مسؤول مؤسسة الذاكرة العراقية: نريد التأسيس للنسيان وليس للأحقاد .. واستقبلنا مضطهدين من العوجة

الكاظمي لـ«الشرق الاوسط»: أهم وثيقة لدينا رسالة لصدام من خاله ينعته فيها بأوصاف يندى لها الجبين

صورة لوثيقة حصلت عليها المؤسسة تسلط الضوء على جانب من ممارسات النظام السابق في اطار برنامج النفط مقابل الغذاء («الشرق الأوسط»)
TT

«نحن لم نؤسس للذكريات بل أسسنا ذاكرة للنسيان» بهذه الكلمات بدأ مصطفى الكاظمي المسؤول عن «مؤسسة الذاكرة العراقية» حديثه، حيث قال «نحن لم نؤسس لذاكرة ذكريات بل أسسنا ذاكرة للنسيان وترك الماضي خلفنا والانطلاق من لحظه الولادة لا الموت».

ومؤسسة الذاكرة العراقية التي أسسها كنعان مكية، تمتد جذورها الى مطلع تسعينيات القرن الماضي عندما بدأ مكية بجمع وثائق حول «الجرائم» التي ارتكبها النظام العراقي السابق في «انتفاضة» الأكراد في شمال العراق و«الانتفاضة الشعبانية» في جنوبه. وقال الكاظمي في حوار مع «الشرق الأوسط» إن «مشروع مؤسسة الذاكرة العراقية بدأ بعد سقوط النظام مباشرة عام 2003 وهي مرحلة متطورة من المشروع في الولايات المتحدة الأميركية، وهو مشروع للوثائق العراقية الذي كان جزءا من مشروع مكرس للدراسات التابع لجامعة هارفارد في أميركا».

وقال الكاظمي «بعد سقوط النظام كانت هناك مهمة جديدة وهي كيفية الانتقال إلى مشروع بصبغة جديدة هي امتداد لمشروع الوثائق في هارفارد وكان القرار بتأسيس مؤسسة الذاكرة العراقية لدراسة إرث النظام الصدامي (البعث) من أجل صناعة هوية وطنية عراقية تعتمد على الاعتراف بالذنب ومبدأ التسامح وإعطاء الفرصة إلى آلاف الضحايا أن هناك من يستمع ويتعرف بقضيتهم وامتصاص نزعة الانتقام من داخل هؤلاء الناس، وكانت هذه أهداف الذاكرة العراقية». وتحدث الكاظمي عن مشروع آخر سينجز قريبا، وهو مشروع «متحف الذاكرة» الذي «سيخصص لمقتنيات الضحايا والتاريخ الشفهي المصور ومشروع الوثائق ومشروع التواصل مع الجماهير»، مشيرا إلى «أن فكرة الذاكرة تقوم على اعتبار التجارب الماضية وعدم تكرارها وليس من أجل نبش أحقاد وآلام، لأن الألم الكثير من الأحيان يتحول إلى عنصر أمل إذا أعطيت للضحية حق الاعتراف بقضيته، فالفكرة كانت فكرة إعطاء الضحية حقه وما تعرض له من ألم وإعطاء الضحية دفعة أو جرعة لصناعة التسامح داخلهم». وحول ما اذا كانت مؤسسة الذاكرة قد تمكنت من تغطية جميع الشرائح العراقية التي تعرضت للظلم على يد النظام السابق، قال الكاظمي «هذا الأمر صعب جدا لسبب واحد يكمن في العدد الكبير لأعداد الضحايا في العراق، لكننا حرصنا على تغطية الحد الأدنى والمقبول من تجارب الضحايا ان كان في الشمال أو الجنوب أو في المنطقة الغربية أو في بغداد، ونحن لا ننظر إلى الضحية على أساس قومي أو عرقي أو ديني بل ننظر إليه كضحية».

وكشف الكاظمي عن وجود كثير من الضحايا قدموا قصصهم رغم أنهم كانوا يحسبون على النظام السابق «ومن الخطأ أن نميز بين ضحية وأخرى وجاءت إلينا ضحية من نفس القرية التي ولد فيها صدام حسين (العوجة)، كما جاءتنا من النجف واربيل وبالنتيجة هم ضحايا لشخص واحد، وبعض الضحايا اتهم بمحاولة انقلاب ضد صدام من نفس أعضاء البعث وحتى الجيش العراقي والمقربين من النظام وقسم منهم من نفس عشيرة صدام اختلفوا معه لقضايا معينة، وهنا شاركوا إخوانهم في الجنوب والرمادي وكردستان وغيرها». وأشار المسؤول عن مؤسسة الذاكرة في العراق، الى «أن أغلب القضايا التي تمكنا من توثيقها تنقسم إلى قسمين: التاريخ الشفهي المصور وهي تجربة جديدة في منطقة الشرق الأوسط؛ فالضحايا تعبر عن تجربتها أمام الكاميرا وتأسيس أرشيف مصور لتجارب الضحايا لعرض التجربة أمام أجيال المستقبل لتعرف على ما حصل في العراق وتستفيد من هذه التجربة بعدم تكرار ما حصل في الماضي، وحتى هذه اللحظة هناك أرشيف يتكون من 1500 ساعة خلال خمس سنوات، وهو رقم كبير وهائل قياسا بتجارب باقي الشعوب، أما القسم الثاني فهو مشروع الوثائق العراقية، وحصلنا عليها عبر تبرعات بعض المواطنين والبعض الآخر وجدناها في مقرات حزب البعث والأجهزة الأمنية المنحلة وحصلنا عليها بدعم من الحكومة العراقية وبقرار من مجلس الوزراء في زمن حكومة أياد علاوي وأيضا في زمن الجعفري والحكومة المؤقتة»، واضاف الكاظمي «هذه السنة حصلنا على ثلاثة قرارات دعم من مكتب رئيس الوزراء شخصيا لدعم المشروع ولدينا دعم كبير معنوي من رئيس إقليم كردستان ومن الحكومة العراقية، وقمنا بعملية مسح ضوئي للوثائق التي حصلنا عليها فيما نقوم بمعالجة الوثائق التالفة لاستخدامها في متحف الذاكرة العراقية قريبا». وأكد الكاظمي «في الوقت الحاضر لدينا مادة كبيرة جاهزة لأي مشروع مستقبلي يخص ضحايا النظام السابق، كما نملك أعمالا فنية لفنانين عراقيين بعضهم هم أيضا ضحايا النظام وكذلك أعمال مجدت الدكتاتورية، تحتاج لتعريف العراقيين بها حتى يعلموا كيف كانت الدكتاتورية تستغل الثقافة العراقية». كما تطرق إلى تعاون مؤسسته مع المحكمة الجنائية العراقية الخاصة، التي تحاكم رموز النظام العراقي السابق، وقال «تمكنا من تأمين الكثير من الوثائق المهمة للمحكمة الخاصة وقدمنا وثائق دانت النظام واستندت اليها القرارات كأدلة دامغة، في قضية الأنفال وقضايا أخرى وحصلنا على كتاب شكر من المحكمة الخاصة لتقديمنا هذه الوثائق التي ساعدت في إدانة النظام». ومن المشاريع الأخرى قال الكاظمي هناك «مشروع اختزال قصص الضحايا المصورة إلى كتاب سيحوي جميع هذه القصص، وهناك مشروع إصدار كتاب صور للتذكير بالضحايا ومشروع يخص الوثائق التي أمنها لنا الرئيس طلباني وصور وأعمال فنية عن النظام وهذا يعني إصدار أكثر من كتاب لتوثيق ما حصل خلال فترة حكم النظام البعثي»، وأضاف قائلا ان «اهم ما اكتشفناه من وثائق هي رسالة بخط خير الله طلفاح موجهة لصدام حسين، كان يعترض فيها على صدام واتهمه بكافة الصفات السيئة التي كانت تبين الكيفية التي كان يعمل بها النظام السابق وحتى طريقة تعامله مع المقربين له وفي الرسالة وصفه بأوصاف يندى لها الجبين». واختتم مسؤول مؤسسة الذاكرة العراقية في بغداد كلامه بأن هناك «جهات تعمل الآن على تقويض عمل المؤسسة وهي لا تعلم بأنها تقدم خدمة للنظام السابق»، وقال انها «تجربة فريدة لماذا تعرقلونها كتجربة ورغم أنها حصلت على تقييم دولي وإقليمي، وقرار المالكي الأخير بدعم جميع اتفاقياتنا الدولية هو خير دليل على نجاحنا في تحقيق أهدافنا».