إيران مستعدة للتفاوض على سلة الحوافز مقابل كونسورتيوم لتخصيب اليورانيوم في أراضيها

مسؤول بريطاني لـ«الشرق الأوسط»: ندرس رزمة مقترحات إيرانية * سولانا يأمل في رد «قريبا» من إيران * طهران: لو لم نساعد في العراق وأفغانستان لكانت الأوضاع أسوأ بكثير

مهربون ايرانيون في مراكبهم في عمان (رويترز)
TT

قال مسؤولون إيرانيون، إنه بينما تنظر إيران في سلة الحوافز الغربية المقدمة لها من أجل حل الخلاف حول برنامجها النووي، فإنها تنتظر من الدول «5 زائد واحد» (دول مجلس الامن زائد ألمانيا) أن تنظر بدورها في رزمة المقترحات الإيرانية التي قدمت الى الدول الغربية عبر المنسق الاعلى للسياسة الخارجية الاوروبية خافيير سولانا في أبريل (نيسان) الماضي، والتي تتضمن عددا من المقترحات الإيرانية أهمها إنشاء كونسورتيوم دولي على الاراضي الإيرانية بمشاركة طهران والدول العربية والغربية.

ويأتي الربط الإيراني بين حزمة الحوافز الغربية المقدمة لها وبين الحزمة التي قدمتها هي نفسها الى دول الغربية، فيما كشف مسؤول بالخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط» أن دول 5 زائد واحد لم ترفض العرض الإيراني الذي قدمه الامين العام لمجلس الامن القومي الإيراني سعيد جليلي إلى سولانا خلال لقائهما في بروكسل ابريل الماضي. وقال المسؤول البريطاني، الذي لا يستطيع الكشف عن هويته، إن دول مجلس الامن والمانيا مازالت تدرس العرض الإيراني. وتابع «أستطيع أن أؤكد أننا تسلمنا الرزمة الإيرانية قبل فترة. اننا ندرس هذه الرزمة داخل مجموعة 5 زائد واحد، ونحن مستعدون لمناقشة العرض الإيراني بالتفصيل بمجرد ان تستكمل الشروط لإجراء مفاوضات كاملة بين إيران ومجموعة 5 زائد 1»، مشددا على أن إيران تحتاج الى النظر في الأفكار التي قدمت لها عام 2006 من قبل مجموعة 5 زائد واحد، والتي تتضمن الشروط الغربية للتفاوض مع إيران وأهمها وقف طهران تخصيب اليورانيوم قبل بدء المباحثات. وفيما يبدو أن الدول 5 زائد واحد تنتظر من طهران أن توقف تخصيب اليورانيوم، ولو مؤقتا من اجل بدء مفاوضات على الحزمتين، الحزمة الإيرانية للغرب، والحزمة الغربية لإيران، وشدد مصدر إيراني على ان هناك نقاط التقاء بين المقترحات الإيرانية للغرب والمقترحات الغربية لإيران يمكن ان تشكل مدخلا للتلاقي. وقال محمد على مهتدي مسؤول القسم الدولي في صحيفة «اطلاعات» الإيرانية الرسمية المقربة من دوائر صنع القرار في إيران لـ«الشرق الأوسط»: «هناك رزمتان. رزمة إيرانية مقدمة للدول الغربية. ورزمة غربية مقدمة لإيران. بالنسبة لإيران ليس هناك رفض لرزمة المقترحات الغربية. حتى الان لم نسمع أن أي مسؤول يرفض رزمة الحوافز الغربية. الموقف الرسمي أن الجهة الإيرانية مازالت تدرس هذه الرزمة، لكن أنا أعتقد ان هناك تصريحات ايجابية ومشجعة من الجانب الإيراني، مثلا الدكتور متقي عندما كان في باريس أكد اننا نقبل الرزمة الغربية بمقدار ما يقبل الغرب المقترحات المقدمة في الرزمة الإيرانية. يعني هذا ان هناك على ما أعتقد طريقا ثالثا. الموضوع ليس رفض او قبول، او أسود أو أبيض. يبدو ان هناك مساحات رمادية ممكن الاتفاق حولها، وهذا ما سمعناه من خافيير سولانا خلال زيارته الى إيران. نقطة أخرى ان إيران كانت دائما تصر على ان أي مفاوضات أو تسوية بين الجانبين يجب ان تكون مبنية على الاعتراف الغربي القانوني لإيران بامتلاك الطاقة السلمية النووية بشكل كامل. هذا الاعتراف سمعنا من عدة جهات، من سولانا ومن الرئيس ساركوزي. في لقائه بالمؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس بوش، قال ساركوزي بالحرف الواحد انه من حق إيران امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية. يعني هذا الاعتراف من الجانب الغربي بحق إيران في التكنولوجيا النووية السلمية وجود مساحات مشتركة بين الرزمتين، الرزمة الإيرانية والرزمة الغربية. انا أعتقد ان هناك امكانية للتفاهم، خصوصا ان الطرف الغربي سابقا كان يركز على وقف تخصيب اليورانيوم بشكل كامل ومن ثم الدخول في المفاوضات، في حين ان الطرف الإيراني كان يؤكد على مفاوضات بدون اي قيد او شروط مسبقة». وتابع مهتدي الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من لندن: «من ضمن المقترحات الإيرانية في الرزمة المقدمة ايجاد كونسورتيوم إيراني ـ عربي ـ غربي حتى بمشاركة شركات أميركية لتخصيب اليورانيوم في إيران، ثم تسويق اليورانيوم المخصب على مستوى العالم، هذا لبناء ثقة حتى يطمئن الغرب الى ان الهدف الإيراني من تخصيب اليورانيوم هو انتاج وقود نووي للاستخدام السلمي، وليس صناعة قنبلة نووية. هذا اقتراح جيد، وأعتقد ان على الغرب ان يأخذ بهذا الاقتراح، إلا إذا كانت هناك حاجة في نفس يعقوب، ولا يريدون التسوية او التفاهم. من الجهة الإيرانية بمقدار ما يأخذون من الرزمة الإيرانية، سنأخذ من الرزمة الغربية». وبينما مازالت الكثير من نقاط الحوافز الغربية المقدمة لإيران غامضة ولم يكشف عن تفاصيلها وعلى رأسها ماهية الدور الاقليمي الذي يمكن ان تضطلع إيران بالمشاركة فيه، او الترتيبات الأمنية التي سيتم اشراكها فيها، فيما من غير الواضح ايضا ما إذا كان هناك موعد نهائي لإيران للرد على المقترحات الغربية، قال المسؤول البريطاني لـ«الشرق الأوسط»: الكرة الان في ملعب الإيرانيين، ليس هناك موعد نهائي لهم للرد على مقترحات مجموعة 5 زائد واحد، لكننا نريد من الإيرانيين ان يردوا في اسرع وقت ممكن. هم يعرفون ان الكرة في ملعبهم.. لكنني اؤكد على انه ليس هناك موعد نهائي لردهم». ورفض المسؤول البريطاني الدخول في تفاصيل القضايا الامنية التي سيتم اشراك الإيرانيين في ترتيباتها في حالة وافقوا على العرض الغربي، غير أنه أوضح: «قلنا دائما ان لإيران دورا تلعبه في منطقة الخليج العربي والشرق الاوسط. مثلا نريد من طهران دورا بناء أكبر في العراق». أما على الجانب الإيراني فلم يدل المسؤولون الإيرانيون بتفاصيل حول موضوع دورهم الاقليمي في المنطقة، كما لم تتناول وسائل الاعلام الإيرانية هذه النقطة بتفاصيل. وفي هذا الصدد قال مهتدي لـ«الشرق الأوسط»: «هذه التفاصيل لم تتحدث حولها اي جهة رسمية إيرانية بعد. لكن إيران بشكل عام تعتقد أن الدور الاميركي بشكل عام في الشرق الأوسط ليس في صالح شعوب هذه المنطقة، والوجود العسكري الاميركي في المنطقة هو سبب عدم الاستقرار، خصوصا في النقاط المتأزمة في العراق وفلسطين ولبنان».

وأكد مهتدي أنه ليس هناك جدول زمني لإيران للرد على حزمة المقترحات الاوروبية، موضحا: «لم يحددوا اي موعد نهائي لرد إيران، حتى ان سولانا لم يتحدث عن تاريخ محدد او فترة زمنية محددة لكنه تمنى على الإيرانيين ان يردوا بأقصى سرعة ممكنة. لم نسمع ان هناك موعدا زمنيا نهائيا لإيران للرد». ويأتي ذلك فيما قال وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي في مؤتمر صحافي في العاصمة الاوغندية كمبالا ان مجموعة الدول الست ينبغي أيضا أن تنظر بجدية لمقترحات طهران لها. وأضاف «أبلغناهم باستعدادنا للتفاوض. العرض الذي طرحته دول مجموعة 5 زائد 1 هو قيد الدراسة حاليا وفي الوقت المناسب ستعطي طهران ردها». وتابع متقي الذي حضر في كمبالا لاجتماع لمنظمة المؤتمر الاسلامي قائلا «لدينا أيضا ما نطلق عليه العرض الايراني الذي أرسلناه الى دول 5 زائد 1 ونأمل أن يدرسوه فيما ندرس عرضهم». كان سولانا سلم طهران يوم السبت عرضا جديدا من الحوافز السياسية والاقتصادية معدة لاقناعها بالحد من نشاطها النووي، وقال ان ايران يجب أن توقف تخصيب اليورانيوم أثناء المفاوضات عليه. والعرض هو نسخة منقحة من عرض اخر رفضته ايران في 2006 . وأبلغت القوى الغربية ـ التي تشك في أن ايران تستخدم برنامجها النووي المدني كغطاء لصنع قنبلة ذرية ـ طهران بأنها ستواجه مزيدا من العقوبات اذا رفضت العرض الجديد. وقال متقي ان على الولايات المتحدة التوقف عن القاء المحاضرات على ايران بشأن طموحها النووي. وتابع «أميركا ليست في وضع أن تكون سعيدة أو مستاءة بشأن برنامجنا النووي السلمي. انها دولة تختبر حاليا قنابل نووية من الجيل الخامس». وأضاف «أميركا يجب أن تقصر نفسها على حدودها وتوقف التدخل في الامم الاخرى. زمن اصدار الاوامر للامم الاخرى قد ولى. سنواصل مباشرة حقوقنا بالتأكيد». واضاف ان هذا العرض «هو حاليا قيد الدرس في طهران وسنعطي ردا في الوقت الملائم».

لكن متقي تدارك ان «ايران تنتج اكثر من مائتي الف ميغاوات من الطاقة انطلاقا من منشآتها النووية ولاغراض سلمية. سنواصل ممارسة حقوقنا من دون شك».

وخلال مؤتمر صحافي في بلغراد، قال مندوب ايران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي اصغر سلطانية «ندرس اقتراحهم بانتباه (...) نحن مستعدون للتفاوض ولكن من دون اي شرط مسبق». واضاف «قدمنا اقتراحنا الى اوروبا فيما قدمت مجموعة الست اقتراحها. يمكننا البدء بمفاوضات استنادا الى العناصر المشتركة في هذين الاقتراحين». وتابع سلطانية «أؤكد لكم ان انشطة ايران في اطار برنامجها النووي سلمية. اذا كان ثمة شكوك لدى دولة معينة فنحن مستعدون لتبديدها».

ويأتي ذلك فيما قال الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ان الغرب فشل في كسر ارادة ايران في الازمة النووية. ونقل التلفزيون الرسمي عن احمدي نجاد قوله «في المسألة النووية، استنفدت قوى الاستكبار كافة قدراتها لكنها لم تتمكن من كسر ارادة الامة الايرانية».

وتعد هذه اول تصريحات تصدر عن احمدي نجاد حول الازمة النووية منذ تلقي بلاده عرض الحوافز، الا انه لم يتضح ما اذا كانت هذه التصريحات تمثل ردا على العرض.

واستبعد مسؤولون ايرانيون اخرون اي تعليق لتخصيب اليورانيوم. لكن الكلمة الاخيرة تعود الى المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي الذي لم يدل بموقف من الموضوع. وقال احمدي نجاد متوجها الى رجال دين في مدينة قم المقدسة الايرانية «المسألة النووية اغلقت من وجهة نظرنا». وتابع بحسب التلفزيون «بدأوا في الآونة الاخيرة لعبة جديدة لاختبارنا لكنهم لن يحصدوا سوى الذل». وفيما اعلن سولانا امس ان ايران لم ترد بعد على العرض الجديد، معربا عن أمله في تلقي رد «قريب»، قال السفير الايراني في روسيا غلام رضا انصاري إن النقاط المشتركة بين رزمة المقترحات الايرانية ورزمة مجموعة 5 زائد واحد يمكنها ان تشكل نقطة البداية والانطلاقة للمحادثات بين الجانبين وأكد أن طهران تتوقع من مجموعة 5 زائد واحد أن تجيب علي رزمة المقترحات الايرانية التي تتضمن سبلا لحل القضايا الاقليمية والدولية وبالمقابل ستعلن ايران رأيها بعد الدراسة الكاملة لرزمة المقترحات الاوروبية. وقال انصاري: «لو لم تكن مساعدات ايران فيما يتعلق بالعراق وافغانستان لكانت الاوضاع في هذين البلدين أسوا بكثير مما هي عليه الان».