بون.. المدينة التي لم تمت

بقيت تنبض بالحياة حتى بعد انتقال البرلمان والسفارات إلى العاصمة برلين

TT

كان من المفترض أن تصبح مدينة بون، العاصمة السابقة لألمانيا والتي تعرف باسم «القرية العاصمة»، شيئا من الماضي، بعد مضي تسعة أعوام منذ أن انتقل مقر البرلمان وسفارات الدول إلى العاصمة الألمانية برلين. ولكن تلك المدينة الصغيرة التي تقع على نهر الراين، والتي خلدها الروائي جون لو كارا كـ«مدينة صغيرة في ألمانيا» في رواية تحمل نفس الاسم، نجحت في الظهور أمام العالم كمكان للمستقبل. تمكن المسؤولون المحليون ومعهم رجال الأعمال من إعادة تشكيلها كمركز دولي لكل شيء بدءا من البحث الطبي حتى الطاقة البديلة. كما تستضيف المدينة مكاتب لمنظمة الأمم المتحدة منذ عام 1996. ومنذ أن انتقل مقر البرلمان الألماني (بوندستاغ) ومقر المستشارية الألمانية عام 1999 من بون، هناك زيادة في فرص العمل في المدينة بلغت أكثر من 12 ألف وظيفة على الرغم من أن عدد قاطني المدينة يبلغ 315 ألف شخص فقط. يذكر أن البطالة في ألمانيا في أقل مستوى لها خلال 15 عاما، ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد الألماني بمعدل سنوي يبلغ 6 في المائة خلال الربع الأول من العام الحالي. وعلى الرغم من أنه من المحتمل أن تسبق معدلات النمو في الصين نظيرتها في ألمانيا، فما زالت الأخيرة، حسب الإحصاءات، صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان. وهي أكبر دولة مصدرة للبضائع في العالم ويرجع الفضل في هذا لقطاع الصناعة المزدهر. وأصبح المقر القديم للبرلمان الألماني الكائن في مدينة بون قاعة للمؤتمرات. وتستضيف بون أيضا شركة «سولر وورلد»، وهي إحدى الشركات الرائدة في ألمانيا في مجال الطاقة الشمسية الممتازة. وتمثل الرعاية الصحية واحدة من كل عشر وظائف في المدينة والمنطقة المحيطة. وقد أعلنت الحكومة المركزية في مارس (آذار) عن اختيار مدينة بون لتستضيف مركزا لأبحاث الجنون ستصل تكلفته إلى مليار دولار. ويوجد في المدينة برج البريد الذي يبلغ ارتفاعه 40 طابقا وهو مصنوع من الحديد والزجاج، ويعمل بخدمة البريد 7000 شخص داخل وحول مدينة بون. افتتح البرج في ديسمبر (كانون الأول) 2002. وتعد شركة الاتصالات الألمانية أكبر شركة من حيث عدد العمال حيث يعمل 12 ألف موظف. يقول توربيورن بوسن، وهو مسؤول تنفيذي بشركة «إريكسون» التي لديها مكتب في بون: «في الواقع، أشعر بزيادة أهمية تلك المدينة». وهناك بعض نقاط القوة لدى ألمانيا وعاصمتها القديمة، التي كان يصفها المستشار الألماني السابق هلموت كول بأنها «رمز التواضع الرائع»، حيث يساعد نزوع ألمانيا لتوظيف قوتها في مؤسسات دولية، مثل الاتحاد الأوربي ومنظمة الأمم المتحدة والناتو، على ممارسة التأثير بدون إثارة اتهامات بوجود طموحات انتقامية بعد الحربين العالميتين. وبالنسبة لمدينة بون، لم تتسبب فاتورة المدينة التي بلغت أكثر من 2.2 مليار دولار من الحكومة الفيدرالية خلال الفترة من 1994 حتى 2004 لتسهيل انتقال البرلمان، في أي مشاعر من الضيق لدى المدن الأخرى داخل ألمانيا. وتوجد في المدينة نحو 20 ألف وظيفة حكومية، حيث تستضيف مقرات ست وزارات. وتفيد مجموعات دفع الضرائب بأن النتيجة هي إهدار مال ووقت الموظفين الذي يأتون ويروحون إلى برلين، كما يشتكي المهتمون بشؤون البيئة من الزيادة في التلوث بسبب الزيادة الكبيرة في السفر جوا. ويقول جورج هاس، وهو المسؤول التنفيذي الأول بـ«اتش دبليو بي أيه جي» وهي مجموعة برمجيات بمدينة بون: «في الماضي، جربنا الكثير من العمليات في الدول التي تقع في الشرق، ذهبنا إلى المجر وإلى بولندا، ولكننا عدنا إلى ألمانيا لأنه تبين في النهاية أن أفضل هيكلة إنتاجية وأكثر مكان يمكنه تحمل وإنتاج البرامج هو ألمانيا». واستشهد هاس بمستوى التعليم والكفاءة والاعتماد على العمال بالإضافة على البنية التحتية في ألمانيا. وفي الوقت الحالي، يراهن السيد بون وشركاه على مستقبل مدينة بون، حيث نفذوا مشاريع عقارية تبلغ قيمتها 465 مليون دولار على نهر الراين. وكان من المخطط أن يضم فندق «إليشيون»، وهو فندق تحت الإنشاء، 160 غرفة، ولكن بسبب النمو المحلي القوي تم توسيعه ليصل على 254 غرفة. وما زالت المدينة تستفيد من الفترة التي كانت فيها عاصمة للحرب الباردة، وقد قضت الحكومة المركزية نصف قرن في محاولة لإكساب مدينة بون صبغة العاصمة التاريخية. ولذا على الرغم من أن مدينة بون تبدو كمدينة صغيرة توجد بها كل عناصر الرفاهية التي تتمتع بها المدن الكبيرة مثل شبكة المترو والمتاحف الرائعة وصالات الحفلات، والمدارس الدولية. وقد ساعدتها الفترة التي كانت فيها عاصمة لألمانيا على اكتساب شهرة كبيرة في مجال السياحة العلاجية بين الموظفين العموميين في الدول الأقل تقدما. افتتح جورجن ريول، وهو متخصص في مجال الإشعاع العصبي، عيادة خاصة للجراحات التوسعية لعلاج مشاكل العمود الفقري. وقد بدأت العمليات في أول الشهر، وقد حجز المرضى من مختلف الدول ومن دول الخليج العربي وحتى روسيا كافة المواعيد خلال الشهر الأول، والبعض ما زال على قائمة الانتظار. يقول الدكتور ريول: «كان يقال إن مدينة بون ماتت، ولكن ثبت العكس». ولدى الدكتور ريول نظرة فريدة، فقبل أن يبدأ دراساته الطبية، كان يعمل ضابط شرطة في الأمن الدبلوماسي وكان ذلك في منتصف السبعينات. «كنا نقول إنها عش ينام في البيروقراطية، ولكنها الآن مدينة مفعمة بالحياة».