سعد العلمي لـ«الشرق الأوسط»: الحوار الاجتماعي لم يفشل.. ولا أرى حالياً مبرراً لتعديل حكومي

الوزير المغربي المكلف العلاقات مع البرلمان: تعديل القانون الأساسي لـ«الاستقلال» لضمان إعادة ترشيح أمينه لم يطرح حتى الآن

محمد سعد العلمي (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

قال محمد سعد العلمي، الوزير المغربي المكلف العلاقات مع البرلمان، ان الحوار الاجتماعي الأخير بين الحكومة والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين لم يفشل، مشيرا الى انه، وباعتراف كل الأطراف، كان متميزا عن جميع الحوارات الاجتماعية السابقة، سواء على مستوى المضمون أو المنهجية المتبعة. وأوضح العلمي، وهو أيضا قيادي بارز في حزب الاستقلال متزعم الغالبية الحكومية الحالية، في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط»، انه لأول مرة في تاريخ المغرب المعاصر ينطلق الحوار الاجتماعي بمبادرة من الحكومة وليس بطلب من النقابات كما جرت العادة.

ورأى أن القول إن الحكومة الحالية «سيئة الحظ»، ربما يكون صحيحاً إلى حد ما، بالنظر للظروف الدولية التي تشكلت الحكومة في ظلها، وتبعاً لما يشهده المناخ الدولي من تقلبات من جراء الارتفاع المتصاعد والمهول لأسعار المواد الطاقية. وقال أيضاً العادة في المغرب درجت على أنه في صباح اليوم الموالي لتشكيل الحكومة تبدأ الإشاعات المروِّجة لتعديلها، أي أن المسألة غدت شيئاً مألوفاً اعتاد عليه الناس، مشيراً الى ان التعديل الحكومي أمر عادي في كل النظم الديمقراطية، ويتم اللجوء إليه كلما كانت هناك دواع لإجرائه. بيد ان العلمي قال انه في الوقت الحالي لا يرى أن هناك مبررا لإجراء أي تعديل حكومي في بلاده.

وبشأن ما إذا كانت الحكومة الحالية مرتاحة، كونها تعتمد بالأساس على دعم فريق الأصالة والمعاصرة في مجلس النواب، الذي يتزعمه النائب فؤاد عالي الهمة، قال العلمي «بالنسبة لنا، يعتبر فريق الأصالة والمعاصرة مكوناً من مكونات الغالبية، لا يختلف بتاتاً عن بقية الفرق البرلمانية التي تساند الحكومة بناءً على ما التزمت به هذه الأخيرة في تصريحها أمام البرلمان».

وحول ما اذا كان يضع فريق الأصالة والمعاصرة وجمعية «حركة لكل الديمقراطيين» في كفة واحدة، قال العلمي إن جمعية «حركة لكل الديمقراطيين»، لها شخصيتها المستقلة، ولها كذلك مبادئها وأهدافها، وهي ليست بالقطع فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب.

وبشأن المؤتمر المقبل لحزب الاستقلال، قال العلمي ان اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الخامس عشر، حددت في اجتماعها الأخير تاريخ 31 أكتوبر (تشرين الأول)، و1 و2 نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 موعداً للمؤتمر، مشيراً إلى أن الترتيبات تمضي بشكل طبيعي. ورداً على سؤال حول ما إذا كان حزب الاستقلال سيقدم مرشحا واحدا للأمانة العامة يكون موضع توافق، مثلما جرت العادة في مؤتمراته السابقة، قال العلمي انه لا يستطيع الجزم بما قد يحدث.

وحول ما اذا كان يؤيد تعديل القانون الأساسي للحزب، لضمان ترشيح عباس الفاسي، الأمين العام الحالي لولاية ثالثة، قال العلمي إن هذا الموضوع لم يطرح حتى الآن داخل هيئات الحزب، وحينما سيثار سيعبر عن رأيه بكل مسؤولية. وأوضح انه لا يريد في الوقت الحاضر أن يسبق الأحداث بإبداء وجهة نظره عبر الصحافة قبل أن يفعل ذلك داخل مؤسسات الحزب وهيئاته التقريرية. وفي ما يلي نص الحوار.

* اعتبر المراقبون أحداث سيدي إفني الأخيرة، بمثابة ناقوس خطر ينذر بتفجر الوضع الاجتماعي بالمغرب، ألا تتخوفون من أن تعم هذه الاضطرابات مناطق أخرى، علما بأن مواجهات مماثلة اندلعت في وقت سابق بمدينة صفرو؟ فما هو تصوركم في الحكومة للخروج من الأزمة الاجتماعية، خاصة أن نتائج الحوار الاجتماعي لم ترض النقابات؟

ـ هذه كلها ملفات ذات أهمية خاصة، وتتكامل فيما بينها. وإذا انطلقنا من الحديث عن الوضع الاجتماعي بالمغرب، بصفة عامة، فإن الإحساس السائد فعلا لدى شرائح واسعة من السكان هو التذمر من جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين. وهذه الظاهرة عامة، وليست وقفا على المغرب وحده، ذلك أن العديد من الدول، وخاصة في العالم الثالث، ارتفعت فيها حدة المعاناة، بسبب ارتفاع تكلفة المواد الطاقية، وبالتالي غلاء السلع الأساسية المرتبطة بالحاجيات اليومية، مما أدى إلى وقوع اضطرابات واحتجاجات ومظاهرات في مختلف الجهات.

وعندما نطرح هذا الموضوع بالنسبة لبلادنا، فإن كلامنا ينبغي أن يتسم بالإنصاف والموضوعية إزاء الحكومة، حيث اتخذت هذه الأخيرة جملة من التدابير والإجراءات، التي كان لها الأثر البليغ في الحد من ارتفاع الأسعار، بفضل تدخل صندوق المقاصة (صندوق دعم المواد الأساسية) للحفاظ على توازن أسعار المواد الأساسية والطاقية، التي لم تعرف أية زيادة منذ عدة شهور، مما ساهم في التخفيف من أزمة ارتفاع الأسعار، التي عاشتها مختلف دول العالم، كظاهرة دولية، وليست داخلية، بمعنى أن ما حدث من ارتفاع للأسعار، وقع لأسباب خارجية، لا يد للحكومة فيها، بل على العكس من ذلك فإن الحكومة بادرت إلى اتخاذ مجموعة من التدابير حتى لا تكون انعكاسات أسعار المواد الغذائية كارثية على القدرة الشرائية للمواطنين.

* لكن ما حدث في مدينة سيدي افني لا علاقة له بارتفاع الأسعار، بل إنه جاء بعد فشل الحوار الاجتماعي، فماذا تقولون؟

ـ الحوار الاجتماعي بين الحكومة والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين لم يفشل، وباعتراف كل الأطراف فقد كان متميزا عن جميع الحوارات الاجتماعية السابقة، سواء على مستوى المضمون أو المنهجية المتبعة.

فلأول مرة في تاريخ المغرب المعاصر ينطلق الحوار الاجتماعي بمبادرة من الحكومة وليس بطلب من النقابات كما جرت العادة. فبعد بضعة أسابيع من تشكيلها طلبت الحكومة من الأطراف الاقتصادية والاجتماعية أن تعمل على تزويدها بملفاتها المطلبية.

وهكذا تقدمت المركزيات النقابية (الاتحادات العمالية) بدفاترها المطلبية، كما تقدم الاتحاد العام لمقاولات المغرب بكتاب أبيض يتضمن مطالبه.

وانطلاقا من هذه الأرضية، تأسس الحوار الاجتماعي بناء على ركائز واضحة، واستمر مفتوحا على امتداد خمس جولات، ساهم فيها الوزير الأول (رئيس الوزراء) من بدايتها حتى نهايتها، مرفوقا بالوزراء المعنيين. وتمت دراسة ومناقشة كل الملفات المطلبية المقدمة من الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين على مستوى مجلس الحكومة، وفي عدة اجتماعات، حيث وقع النظر بعمق فيما يمكن تلبيته فورا، وما هو قابل لبرمجة زمنية معينة لتنفيذه .

ومن جهة أخرى، لم يسبق لأي حوار اجتماعي أن استطاع أن يحصد النتائج التي أثمرها الحوار الاجتماعي الأخير، إذ وصلت الكلفة المالية لتنفيذ التزامات الحكومة إزاء مطالب النقابات 16 مليار درهم، وهي حصيلة لم يسبق لها مثيل في الماضي، حيث كانت النقابات تتفهم الأوضاع، وتقدر الإكراهات، وتقبل بأقل من هذه النتائج .

ومن هنا تكبر علامات الاستفهام: لماذا لم تثمن النقابات نتائج الحوار الاجتماعي الأخير؟ ولماذا تعاملت مع هذه النتائج على عكس ما كانت تتعامل به في السابق، علما بأن ما حصلت عليه هذه المرة، هو أحسن بكثير مما نالته في الأعوام الماضية؟

* إذا كانت الحكومة قد بادرت إلى إطلاق الحوار الاجتماعي، قبل أن يطلب منها، وقدمت للنقابات أشياء كثيرة غير مسبوقة، فهل تعتبرون أن هذه الحكومة سيئة الحظ؟

ـ ربما يكون ذلك صحيحا إلى حد ما، بالنظر للظروف الدولية التي تشكلت الحكومة في ظلها، وتبعا لما يشهده المناخ الدولي من تقلبات من جراء الارتفاع المتصاعد والمهول لأسعار المواد الطاقية وكذا لأسعار المنتجات الغذائية الأساسية، والتي انعكست سلبيا وألقت بظلال ثقيلة على اقتصاديات مختلف دول العالم.

بيد أن كل تلك الإكراهات لم تنل من عزم الحكومة، التي عملت بإرادة قوية على التصدي للآثار السلبية لارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية الأساسية في السوق الدولية على الاقتصاد الوطني.

والدليل على ذلك أن أوراش البناء والإصلاح لم تتوقف، بل مازالت مستمرة ومتواصلة في نفس مستواها الأول. فالمغرب، وبالرغم من كل الصعوبات، لايزال صامدا ومصمما العزم على أن يرفع التحديات. وكل ذلك يعد بمثابة مؤشرات إيجابية ينبغي أن تحسب لفائدة الحكومة التي تواصل بثبات تنفيذ ما سبق أن التزمت به في برنامجها الحكومي، رغم الظروف الصعبة المترتبة عن تداعيات الوضع المالي الدولي المتأزم.

* إذا كانت الأوراش في المغرب متواصلة، فإن مناطق في المغرب لم تأخذ نصيبها من هذه الأوراش، وربما كان ذلك من بين أسباب اندلاع الأحداث الأخيرة في سيدي إفني، خاصة أن منطقة مجاورة لها أخذت في الآونة الأخيرة حصة أكبر في مجال التنمية البشرية، فهل لديكم في الحكومة تصور لإيجاد نوع من التوازن بين مختلف المناطق؟

ـ كون بعض المناطق في المغرب لم تأخذ بعد نصيبها كاملا من أوراش التنمية هو شيء صحيح، ونحن واعون به، والمغرب فعلا مازال يعيش انعدام التوازن في مجال التنمية بين مختلف مناطقه، نتيجة سياسات سابقة، تعود إلى مرحلة ما قبل الاستقلال وما بعده. وهناك بالفعل اختلالات حقيقية، ينبغي التصدي لها، ومعالجتها بشكل جذري. وهذا ما دفع الحكومة الحالية، وبتوجيهات من عاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس، إلى اعتماد المقاربة المتعلقة بالتنمية المجالية، ولأول مرة، ضمن هيكلتها الجديدة وفي نطاق أولويات برنامجها الحكومي.

وتروم استراتيجية التنمية المجالية بسط مظاهر النمو الشامل على مجموع التراب الوطني، حتى لا يبقى مقتصرا على مجالات دون أخرى، أو مناطق معينة أو محاور محددة. ولم يعد الحال كما كان عليه في السابق، حيث كان محور القنيطرة-الدار البيضاء هو السائد. لقد أضيفت إليه محاور أخرى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الشمال والجنوب، غير أن ذلك لا يعني أن أوراش التنمية وصلت إلى كل مكان. ومن هنا فإن اعتماد مقاربة التنمية المجالية، من جهة، وتعزيز مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، من جهة أخرى، يعتبران رافعتين أساسيتين للمجهودات التي يجب أن تنخرط فيها البلاد لتدارك كل ما فات .

* في خضم كل التفاعلات التي تشهدها الساحة السياسية المغربية، تروج أحيانا أنباء قوية بشأن إمكانية إجراء تعديل حكومي محتمل، كيف تتعاملون مع هذه الأنباء، خاصة أنه في كثير من الأحيان يمكن القول إنه لا دخان بدون نار؟

ـ درجت العادة في المغرب على أنه في صباح اليوم الموالي لتشكيل الحكومة تبدأ الإشاعات المروجة لتعديلها، أي أن المسألة غدت شيئا مألوفا اعتاد عليه الناس. إن التعديل الحكومي أمر عادي في كل النظم الديمقراطية، يتم اللجوء إليه كلما كانت هناك دواع لإجرائه. وفي الوقت الحالي لا أرى أن هناك مبررا لإجراء أي تعديل حكومي بالمغرب.

* هل تحسون في الحكومة بارتياح تام لكونكم مساندون من طرف فريق الأصالة والمعاصرة في مجلس النواب، الذي يتزعمه النائب فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب السابق في الداخلية؟

ـ فريق الأصالة والمعاصرة في مجلس النواب، بالنسبة لنا، يعتبر مكونا من مكونات الغالبية، لا يختلف بتاتا عن بقية الفرق البرلمانية التي تساند الحكومة بناء على ما التزمت به هذه الأخيرة في تصريحها أمام البرلمان.

ومن الطبيعي أن نكون مرتاحين للعمل المشترك الذي يجمع بين مكونات الغالبية الحكومية داخل البرلمان، ولما يسود العلاقات فيما بين أطرافها من تماسك وانسجام.

* تحدثم بشكل إيجابي عن فريق الأصالة والمعاصرة، فهل تضعونه في نفس الكفة مع جمعية «حركة لكل الديمقراطيين» التي يتزعمها عالي الهمة أيضا؟

ـ «الأصالة والمعاصرة» فريق برلماني يتكون من نواب ينتمون إلى حزب العهد، ونواب ينتمون إلى أحزاب أخرى متحالفة مع هذا الحزب، ونواب غير منتمين لأي حزب، والجميع يلتئم في إطار فريق نيابي واحد تجمعه قناعات تتطابق مع توجهات الحكومة واختياراتها؛ ويلتقي الفريق المذكور أيضا مع بقية مكونات الغالبية في إطار البرنامج الحكومي الذي يعتبر برنامجا مشتركا لمجموع فرق الأغلبية، تتبناه وتدافع عنه.

أما جمعية «حركة لكل الديمقراطيين»، فهي جمعية لها شخصيتها المستقلة، ولها كذلك مبادئها وأهدافها، وهي ليست بالقطع فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب.

* لكن هذه الجمعية أثارت كثيرا من اللغط في الساحة السياسية المغربية، فقد أبدى الاتحاد الاشتراكي ملاحظاته وتوجساته من هذا «الوافد الجديد» كما سماه، لكنكم في حزب الاستقلال تعاملتم مع الموضوع بنوع من الحذر؟

* المسألة ليست مسألة حذر، بل على العكس من ذلك فقد بادر حزب الاستقلال إلى الاستجابة للطلب الذي تلقاه من جمعية «حركة لكل الديمقراطيين»، بعقد لقاء مع الحزب تكون غايته التعريف بالجمعية وبأهدافها. وخلال هذا اللقاء الذي جمع قيادة الحزب مع الأعضاء المؤسسين للجمعية، أوضح هؤلاء موقفهم الذي يتلخص في التأكيد على أن غايتهم تتجاوز تأسيس حزب سياسي جديد، وأن أهداف الحركة تتجه إلى العمل على تحفيز الفاعلين السياسيين للاضطلاع بما هو منوط بهم من أدوار في تأطير المشهد السياسي وعقلنته، وفي رد الاعتبار للعمل السياسي والحزبي، وتخليق الحياة السياسية بالبلاد. وكيفما كان الحال، فإننا حزب يؤمن بالتعدد السياسي، ولقد دافعنا باستمرار على الحق في الاختلاف، وعملنا على تكريس التعدد سواء في مرحلة قبل الاستقلال أو بعده، حيث رأينا دائما أن من حق أي تنظيم أن يتأسس، في نطاق القانون، وأن يكون له موقعه الذي يستمده من ثقة المواطنين وليس اعتمادا على غير ذلك.

وإذا كانت جمعية «حركة لكل الديمقراطيين»، تصرح بأنها تعمل من أجل تدعيم القطبية والحد من التشتت الذي تشهده الساحة السياسية، فإن بلوغ هذا الهدف لا يمكن أن يتم إلا من خلال الوضوح التام الذي ينبغي أن يطبع العمل السياسي في المغرب.

* وماذا عن ترتيبات الشأن الداخلي لحزب الاستقلال في أفق مؤتمره الوطني الخامس عشر؟ ـ اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الخامس عشر، حددت في اجتماعها الأخير تاريخ 31 أكتوبر (تشرين الأول)، و1 و2 نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 موعدا للمؤتمر العام القادم للحزب.

أما عن الترتيبات فإنها تمضي بشكل طبيعي كما جرت العادة، وهي نفس الترتيبات التي تسبق انعقاد كل مؤتمر عام، سواء على مستوى الأشغال التي تقوم بها مختلف اللجان التنظيمية والقانونية والسياسية والاجتماعية والثقافية، أو على صعيد التحضير للمؤتمرات الإقليمية، التي سيتم خلالها انتخاب المندوبين إلى المؤتمر العام.

فكل التدابير تجري بصفة اعتيادية، وليس هناك ما قد يخرج عن المألوف، أوقد يتعارض وما تنص عليه قوانين الحزب وأنظمته الداخلية.

* اعتاد حزب الاستقلال في مؤتمراته السابقة أن يتقدم لمنصب الأمين العام مرشح واحد يكون موضع توافق، فهل يتكرر الأمر في المؤتمر المقبل، علما بأن هناك من بين أعضاء اللجنة التنفيذية من يفكر في ترشيح نفسه؟

ـ لا أستطيع الجزم بما قد يحدث. صحيح إنه قد جرت العادة أن يتم الاتفاق على مرشح واحد، بيد أن قانون الحزب لا يحول دون أن يكون هناك مرشحون متعددون. ماذا سيقع في المؤتمر المقبل؟ سؤال سابق لأوانه.

* هل أنتم، بصفتكم عضوا في اللجنة التنفيذية، مع تعديل القانون الأساسي للحزب، لضمان ترشيح عباس الفاسي، الأمين العام الحالي لولاية ثالثة؟

ـ لم يطرح هذا الموضوع حتى الآن داخل هيئات الحزب، وحينما سيثار سأعبر عن رأيي بكل مسؤولية، ولا أريد في الوقت الحاضر أن أسبق الأحداث بإبداء وجهة نظري عبر الصحافة قبل أن أفعل ذلك داخل مؤسسات الحزب وهيئاته التقريرية.

* المخاضات والتجاذبات التي يعيشها حليفكم الاتحاد الاشتراكي حاليا، هل ألقت بظلالها على حزبكم؟

ـ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو أحد الأحزاب الرئيسية في المشهد الحزبي المغربي، وهو كذلك مكون أساسي من مكونات الائتلاف الحكومي، وبدون شك فإن ما يعتمل داخل هذا الحزب لا بد أن يلقي بظلاله على الحقل السياسي الوطني بكامله. وقبل ذلك وبعده، فالاتحاد الاشتراكي حليف استراتيجي لحزب الاستقلال، تجمعهما الكتلة الديمقراطية التي بادرا إلى تأسيسها في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي، وعملا معا في إطارها على توحيد الصف الديمقراطي في جبهة واحدة للنضال من أجل بناء مغرب ديمقراطي متقدم ومتضامن.

وإذا كانت الكتلة الديمقراطية قامت منذ تأسيسها بدور بارز في الحياة السياسية الوطنية من خلال الدفع بالبلاد نحو إقرار إصلاحات جوهرية دستورية ومؤسساتية وحقوقية أصبحت تعتبر اليوم من المكاسب الثمينة للشعب المغربي، فإن ثمة أهداف أخرى سطرها الميثاق المؤسس للكتلة لم تتحقق بعد، وتبقى الحاجة ماسة في بلادنا، في ظل المرحلة الجديدة التي يجتازها المغرب، إلى حضور قوي وفعال للكتلة الديمقراطية من أجل تكريس مزيد من المكاسب في نطاق إنجاح المشروع الديمقراطي الحداثي الذي يرعاه عاهل البلاد.

وإننا نأمل صادقين في حزب الاستقلال أن يتمكن الاتحاد الاشتراكي من تجاوز الظروف الحالية بكل نجاح، معبرين عن يقيننا بأنه قادر على ذلك، حتى نستأنف جميعا على صعيد الكتلة الديمقراطية مسيرتنا الوحدوية لتحقيق أهدافنا المشتركة.

* ظلت علاقاتكم مع حزب العدالة والتنمية قائمة على أساس من الود والتقارب، بحكم استناد الحزبين إلى المرجعية الإسلامية، باستثناء وقوع شنآن مع شخصكم، قبل مدة في البرلمان، بيد انه يلاحظ حاليا وجود حالة اسثتنائية تتمثل في التطاحن الجاري بين حميد شباط، عمدة فاس، المنتمي إلى حزبكم، وبعض أقطاب حزب العدالة والتنمية في المدينة، فكيف تنظرون إلى هذا الصراع ؟

ـ لابد من التأكيد أولا على أن العلاقة بين الحزبين هي علاقة احترام متبادل، ولم تعرف في أي فترة من الفترات، أي نوع من التشنج، مع تسجيل فارق يتعين الانتباه إليه وأخذه بعين الاعتبار، وهو أن حزب الاستقلال حزب له مشروعه المجتمعي الديمقراطي الحداثي، الذي يؤمن به ويدافع عنه، وهو منخرط بالفعل في ائتلاف حكومي لتطبيقه، وان حزب العدالة والتنمية، الذي له هو الآخر، مشروعه الذي يتبناه ويدافع عنه انطلاقا من موقعه في المعارضة البرلمانية من خلال النهج السياسي الذي اختاره.

وما وقع بيني وبين فريق حزب العدالة والتنمية في مجلس النواب خلال الولاية التشريعية السابقة، يعتبر خلافا عاديا يحدث في أي نظام ديمقراطي بين وزير مكلف العلاقات مع البرلمان، يدافع عن الحكومة، ونواب ينتمون إلى فريق برلماني يقوم بدور المعارضة.

أما بالنسبة للخلافات التي تقع في هذه المدينة أو تلك، أو بين جماعة أو أخرى، فهي خلافات تحكمها في غالب الأحيان معطيات محلية.

* مارست المعارضة يوم كنت في صفوفها، الآن بصفتك وزيرا مكلفا العلاقات مع البرلمان، ماهو تقييمك بصراحة لدور المعارضة، بعيدا عن الكلام البروتوكولي الحكومي؟

ـ في كل دولة مثل دولتنا تسعى إلى ترسيخ البناء الديمقراطي، فإن حاجتها إلى معارضة برلمانية قوية لا تقل أهمية عن حاجتها إلى غالبية برلمانية فاعلة، وذلك اعتبارا للدور الهام الذي تضطلع به كل من الأغلبية والمعارضة في الحياة البرلمانية.

فهل تقوم المعارضة في المغرب بوظيفتها كاملة؟ وهل تقوم الأغلبية كذلك بكل مهامها ؟ أخشى، نظرا لعامل القرب، أن لا تكون الصورة متجلية أمام ناظري من جميع جوانبها وزواياها. ولذلك فربما قد يكون تقييم المتتبع لعمل البرلمان من بعيد أكثر شمولا من التقييم الذي قد أصرح به انطلاقا من موقعي الحالي.

* الصحافة هي الوجه الآخر للعملية الديمقراطية، فكيف تنظرون إلى الإجراءات المتشددة المعلن عنها أخيراً للحد من وجود الصحافيين في المؤسسة التشريعية؟

ـ القرارات المتخذة أخيرا من طرف البرلمان تدخل فيما يبدو في صلب تنظيمه الداخلي، إذ تتعلق بإجراءات تخص تنظيم ولوج مختلف الفئات إليه، بما في ذلك المسؤولين في دوائر الإدارة، والمرافقين المساعدين للوزراء، والذين لا يمكنهم دخول مبنى البرلمان، إلا إذا كانوا معتمدين لديه، وحاملين لبطاقة الاعتماد.

إنها كما يظهر مسألة تنظيمية عادية، تم اعتمادها كذلك مع الصحافة، إذ صار مطلوبا من كل منبر إعلامي أن يعمل على اختيار من يقوم بمتابعة أشغال البرلمان، وفق ما هو جار به العمل في مختلف برلمانات العالم، حيث يوجد صحافيون متخصصون في الشأن البرلماني.

ولعل النقطة التي أثارت الخلاف، تتعلق بالرسالة المعدة للغاية المذكورة من طرف مكتب البرلمان، والتي رأى فيها الصحافيون نوعا من المساس بكرامتهم. ولذلك يتعين معالجة الوضع بسرعة في نطاق يضمن صيانة حق الصحافي في الوصول إلى المعلومة، وفي نفس الوقت التزام هذا الأخير بأخلاقيات المهنة.

* أين وصل مشروع القناة التلفزيونية البرلمانية؟

ـ مشروع إنشاء قناة تلفزيونية برلمانية هو في الأصل مبادرة حكومية سبق للحكومة أن عرضتها على مجلسي البرلمان في الولاية التشريعية السابقة، ولقيت من قبلهما معا تجاوبا كبيرا. وقد قطع إنجاز المشروع عدة أشواط على مستوى وضع التصور وتحديد آليات العمل، غير أن صعوبات اعترضت تنفيذ المشروع وأساسا في الجانب المادي واللوجستيكي منه، مما أدى إلى تأجيل الشروع في إنجازه.

والواقع أن البرلمان المغربي يعاني كثيرا من الناحية اللوجستكية، ويشتغل في ظروف مادية صعبة، خصوصا وقد تأخر إنجاز البناية الجديدة لمجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان). فمنذ أكثر من عشر سنوات والمجلسان معا يشتغلان في بناية واحدة، كانت في الأصل غير كافية لمجلس واحد.

والآن، وقد انتهت أشغال تشييد البناية الجديدة لمجلس المستشارين، ولم يبق سوى الانتقال إليها، فإن من شأن ذلك أن يساعد على توفير الشروط الملائمة لانطلاق العمل من جديد في أشغال إنجاز القناة التلفزيونية البرلمانية المنتظرة.