطينية. وردت إسرائيل على ذلك بفرض الحصار على غزة، وبعد مرور 12 شهرا، كانت النتائج كارثية على أهالي غزة. والكثير من المنتجات التي تصل إلى القطاع تهرب عن طريق الأنفاق. وارتفعت معدلات البطالة. كما أغلقت الكثير من المحلات أبوابها. وتضاعفت أسعار العديد من المنتجات مع نقص كمياتها في السوق. لكن هناك بعض الفائزين، ومنهم أبو مصعب الذي يرفض الكشف عن هويته. وربما تكون حماس من بين هؤلاء الفائزين أيضاً. فحماس تضطلع الآن بثلاث مسؤوليات في غزة، رغم أن الحدود الخاصة بهذه المسؤوليات غير واضحة، فهي تمثل الحكومة التي فازت بانتخابات يناير (كانون الثاني) عام 2006 وبعد ذلك استخدمت القوة للسيطرة على قطاع غزة منذ عام. وهي جماعة إسلامية متشددة، لكنها وافقت على الهدنة. وهي اللاعب الرئيس في هذا الاقتصاد الفلسطيني المتآكل. وتفرض حماس ضرائب صارمة على عمليات التهريب التي تجري خلال الليل، وتجمع العوائد من الأنفاق حسبما يفيد المراقبون الدوليون. وتقرر حماس كذلك من يتلقى المعونات العاجلة لتعزز بذلك من سلطتها، بل إن الجماعة استغلت سيطرتها في استخدام أنفاق خاصة بها تستغلها في عمليات تهريب السلاح لاستخدامه في محاربة إسرائيل. ويقول ساري باشي، وهو المدير التنفيذي لجماعة غيشا لحقوق الإنسان ومقرها إسرائيل: «إذا أردت تقوية التشديد وإعاقة الاعتدال، فأعتقد أنه ليست هناك وسيلة أفضل من حصار المعابر التجارية لغزة وحرمان 1.5 مليون فرد من كسب عيشهم». ويقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم على علم بالحجم الهائل لعمليات التهريب، وأن حماس تستفيد من ذلك. وأشار تقرير أصدره «الشين بيت» إلى أن حماس استخدمت الأنفاق لجلب صواريخ ذات مدى أبعد من الصواريخ المحلية الصنع، والآلاف من أرطال المتفجرات، بل والخبراء في هذا المجال لتدريب قوات حماس. وبموجب اتفاق التهدئة، فإن إسرائيل تطلب من حماس ردم كل الأنفاق التي يستخدمها جناحها العسكري. لكن يبدو أن إسرائيل نفسها مترددة في ردم كل أنفاق التهريب حتى لا يتفاقم الضغط عليها من أجل السماح بمرور المنتجات عبر الحدود الرسمية. ويقول شلومو درور، وهو المتحدث الرسمي باسم وزير دفاع إسرائيل: «إن أفضل شيء من وجهة نظرنا، هو عدم تهريب الذخيرة. ونحن لا نأبه بتهريب الأشياء الأخرى». وكانت إسرائيل تأمل بفرضها الحصار على غزة في توظيف الضغط الاقتصادي في إضعاف حماس، مما يجبر أهل غزة على الانقلاب عليها. وهناك بعض الإشارات على نجاح هذه الاستراتيجية إلى حد ما. ففي عام 2006 فازت حماس بالانتخابات. لكن استطلاعات الرأي للشهر الماضي تبين أن شعبيتها في غزة تأثرت، اذ لم يحصل رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية سوى على 39% من التأييد المحلي مقابل 56% للرئيس محمود عباس (ابو مازن). ولكن إذا كان يبدو أن شعبية حماس تنخفض، فإن قوتها العسكرية تزداد. ويقول محمد قشطة، وهو وبائع حلوى: «إنهم يأخذون ضرائب على كل شيء يمر عبر الأنفاق أو يأخذون نصف البضائع. ويوما بعد يوم، نواجه الموت وحماس هي المسؤولة». واستسلم قشطة لدفع الضرائب لحماس عندما أتى مندوبها لجمع المال. فكل شيء يقوم ببيعه يكون قد تم تهريبه من خلال الأنفاق، وهو لا يرغب في إيقاف عمله. وتفيد السياسة الرسمية لحماس بأن التهريب ممنوع ويجب إيقافه. ويقول زياد الظاظا وزير الاقتصاد في غزة: «مثل أي سوق في أي مكان بالعالم، عندما يكون هناك نقص في المواد، تكون هناك سوق سوداء. إنه أمر طبيعي. ولكننا نحاول التحكم في سير الأمور، وقد تمكنا من إيقاف العمل في عدد من هذه الأسواق». وعند سؤاله عما إذا كانت حماس تجني أيَّ أموالٍ من خلال عمليات التهريب، أنكر ذلك، وقال: «ولا فلسا واحد»، ولكن على الحدود، قصة مختلفة. فهناك يراقب حراس حماس هذه الأنفاق ويشرفون على حفرها. ويناقش عمال حفر الخنادق خلال فترة الاستراحة مسألة عملهم ويشتكون من صعوبته وخطورته وقلة الأجور. ولكنهم يقولون إنه ليس لديهم خيار آخر. يقول أبو سعيد: «كان لدي محل ملابس. لكن ليس هناك زبائن لأن الملابس غالية الثمن وليس لدى الزبائن أي أموال».

ويبلغ عمق هذه الأنفاق نحو 75 قدما، ويبلغ طولها نحو نصف ميل حتى تبلغ الحدود المصرية. وهناك تجهيزات عديدة بهذه الأنفاق، لكنها تكون عرضة للانهيار، حيث ينهار نفق واحد تقريبا كل أسبوع. يقول عباد العقاد، ويعمل في حفر الأنفاق أيضا: «مات صديقي أمس. كان من المفترض أن يتزوج لكن الرمال انهارت فوقه». ومن الأخطار كذلك القنابل المسيلة للدموع التي يقوم الحراس المصريون بإلقائها في فتحات الأنفاق. وعندما يشتكي العقاد لمسؤولي حماس من صعوبة ظروف العمل وقلة الأجر، فإنه يتلقى إجابة واحدة دائما. ويقول العقاد: «يقولون دائما ليس بإمكاننا فعل شيء. على الحكومة منع إصابة الأفراد. ولكن لأنهم يكسبون الأموال فإنهم لا يأبهون لنا». ومن المستحيل معرفة ما يكسبه أصحاب هذه الأنفاق لأنه لا أحد يعرف عددها. وتتراوح التقديرات بين العشرات والمئات على امتداد الشريط الحدودي البالغ 8 أميال. يقول طلعت أبو إيادة، وهو يشير إلى علب فارغة في محل البقالة الخاص به: «كان الناس يجدون أيَّ شيء هنا. وكانت هذه الأرفف دائما مليئة بالسلع. ولكن الوضع قل الآن. ليس هناك شيء. وإذا وجدت شيئا فلن تستطيع تحمل ثمنه». ولا شك أن مثل هذا الكلام يطرب أذني المهربين من أمثال أبي مصعب الذي يفتخر بأنه يستطيع العثور على أي منتجات. وفي هذا يقول: «نحن نحضر أيَّ سلع يطلبها أصحاب المحلات. وإذا ما طلبوا نوعاً معيناً من الأحذية فإننا نحضره لهم».

لكنه يدفع نحو 6 آلاف دولار في مقابل كل طن من المواد المهربة التي يقوم ببيعها. ويضيف أبو مصعب: «إنه يشعر بالأسى لما يعانيه الشعب الفلسطيني. إننا نعيش في مأساة. وحماس هي المسؤولة. وهم سبب الحصار». ولكنه مع ذلك يأمل في أن يستمر حكم حماس لأطول مدة ممكنة. ويقول: «إن شاء الله سوف أترك النفق لأولادي».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»